تعد عناكب الأرملة السوداء من أكثر العناكب سميّة في العالم؛ إذ تهاجم سمومها الجهاز العصبي. على الرغم من أنه يمكن علاج لدغاتها بترياق مشتق من حيوانات أخرى، فإن العلاج الذي يعتمد بالكامل على الأجسام المضادة البشرية سيكون أكثر أماناً للاستخدام. أصبح فريق بحثي في ألمانيا أقرب الآن إلى تطوير هذا النوع من العلاج. وُصف العلاج المحتمل في دراسة نشرت بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2024 في مجلة آفاق في علم المناعة (Frontiers in Immunology).
قال عالم الأحياء في جامعة براونشفايغ التقنية والمؤلف المشارك للدراسة، ميكائيل هوست، في بيان صحفي: "حددنا أول مرة أجساماً مضادة بشرية تستطيع تحييد سم عناكب الأرملة السوداء في اختبار يعتمد على الخلايا. هذه هي الخطوة الأولى لاستبدال أمصال الأحصنة التي لا تزال تُستخدم لعلاج الأعراض الشديدة بعد لدغات هذه العناكب".
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك أن تساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي للعناكب؟
تأوي الأرض أنواعاً عديدة من عناكب الأرملة، التي تسمى أيضاً "عناكب الزر" في بعض أجزاء إفريقيا. الأنواع السوداء والحمراء والبنية رائجة في أميركا الشمالية والجنوبية، بينما تعيش العناكب الحمراء الظهر في أستراليا. تعيش عناكب الأرملة السوداء الأوروبية في منطقة البحر الأبيض المتوسط في الأساس، ولكن موطنها يتوسع بسبب التغير المناخي.
يمكن أن تتسبب لدغة عنكبوت الأرملة بمرض التسمم بزعاف الزَّوع، وهو مرض يهاجم فيه السم العصبي ألفا لاتروتوكسين في سم العنكبوت الحيواني الجهاز العصبي. يتسبب هذا المرض بأعراض تشمل الألم الشديد وارتفاع ضغط الدم والصداع والغثيان.
بما أن مضادات السموم المتوافرة مصنوعة من بروتينات مشتقة من الأحصنة، لا يحصل العديد من المرضى الذين تعرضوا للدغات الأرامل السوداء على العلاج. المواد المشتقة من الأحصنة هي مواد غريبة بالنسبة لجسم الإنسان ويمكن أن تتسبب بآثار جانبية غير مرغوب فيها. أحد هذه الآثار هو داء المصل، وهو رد فعل تجاه بروتينات الأمصال المضادة المصنوعة من مصادر حيوانية غير بشرية. مضاد السموم الحيوانية المتوافر حالياً هو مزيج من الأجسام المضادة التي يمكن أن تختلف من دفعة إلى أخرى، ولكنه لا يزال الخيار العلاجي الأكثر كفاءة.
استخدام أجسام مضادة بشرية كترياق مضاد للسموم
سعى فريق الدراسة الجديدة لحل هذه المشكلة من خلال استبدال هذا المزيج من الأجسام المضادة المستخرجة من الأحصنة بأجسام مضادة بشرية مأشوبة (أو مُعادة التركيب). استخدم هؤلاء طريقة مختبرية تسمى "عرض عاثية الجسم المضاد".
قال هوست: "يعتمد هذا النهج على مجموعات جينية متنوعة للغاية تضم أكثر من 10 مليارات من الأجسام المضادة المختلفة. بالاستفادة من هذا التنوع الكبير في الأجسام المضادة، يمكن استخدام هذه الطريقة لانتقاء الأجسام المضادة التي يمكن أن تقيّد الهدف المطلوب، أي السم في هذه الحالة".
تمكن أيضاً إعادة تركيب الأجسام المضادة المُصممة بهذه الطريقة بالجودة نفسها مراراً وتكراراً لأن العلماء يعرفون بالفعل تسلسل الحمض النووي للجسم المضاد البشري. يمكن أن يؤدي صنع الترياقات من الأجسام المضادة البشرية أيضاً إلى تحسين رفاهة الحيوانات لأنه يلغي الحاجة إلى تلقيح الأحصنة وجعلها تنزف لصنع مضادات السموم المخصصة لعناكب الأرملة السوداء.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تفيد المضادات الحيوية دائماً في علاج السعال؟
حضّر الفريق في البداية 75 جسماً مضاداً من تلك التي قد تكون مرشحة لتطوير أجسام مضادة علاجية منها. أظهر 45 جسماً مضاداً من هذه الأجسام قدرة على تحييد السم العصبي ألفا لاتروتوكسين الخاص بعناكب الأرملة السوداء في المختبر. وفقاً للدراسة، أظهر جسم مضاد يