يُعاني كين بريسي (Ken Pressey) حساسية شديدة تجاه القطط منذ فترة طويلة. تُسبب هذه الحساسية ظهور الطفح الجلدي وسيلان الأنف وزيادة إفراز الدموع. على الرغم من ذلك، مثل عشرات الملايين من الأشخاص المصابين بالحساسية في الولايات المتحدة، لم يهتم بريسي بالحصول على العلاج أو حتى التشخيص الصحيح على مدى عدة سنوات. عندما تقترب القطط منه، كان يتجنبها فقط.
لكن هذه الاستراتيجية أصبحت أكثر صعوبة. خلال فترة الجائحة، بدأ بريسي لقاء امرأة يعتزم الزواج منها؛ إذ تمتلك هذه المرأة قطتين. يقول الشاب البالغ من العمر 30 عاماً، ويقيم في مدينة سياتل: "إن التواجد مع القطط كان أمراً مزعجاً وصعباً؛ لأنني تعرضت لنوبات ربو".
اقرأ أيضاً: إليك أهم الفوائد والآثار الجانبية لإبر البلازما المستخدمة في علاج تساقط الشعر
علاج الحساسية بالحقن
اقترح طبيب الرعاية الأولية المشرف على حالة بريسي تلقي العلاج بواسطة الحقن المضادة للحساسية. تُعد هذه الطريقة، التي يعود تاريخ استخدامها إلى قرن من الزمن، شكلاً من أشكال العلاج المناعي، وتتمثل بتعريض الجسم لجرعات صغيرة، تزداد تدريجياً من المادة المسببة للحساسية. على عكس الحبوب وبخاخات الأنف التي لا تستلزم وصفة طبية، والتي تخفف الأعراض فقط، تعالج الحقن السبب الجذري للحساسية: فهي تساعد الجسم على تطوير استجابة مناعية للتكيُّف مع المواد المسببة للحساسية والتعامل معها بفاعلية.
وعلى الرغم من أن هذا العلاج لا يقضي على مشكلة الحساسية نهائياً، فقد أشار الخبراء إلى أنه من الممكن أن يخفف حدة الأعراض لدى نحو 85% من المرضى الذين يجربونه. لا يقتصر ذلك على تخفيف حالات العطاس. بالإضافة إلى أعراض الزكام الموسمي، تسبب الحساسية صعوبة في التركيز، ما يؤثّر في القدرة على العمل ومتابعة التحصيل الدراسي. يمكن أن تؤثّر الحساسية أيضاً في جودة النوم وتسبب نوبات الربو، كما تسهم في حدوث اضطرابات مزاجية.
تتطلب الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف هذه المعاناة باستخدام حقن الحساسية وقتاً والتزاماً. يحتاج المرضى عادةً إلى تلقي الحقن المضادة للحساسية مرة أو مرتين أسبوعياً خلال أول 3 إلى 6 أشهر، ثم تتحول إلى جرعات شهرية لمدة 3 إلى 5 سنوات. تتطلب كل زيارة لعيادة الرعاية الصحية خضوع المريض للمراقبة لمدة نصف ساعة بعد تلقي الحقنة تحسباً لحدوث ردات فعل خطرة، مثل صعوبة التنفس أو تورم الحلق، وهي حالات نادرة الحدوث، لكنها تحتاج إلى عناية فورية في حال حدوثها.
بسبب هذه المتطلبات الزمنية المرتبطة بالعلاج، لم تكن حقن الحساسية خياراً مناسباً لبريسي، الذي يعمل مهندساً في الأسطول البحري التجاري الأميركي ويقضي عدة أشهر متتالية في العمل خارج البلاد. يقول بريسي: "لن أكون قادراً على الالتزام بهذا الجدول الزمني". بينما كان بريسي يبحث عن الخيارات البديلة المتاحة، تذكر محادثة حول علاجات الحساسية في أثناء تواجده بأوروبا قبل عدة سنوات، عندما سمع زميله يقول: "نحن نستخدم قطرات الحساسية، ولا نستخدم الحقن، لماذا تريد تلقي حقنة بواسطة إبرة؟".
اقرأ أيضاً: كيف تتم عملية انحراف الوتيرة وكم يستغرق الشفاء منها؟
قطرات الحساسية بدلاً من الحقن
كان زميله يشير إلى شكلٍ من أشكال العلاج المناعي تحت اللسان، الذي يُسمَّى اختصاراً "إس إل آي تي" (SLIT)، والذي يعزز استجابة جهاز المناعة للمواد المسببة للحساسية من خلال وضعها يومياً تحت اللسان. صُمِمت هذه القطرات باستخدام مستخلصات السوائل نفسها المستخدمة في اختبارات الحساسية على الجلد، وتشير الأبحاث إلى أن هذا النهج فعّال وآمن للمرضى، ويمكنهم تناوله بأنفسهم في المنزل. تُعد قطرات العلاج المناعي تحت اللسان، التي تُسمَّى إس إل آي تي (SLIT) من العلاجات الأساسية في أوروبا وكندا وأميركا اللاتينية. وعلى الرغم من أن بعض مقدمي الرعاية الطبية في الولايات المتحدة يقدّمون هذه القطرات بصورةٍ غير رسمية، لكنّ وصف هذا العلاج لا يزال محدوداً لأسباب معقدة تتعلق بالقوانين التنظيمية والمسائل المالية.
هذا يعني أن الوصول إلى هذا العلاج يمكن أن يكون صعباً، حتى بالنسبة للمرضى الذين لديهم حماس كبير لتجربة هذا النوع من العلاجات. يقول بريسي: "قرأت الكثير عن هذا الموضوع، كان الجزء الأصعب هو العثور على مزود خدمة يوفّر هذا العلاج". على الرغم من أنه تمكن من التواصل مع العديد من الأطباء الذين يقدّمون هذه القطرات، لكنّ عياداتهم كانت بعيدة جداً. في نهاية المطاف، انضم بريسي إلى منتدى يناقش المعلومات والتجارب المتعلقة بالحساسية على منصة ريديت (Reddit)، ما دفعه إلى التواصل مع شركة كيوركس (Curex)، وهي إحدى الشركات الصحية الافتراضية، التي بدأت بيع اختبارات الحساسية وقطرات العلاج المناعي تحت اللسان مباشرةً للمستهلكين.
أطلقت عدة شركات أنشطتها خلال جائحة كوفيد-19، عندما كانت الرعاية الصحية عن بُعد تشهد ارتفاعاً متزايداً، وأدّت مخاوف الإصابة بكوفيد-19 إلى منع بعض المصابين بالحساسية من الذهاب إلى العيادات لتلقي الحقن. تركّز خدمات هذه الشركات على تشخيص الحساسية المرتبطة بالعوامل البيئية وعلاجها، مثل الحساسية تجاه الحيوانات الأليفة والغبار وحبوب الطلع والأعشاب.
مع زيادة استخدام الإنترنت لتقديم خدمات الرعاية الصحية، يتمتّع المرضى بإمكانية أكبر للوصول إلى العلاجات، لكن ذلك يكون غالباً على حساب التواصل المباشر بين الطبيب والمريض. كما هو الحال في المجالات الطبية الأخرى، أصبح العثور على الرعاية الصحية المناسبة للمصابين بالحساسية أمراً يتطلب الحذر من جانب المستهلك؛ إذ يواجه صعوبات في اختيار الرعاية المناسبة. تمنع الحوافز المالية والمشكلات القانونية أطباء الحساسية من اعتماد العلاج، وبالتالي فإن توفير هذا العلاج بأسعار معقولة أصبح مسؤولية الأطباء غير المختصين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات.
اقرأ أيضاً: هل توجد صلة بين فقدان حدة البصر والإصابة بالخرف؟
العلاج المناعي لمسببات الحساسية
يعود أصل العلاج المناعي لمسببات الحساسية إلى تجربة رائدة نُشرت عام 1911. في تلك الدراسة، جمع باحثان بريطانيان المرضى وأظهرا أن حقن أذرعهم بمستخلصات حبوب اللقاح التي تحتوي على مواد تسبب الحساسية، يمكن أن يهدئ من التهاب الأنف التحسسي، وذلك عن طريق تقطير مستخلص حبوب اللقاح في عيون المرضى وملاحظة مدى الحرقة والحكة. من خلال المعرفة المحدودة حول الخلايا والجزيئات التي تؤدي دوراً في العلاج، حسّن الأطباء هذه الطريقة، وفي عام 1954، أجروا تجربة مزدوجة التعمية وأكدوا فوائدها.
مع انتشار نظام الحقن بين الأطباء، أثبت هذا الإجراء أنه آمن تماماً، لكن الأخبار عن وفاة العديد من المرضى في أوائل الثمانينيات دفعت بعض الباحثين إلى استكشاف طرق أخرى لعلاج الحساسية دون استخدام الحقن. أفضت جهودهم إلى ظهور العلاج المناعي تحت اللسان، أو القطرات السائلة التي تقدّمها الآن شركات التعامل المباشر مع المستهلك. وفي البداية، رأى أطباء الأذن والأنف والحنجرة إمكانية أن يوفّر هذا العلاج الراحة للمرضى ويكون مناسباً بصورةٍ أفضل لعلاج الحساسية.
طب الأنف والأذن والحنجرة هو تخصص جراحي في المقام الأول. لكن يمكن أن يكون للحساسية دورٌ في تفاقم بعض المشكلات الطبية التي يتعامل معها أطباء الأذن والأنف والحنجرة، وتشكّل غالباً عقبة أمام علاجها. يقول جراح الرأس والعنق المتخصص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة في مدينة أوستن بولاية تكساس، الذي بدأ ممارسة المهنة عام 1997، كريس تومسون (Chris Thompson): "تكون الحساسية سبباً أساسياً لظهور الأورام وأمراض الأنف لدى بعض المرضى. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم لا يقبلون علاج الحساسية لأنه يكون دائماً باستخدام الحقن".
على مدى العقد التالي، استمرت الأبحاث حول العلاج المناعي تحت اللسان. بحلول عام 2007، كان يوجد إجماع متزايد على فاعلية العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)، وفقاً لمراجعة نُشرت في مجلة الحساسية والمناعة السريرية (the Journal of Allergy and Clinical Immunology) عام 2007. في تقرير صدر عام 2009، أقرّت منظمة الحساسية العالمية (the World Allergy Organization) العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) بوصفه علاجاً فعّالاً وقابلاً للاستخدام. بدأ الأطباء المغامرون تقديم هذا النوع من العلاجات المناعية.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال التفاصيل الرئيسية حول هذه الطريقة غامضة، مثل الجرعات المطلوبة لتحقيق الفائدة المرجوة. يقول تومسون: "يمكن أن يحصل المريض على جرعة من العلاج يكون تركيزها أضعف بكثير من تركيز جرعة يعطيها طبيب آخر؛ إذ لا توجد معايير موحدة لاستخدام العلاج".
اقرأ أيضاً: ما هي عملية زراعة جراثيم البراز وهل هناك بدائل أبسط عنها؟
كان أطباء الحساسية مهتمين بالعلاج المناعي تحت اللسان، لكنّ القليل جداً منهم كانوا يقدّمونه في العيادات في ذلك الوقت. وفقاً لإحصائية أجرتها الكلية الأميركية لأمراض الحساسية والربو والمناعة (the American College of Allergy, Asthma, and Immunology) عام 2007، أشار 5.9% فقط من أطباء الحساسية الممارسين إلى أنهم يستخدمون العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)، وبحلول عام 2011 ارتفعت هذه النسبة إلى 11.4%. أشار معظم المشاركين إلى أن العائق الرئيسي أمام استخدام العلاج يكمن في عدم وجود منتجات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء (FDA).
وعلى الرغم من ذلك، ازداد الاهتمام بالعلاج المناعي تحت اللسان في مجال طب الأذن والأنف والحنجرة. عقدت الجمعيات الطبية المتخصصة ندوات حول العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) في اجتماعاتها السنوية، كما شكّلت مجموعات فرعية مكرّسة لدراسة هذا النهج الجديد. يقول تومسون: "يقدّم بعض اجتماعات جمعيات طب الأنف والأذن والحنجرة دورات للأطباء لبدء استخدام العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)".
العلاج المناعي تحت اللسان
تابع تومسون تطور هذا المجال لفترة من الوقت، ولاحظ تقدم الأبحاث المتعلقة بالعلاج المناعي تحت اللسان في ظل الاتجاهات العامة فيما يخصُّ العلاج المناعي لمسببات الحساسية، التي تستمر حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من أن الحقن هي العلاج الأساسي في عيادات علاج الحساسية في الولايات المتحدة، فإن استخدامها محدود جداً. يختار هذا العلاج فقط 2 أو 3% من المرضى الذين شُخصت إصابتهم بالحساسية حديثاً، والذين يوصى لهم بهذا النوع من العلاج. مقارنة بعدد المرضى الذين يشترون دواء زيرتيك (Zyrtec)، الذي لا يستلزم وصفة طبية، فإن عدد الأشخاص الذين يتلقّون العلاج المناعي ضئيل جداً.
اقترح تومسون إحدى الطرق لإحداث تأثير ملموس من ناحية استخدام هذا العلاج، وهي تقديم العلاج الذي يُلبي رغبة الناس من حيث سهولة الاستخدام والفاعلية. في عام 2012، افتتح تومسون عيادة ثانية تحمل اسم "أسباير أليرجي آند سينوس" (Aspire Allergy & Sinus)، وركّز فيها على استخدام قطرات تحت اللسان بوصفها جزءاً من العلاج. يقول تومسون: "في ذلك الوقت، بدا العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) واعداً، كنا نعتقد أنها فرصة رائعة جداً".
بعد عقدٍ من الزمن، استلهمت شركات التعامل المباشر مع المستهلك طموحاً مماثلاً لتنمو وتتطور.
اختبارات الحساسية وعلاجها
ثمة ميزات وعيوب بين اختبار الحساسية وعلاجها في العيادة وفي المنزل. عندما يتعلق الأمر بتشخيص الإصابة بالحساسية، يعتمد الأطباء عادةً على تاريخ سريري مفصّل، ثم يستخدمون الاختبار، إذا لزم الأمر، لتأكيد حساسية المريض. يُعد اختبار الجلد الوسيلة التشخيصية المفضّلة لدى أطباء الحساسية. يتميز اختبار الجلد بسرعة قراءة النتائج وسهولة ملاحظتها؛ إذ تظهر كتل حمراء اللون أو بثرات على جلد المريض بعد 15 إلى 30 دقيقة من تعرضه لمسببات الحساسية المحتملة في أثناء إجراء الاختبار في العيادة الطبية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن إجراء هذا الاختبار في المنزل.
يتمثل الاختبار الثاني في فحص دم المريض للتحقق من وجود البروتينات المناعية التي تُسمَّى الأضداد المناعية أو الغلوبيولين المناعي إي (immunoglobulin E). ترتبط الأضداد المناعية بمسببات حساسية معينة، مثل حبوب اللقاح أو الفول السوداني، وتؤدي إلى إطلاق مادة الهيستامين (histamine) الكيميائية، ما يجعل الناس يعطسون ويتعرضون للحكة والتورم، وفي بعض الأحيان يتعرضون للحساسية المفرطة. يمكن للمرضى إجراء فحص الدم في المختبر أو في المنزل بصورة متزايدة؛ إذ يبيع بعض الشركات عبر الإنترنت مجموعات أدوات للاختبار، بحيث يستخدم العملاء جهاز وخز الإصبع لوضع قطرات من الدم على شريحة، وإرسالها عن طريق البريد إلى المختبر لتحليلها.
يقول الخبير في اختبارات تشخيص الحساسية والمناعة في كلية الطب في جامعة جونز هوبكنز، روبرت هاملتون (Robert G. Hamilton): "يمكن أن يكون تفسير نتائج فحوصات الدم أمراً صعباً؛ إذ تشير النتيجة الإيجابية إلى وجود أضداد مناعية (IgE)، ما يعني أنك أصبحت معرضاً للحساسية تجاه المادة، لكن هذا لا يعني ظهور أي أعراض حساسية".
ثمة عقبة أخرى محتملة. يقول اختصاصي أمراض المناعة والحساسية في كلية الطب بجامعة نورث كارولينا، إدوين كيم (Edwin Kim): "إذا اشترى المريض مجموعة أدوات اختبار منزلية للحساسية وأجرى الاختبار وتلقّى النتائج قبل أن يتحدث مع الطبيب، ربما يتعرض لتأثير التحيز التأكيدي؛ أي أنه ربما يميلُ إلى تفسير النتائج بطريقة تؤكد اعتقاده السابق أو توقعاته قبل التحقق منها أو استشارة الطبيب المختص، على سبيل المثال، إذا كانت نتيجة اختبار حساسية المريض تجاه الغبار إيجابية، فمن الممكن أن يطرح الطبيب العديد من الأسئلة المتعلقة بالغبار حتى يتمكن من إثبات حساسية هذا المريض تجاه هذه المادة بالفعل".
على الرغم من ذلك، يمكن أن تصل الاختبارات والإجراءات المنزلية إلى عدد أكبر من المرضى عندما يكون من الصعب الحصول على موعد شخصي مع طبيب الحساسية. يقول طبيب أمراض الحساسية والمناعة، شيام جوشي (Shyam Joshi): "جدول المواعيد ممتلئ بالكامل حتى نهاية العام الحالي في جامعة أوريغون للصحة والعلوم (Oregon Health and Science University)". وفي كلية الطب بجامعة نورث كارولينا، وهي مركز أكاديمي يستقطب الإحالات من أنحاء الولاية كافة وحتى من الولايات المجاورة، يرى كيم بنفسه كيف يواجه المرضى صعوبات في جدول مواعيدهم العلاجية. يقول: "على الرغم من أننا ربما نعتبر هؤلاء المرضى مرشحين ممتازين لتلقي الحقن المضادة للحساسية، لكن من غير الواقعي أن نطلب من الناس قيادة السيارة لمسافات طويلة كل أسبوع بصورة متكررة للوصول إلى مكان إعطاء الحقن".
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لمعرفة كل ما تريده عن مسكن الألم ديكلوفيناك
كما أن الحقن المضادة للحساسية ليست خالية من المخاطر. بينما تسير العملية بسلاسة بالنسبة للعديد من المرضى، يتطور الأمر لدى بعضهم بحيث يظهر احمرار وتورم في الذراع بعد تلقي الحقن. تقول طبيبة الحساسية في مدينة هانترسفيل بولاية كارولينا الشمالية، نيكيلا شرودر (Nikhila Schroeder): "في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الحقنة إلى نوبة ربو أو رد فعل تحسسي شديد في الجسم بأكمله"، إذ تتذكر أنها لاحظت ذلك منذ نحو عقد من الزمن عند إعطاء الحقن خلال فترة تدريبها في مجال الحساسية والمناعة. تقول شرودر: "وفقاً لهذه القيود جميعها، بدأتُ أتساءل، هل يوجد أي طرق أخرى يمكننا استخدامها؟"
في الآونة الأخيرة، توصل رائد الأعمال في مجال الرعاية الصحية في مدينة نيويورك، جين كاكولين (Gene Kakaulin) إلى هذه الفكرة نفسها. في عام 2018، كان كاكولين يشكو لصديقه حساسيته تجاه القطط والغبار وحبوب اللقاح، وكيف ساءت الأمور خلال سنوات مراهقته عندما جرب تلقي الحقن للتخفيف من الأعراض. يقول كاكولين: "كانت الحقن مؤلمة، لم أتمكن من الاستمرار في تلقيها".
العلاج المنزلي مقابل العلاج في المراكز الصحية
بالمقابل، يستغرق العلاج المنزلي وقتاً أقل ويسبب ألماً ومخاطر أقل نسبياً، وفي الوقت نفسه تستمر عملية تعزيز الجهاز المناعي وتدريبه عن طريق التعرض المتكرر لمسببات الحساسية. يؤدي كلٌّ من النهجين إلى حدوث تغيرات مناعية متشابهة، على الرغم من أنه يمكن أن يختلف تأثير العلاج المنزلي والحقن المضادة للحساسية فيما يتعلق بسرعة التأثير وحجمه ونوع الأجسام المضادة المشاركة في الاستجابة المناعية. إجمالاً، تظهر التأثيرات المناعية بصورة أسرع وأقوى عند استخدام الحقن، بينما يمكن أن تستغرق وقتاً أطول مع العلاج تحت اللسان.
تقول شرودر، التي تدير عيادة لعلاج الحساسية في ولاية كارولينا الشمالية وتتخصص في العلاج المناعي تحت اللسان: "من الصعب مقارنة هذه التغيرات علمياً، لا سيّما أن العلاج المناعي عادة يكون علاجاً شخصياً، بحيث تُصمم كميات الجرعات ومقدار زيادة هذه الجرعات وفقاً لاحتياجات كل مريض".
يقول طبيب الحساسية في مدينة ساراسوتا بولاية فلوريدا، هيو ويندوم (Hugh Windom): "في الدراسات التي حاولت مقارنة نهجي العلاج المناعي، يبدو أن الحقن تحقق الفاعلية نفسها أو حتى تتفوق، وفيما يتعلق بمعايير السلامة، فإن العلاج المناعي تحت اللسان يتفوق دائماً".
كان العلاج المناعي تحت اللسان متوفراً في الولايات المتحدة منذ عقود. إن قطرات العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)، التي يمكن أن تعالج العديد من مسببات الحساسية المختلفة معاً، ولم تحصل على موافقة رسمية من إدارة الغذاء والدواء، توفرت في إحدى عيادات علاج الحساسية منذ عام 1970، كما بدأ أطباء الأنف والأذن والحنجرة بتقديم هذا النوع من العلاج منذ عام 2010. في عام 2014، وافقت إدارة الغذاء والدواء على العديد من الأقراص التي تذوب تحت اللسان. تعالج 3 أنواع من هذه الأقراص الحساسية تجاه العشب أو حبوب اللقاح، فيما حصل منتج آخر من هذه الأقراص على الموافقة عام 2017 لعلاج الحساسية من عث الغبار.
وفقاً لأبحاث السوق التي قدّمها جورج ألديريتي (Jorge Alderete) لمجلة أندارك (Undark)، الذي قدّم استشارات لشركات التعامل المباشر مع المستهلك والشركات الناشئة الأخرى في مجال الرعاية الصحية، ويشغل منصب عضو في مجلس إدارة لجنة الرعاية الصحية لعلاج الحساسية المدعومة برأس مال خاص في مدينة هيوستن، يعتمد فقط نحو 15% فقط من المرضى الذين يتلقّون العلاج المناعي ضد الحساسية في الولايات المتحدة والبالغ عددهم مليوني مريض، على العلاج المناعي تحت اللسان؛ إذ يفضّل معظم هؤلاء استخدام القطرات. يُقدّر أن 85% من المرضى الذين يتلقّون العلاج المناعي ضد الحساسية في الولايات المتحدة يستخدمون طريقة الحقن.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الاستخدام الطويل الأمد لمضادات الحساسية يسيء للذاكرة
يعود أحد أسباب ذلك إلى التقاليد المتبعة. يقول ويندوم: "بالطبع، نحن متمسكون بطريقة الحقن لأننا نستخدمها منذ 100 عام".
أمّا السبب الآخر، فهو يتعلق بتعدد الاستخدامات. يعاني معظم المرضى من الحساسية تجاه أكثر من مادة واحدة، وعلى الرغم من ذلك يفضّل أطباء الحساسية المنتجات المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء (FDA)، مثل أقراص العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)، التي تعالج مادة واحدة فقط من المواد المسببة للحساسية. من ناحية أخرى، يمكن تصميم الحقن لعلاج العديد من مسببات الحساسية لدى المريض في وقتٍ واحد. بعد استخدامها لأكثر من قرن، أصبحت الحقن المستخدمة في علاج الحساسية تخضع لتنظيمات وقوانين إدارة الغذاء والدواء، كما تغطي شركات التأمين تكاليفها.
يمكن أيضاً تصميم قطرات العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) لمعالجة حالات حساسية متعددة، لكن نظراً لعدم موافقة إدارة الغذاء والدواء على استخدامها وعدم وجود رمز تعريف معتمد من المؤسسات التأمينية أو النظام الصحي لتغطية تكاليف العلاج، يجب على المرضى في كثيرٍ من الأحيان دفع التكاليف من جيبهم.
كما تؤدي إيرادات العيادة دوراً في ذلك. عندما يفحص طبيب الحساسية المريض ويوصي باستخدام دواء، مثل مضاد الهيستامين، فإنه يتقاضى رسوماً مقابل زيارة واحدة لعيادته. لذلك، فإن حقن الحساسية تسهم في جلب إيرادات إضافية للعيادات الطبية. (ربما يكون من الصعب تقدير حجم الإيرادات بالضبط؛ إذ يمكن أن تختلف التكاليف من عيادة إلى أخرى).
عندما يخضع المريض للحقن، يمكن أن تصل مدة العلاج في العيادة من 3 إلى 5 سنوات، وتتضمن هذه الفترة عدداً كبيراً من الزيارات الأسبوعية والشهرية التي يمكن تحصيل رسومها. يقول ألديريتي: "بالإضافة إلى ذلك، مع كل زيارة، تفرض العيادة رسوماً على إعداد العلاج المخصص وإعطاء الحقنة، ومن وجهة نظر تجارية، فإن العلاج المناعي يوفّر إيرادات مستمرة طوال فترة العلاج".
مزايا أقراص العلاج المناعي تحت اللسان
على عكس الحقن، التي تُفرض عليها رسوم بوصفها أحد الإجراءات الطبية، فإن أقراص العلاج المناعي تحت اللسان تُعد من الأدوية التي يصفها الطبيب وتُصرف من الصيدلية، ويعتمد سعرها على الأسعار المعمول بها للأدوية الموصوفة. يقول كيم: "يفضّل أطباء الحساسية في الولايات المتحدة استخدام الحقن لعلاج الحساسية، لتحقيق عائدات مالية أكبر، بدلاً من وصف أقراص العلاج التي يشتريها المريض من الصيدليات، مثل سلسلة صيدليات وولغرينز (Walgreens)". يمكن تحضير قطرات العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) داخل بعض العيادات، أو يمكن أن يرسل الأطباء الوصفة الطبية إلى الصيدليات المتخصصة بتركيب الأدوية لتحضيرها.
يقول ألديريتي: "يتشابه العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT)، في شكل القطرات، مع الحقن من حيث تنوع استخدامها؛ إذ يمكن لكل منهما التعامل مع مجموعات من مسببات الحساسية مع جرعات قابلة للتعديل والزيادة، لكن يمكن أن تكون هوامش الربح من استخدام الحقن لكل مريض أكبر".
ويرجع ذلك جزئياً إلى التكاليف التي يتحملها الأطباء لشراء مستخلصات المواد المسببة للحساسية وتحضيرها. تقول طبيبة الحساسية والمناعة، التي تقدم كلا العلاجين في عيادتها المتخصصة في علاج الحساسية بالقرب من مدينة شيكاغو، ساكينا باجوالا (Sakina Bajowala): "على الرغم من أن الأشكال المختلفة للعلاجات المناعية تستخدم المادة نفسها، لكن مستحضرات العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) يمكن أن تكون أكثر تركيزاً حتى من حقن الحساسية ذات الجرعات العالية".
في أحد تحليلات أنظمة العلاج المناعي للحساسية تجاه شجرة البتولا، كانت الكمية الإجمالية لمسببات الحساسية المعطاة خلال عام واحد أكبر بـ 30 مرة عند استخدام العلاج المناعي تحت اللسان مقارنة باستخدام الحقن. تقول باجوالا: "يمكن أن يؤدي استخدام العلاج المناعي تحت اللسان، الذي يُحضر في العيادات، إلى تقليل هوامش الربح بالنسبة للأطباء؛ إذ إنه كلما زادت كمية المواد المستخلصة المستخدمة، زادت تكلفة القطرات".
يقول تومسون: "إن عيادات الأنف والأذن والحنجرة أكثر استعداداً لتقديم علاج ذي هامش ربح أقل مقارنة بأطباء الحساسية، لأن إيرادات هذه العيادات تعتمد أساساً على إجراء العمليات الجراحية، لذلك، فإن العلاج المناعي تحت اللسان هو خدمة ثانوية إلى حد ما".
لكن إجمالاً، لا تُعد قطرات العلاج المناعي تحت اللسان (SLIT) خياراً أساسياً لعلاج الحساسية حتى الآن، على الرغم من تزايد الاهتمام بهذا النوع من العلاجات.
بعد سماعه عن توفر علاج لا يعتمد على استخدام الإبر، وهو قطرات العلاج المناعي تحت اللسان، تواصل كاكولين مع العديد من العيادات في مدينة نيويورك ليحظى بفرصة لتجربة هذا العلاج بنفسه. يقول: "تحسنت الأعراض خلال بضعة أشهر، ما ساعدني على النوم وممارسة التمارين الرياضية على نحو أفضل". حتى اليوم، لا تزال القطرات جزءاً من الروتين الصباحي لكاكولين؛ إذ يضعها لمدة دقيقتين تحت اللسان، بعد تنظيف أسنانه مباشرةً وخلال حلق لحيته.
شارك كاكولين في تأسيس شركة كيوركس (Curex)، وهي واحدة من الشركات التي تعمل عبر الإنترنت وتقدّم خدمات متعلقة بعلاج الحساسية؛ إذ بدأت نشاطها خلال الجائحة مع ازدياد خدمات الرعاية الطبية عبر الإنترنت. قبل الجائحة، كانت نسبة المواعيد الطبية لعلاج الحساسية عبر الإنترنت تبلغ 1% فقط، لكن هذا الرقم ارتفع إلى 54% بعد مرور شهر واحد من فرض إجراءات الإغلاق. وفقاً لتحليل أجرته شركة ماكنزي (McKinsey) الاستشارية، ارتفعت نسبة خدمات الرعاية الصحية عن بُعد بمقدار 78 ضعفاً بين شهري فبراير/ شباط وأبريل/ نيسان عام 2020، وبعد عام واحد ظلت هذه الخدمات مرتفعة بنسبة 38 مرة مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة.
في الوقت نفسه، تأثرت العيادات التقليدية بصورة سلبية. يقول كيم: "أُغلق العديد من عيادات الحساسية بسبب المخاوف المتعلقة بجائحة كوفيد، ما تسبب في ترك الأشخاص الذين كانوا من المفترض أن يتلقّوا الحقن دون أي حلول بديلة".
اقرأ أيضاً: تناول البروبيوتيك لعلاج الحساسية الموسمية ليس ضاراً
فرصة مثالية للشركات وخسائر للعيادات الطبية
استفادت شركات التعامل المباشر مع المستهلك من هذه الفرصة المثالية؛ إذ جذبت العملاء من خلال التوصيات والآراء الإيجابية والاختبارات المجانية، بالإضافة إلى نشر كميات كبيرة من الإعلانات عبر الإنترنت. تروّج هذه الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي قطرات العلاج المناعي تحت اللسان على أنها بديل مناسب للحقن المستخدمة في علاج الحساسية، بحيث تُغني عن الذهاب إلى عيادة الطبيب أو استخدام الإبر الحادة.
يقدم بعض هذه الشركات أيضاً خدمات اختبارات الحساسية؛ إذ يمكن أن ترسل شركة كيوركس اختصاصياً في سحب الدم لإجراء اختبارات الدم للمرضى الذين يقيمون في مناطق محددة تغطيها الشركة. تشحن شركة ويندلي (Wyndly)، التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة ليكوود (Lakewood) بولاية كولورادو، مجموعة أدوات اختبار بقيمة 249 دولاراً إلى منزل الزبون. كما تبيع شركة نيكتار (Nectar)، ومقرها مدينة نيويورك، اختبارات منزلية وتُتيح للمرضى تحميل نتائج اختبارات الحساسية السابقة. استناداً إلى نتائج الاختبار والاستشارة الطبية، تبيع الشركات علاج القطرات تحت اللسان وفقاً لخطط اشتراك مدفوعة، بعضها بسعر 99 دولاراً شهرياً، بالإضافة إلى اشتراكات أقل تكلفة. يقول كاكولين، الذي ساعد على تأسيس شركة لتوفير الوصفات الطبية قبل إطلاق شركة كيوركس في عام 2020: "نعتقد أنه يوجد عشرات الملايين من الأميركيين الذين يمكن أن يستفيدوا من هذه الخدمات".
تواجه الشركات التي تبيع قطرات علاج الحساسية تحديات مالية مماثلة لتلك التي تواجهها عيادات علاج الحساسية فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى ملايين العملاء المحتملين. يقول كاكولين: "يسهم المرضى الذين يخضعون لعلاج الحساسية باستخدام العلاج المناعي تحت اللسان بتحقيق إيرادات أقل بنسبة 70 أو 80% مقارنة بالإيرادات التي يسهم في تحقيقها المرضى الذين يتلقون علاجاً بالحقن لعلاج الحساسية، لذلك، بدلاً من محاولة تحقيق أقصى قدر من الأرباح من كل مريض، تحاول شركة كيوركس التركيز على تحقيق الكفاءة في عملياتها وتقديم أسعار تنافسية ومعقولة للمرضى".
لتحقيق هذه الغاية، يمكن لشركات التعامل المباشر مع المستهلك على مستوى البلاد، بالإضافة إلى مراكز علاج الحساسية الكبيرة المنتشرة في عدة مواقع، التفاوض على تخفيض أسعار مستخلصات المواد المسببة للحساسية والمستلزمات الأخرى لأنها تطلب كميات كبيرة من هذه المواد. لا تحصل العيادات الصغيرة غالباً على هذه الخصومات، وبالتالي، ربما تضطر إلى دفع تكاليف إضافية أو مرتفعة لتوفير مستلزمات العلاج إذا اختارت تقديمه خارج إطار الاستخدام المعتمد والرسمي.
في ضوء هذه الاعتبارات المالية، ثمة اختلاف في طريقة التفكير بين تقديم الخدمات للمرضى من جهةٍ وكسب العملاء من جهةٍ أخرى. تقول باجوالا: "عندما يعتمد نموذج الأعمال على منتج أو خدمة واحدة محددة، فمن مصلحة شركات التعامل المباشر مع المستهلك إنشاء إعلانات تقدّم هذا المنتج على أنه الأفضل بطريقة مقنعة، بهدف إقناع العملاء بأهمية المنتج وفعاليته وعدم الحاجة إلى النظر إلى منتجات المنافسين أو البدائل الأخرى".
يشعر بعض أطباء الحساسية بالقلق من أن شركات التعامل المباشر مع المستهلك تسهم في تقليل التواصل المباشر بين الطبيب والمريض. تقول طبيبة الحساسية والمناعة في كلية آيكان للطب في ماونت سايناي في مدينة نيويورك (Icahn School of Medicine at Mount Sinai)، ومديرة قسم الحساسية والمناعة في معهد ميترودورا (Metrodora Institute) في مدينة سولت ليك، بولاية يوتا، آن ميتلاند (Anne Maitland): "عندما يبدأ المرضى خطة علاجية جديدة، من المهم جداً أن يتلقّوا إرشادات ومعلومات شاملة حول العلاج، مثل معرفة التوقيت الذي تبدأ فيه فاعلية العلاج والعلامات التي يجب مراقبتها لملاحظة أي تأثيرات جانبية، بالإضافة إلى معرفة الجهة التي يمكن اللجوء إليها في حال حدوث أي مشكلة".
اقرأ أيضاً: دليلك لاستخدام الأدوية المُستهلكة الأكثر شيوعاً
غياب الشفافية
في شركات التعامل المباشر مع المستهلك، تعد تفاصيل العلاج والمسؤولين عن تقديم الرعاية الطبية أموراً غامضة إلى حدٍ ما. يقول بريسي، الذي يعمل في الأسطول البحري التجاري والمصاب بحساسية تجاه القطط: "إذا طلبت استشارة في شركة كيوركس، على سبيل المثال، فلن تكون الاستشارة مع الطبيب نفسه الذي أجرى الفحص الأولي، لأن هذا الشخص لم يعد يعمل هناك، وإذا أردت في يوم ما إيقاف الاشتراك ومواصلة تلقي العلاج المناعي تحت اللسان في مكانٍ آخر، فإن شركة كيوركس لا تمنح التركيبة الدقيقة التي تُستخدم في العلاج".
أمّا بالنسبة للتوظيف، فتعتمد شركة نيكتار على أطباء الرعاية الأولية الحاصلين على تدريب في العلاج المناعي للحساسية، لكنّ رفض المتحدث باسم العلاقات العامة طلباً لإجراء مقابلة مع أحد هؤلاء الأطباء. فيما رفض كاكولين الإجابة عن سؤال يتعلق بعدد الأطباء في شبكة كيوركس. وقال: "أفضّل عدم الحديث عن تفاصيل العمل، لأننا نرغب في الحفاظ على خصوصية بعض المعلومات".
على الرغم من أن النهج يفتقر إلى الشفافية، فإن هذه المشكلة ليست محصورة في هذه الشركات فقط؛ إذ لا يتمكن المرضى من الوصول إلى المعلومات في أماكن الرعاية الصحية التقليدية أيضاً. في نظام الرعاية الصحية الذي يفضّل البروتوكولات الموحدة، فإن سداد تكاليف التأمين وأولويات عمل العيادة ربما تجبر الأطباء على التوصية بعلاجات معينة، ما يجعل من الصعب على المرضى الاطلاع على مجموعة كاملة من الخيارات المتاحة لهم، وفقاً لشرودر، التي تقدم في عيادتها العلاج المناعي تحت اللسان باستخدام نموذج الرعاية المباشرة؛ إذ يدفع المرضى لمقدم الخدمة مباشرةً بدلاً من استخدام التأمين التقليدي مقابل رسوم الخدمة.
اقرأ أيضاً: ما الاحتياطات التي يجب اتباعها عند تناول الأدوية التي تُعطى دون وصفة طبية؟
في الواقع، يمكن أن تكون عيادات علاج الحساسية من أصعب الأماكن للحصول على معلومات واضحة حول خيارات العلاج المتاحة. ويرجع ذلك جزئياً إلى رفع دعوى قضائية منذ نحو عقد من الزمن. في عام 2014، رفعت شركة يونايتد أليرجي سيرفيسز (United Allergy Services)، وهي شركة تساعد أطباء الرعاية الأولية وغيرهم من غير المتخصصين على تشخيص وعلاج حالات الحساسية، دعوى قضائية ضد الأكاديمية الأميركية للحساسية والربو والمناعة (AAAAI) والكلية الأميركية للحساسية والربو والمناعة (ACAAI)، بالإضافة إلى عدة جمعيات أخرى متخصصة في مجال علاج حالات الحساسية.
زعمت الشركة أن أطباء الحساسية الذين انتقدوا ممارساتها كانوا يقيدون نشاط الشركة ويؤثّرون سلباً في المنافسة بسوق علاج حالات الحساسية، كما يحدّون من وصول المرضى إلى العلاج المناعي لمسببات الحساسية. لتسوية هذا النزاع، أصدرت الجمعيات المعنية بعلاج حالات الحساسية بياناً لسياستها العامة تطلب فيه من أعضائها تقليل مخاطر الدعاوى القضائية من خلال الامتثال لقوانين مكافحة الاحتكار. يقول طبيب الحساسية في مدينة فايتفيل (Fayetteville) بولاية أركنساس، مات بيل (Matt Bell): "يعود سبب ترددنا في الحديث عن خيارات العلاج المتاحة إلى هذه الدعوى القضائية". يقول طبيب الحساسية في مستشفى نيشن وايد للأطفال (Nationwide Children’s Hospital) في مدينة كولومبوس بولاية أوهايو، الذي رفض الحديث عن شركات أو خدمات محددة، ديفيد ستوكوس (David Stukus): "تضمنت شروط التسوية إجبار الجمعية الأميركية للحساسية والربو والمناعة على عدم التحدث أو الإشارة إلى شركات محددة أو خدمات معينة مرتبطة بالدعوى القضائية".
يمكن أن تختلف تجارب المرضى على نحو كبير اعتماداً على المكان وطريقة العثور على العلاج. مع تزايد الطلب على خدمات الرعاية الصحية ضد الحساسية والتوافر المحدود لأطباء الحساسية، يمكن للمرضى الحصول على العلاج من عدة مصادر، بالإضافة إلى طبيب الحساسية المحلي، مثل أطباء الأذن والأنف والحنجرة وأطباء الرعاية الأولية وأطباء الأطفال والرعاية العاجلة وغرف الطوارئ وأطباء العلاج الطبيعي وشركات التعامل المباشر مع المستهلك. تقول شرودر، التي تعلمت تفاصيل العلاج المناعي تحت اللسان في مركز أليرجي أسوشيتس أوف لا كروس (Allergy Associates of La Crosse)، وهي عيادة في ولاية ويسكونسن تقدّم هذا العلاج للحساسية البيئية والغذائية منذ عام 1970: "إذا تلقى المريض العلاج المناعي تحت اللسان في أماكن مختلفة وبطرق مختلفة، فلن تكون النتائج متطابقة تماماً، وذلك نظراً لاختلاف مستوى الخبرة، على الرغم من ذلك، تؤدي كلٌّ من هذه الطرق دوراً مهماً، لكن يجب على المرضى أن يكونوا على دراية تامة بأهدافهم وتوقعاتعم، بالإضافة إلى معرفة المخاطر والفوائد والتداعيات المحتملة لكل طريقة".
حتى الآن، يبدو أن قطرات الحساسية التي تُباع مباشرةً للمستهلكين فعّالة على نحو جيد مع بريسي. قبل أن يبدأ بتلقي العلاج عام 2021، عانى من نوبات الربو المتكررة الناجمة عن الحساسية. وقال في مقابلة أجريت معه مؤخراً: "لم أتمكن من قضاء 24 ساعة مع وجود قطة في المنزل، لكنني تحسنت جداً؛ إذ يمكن أن يمر نحو أسبوعين ونصف الأسبوع دون أن أتذكر حتى أنني مصاب بالربو".
لا تزال لدى بريسي أسئلة حول العلاج وشركة كيوركس، مثل المدة التي ستستمر فيها الفوائد وصلاحيتها وما إذا كانت الشركة ستستمر بتقديم خدماتها. لم يتمكن بريسي في ربيع عام 2021، من العثور على إجابات لهذه الأسئلة. يقول: "على الرغم من ذلك، أنا مؤمن بشدة بهذه الطريقة الجديدة، لكن يجب علينا المغامرة وتجربة الأساليب الجديدة لكي نتمكن من الحصول على النتائج المرجوة".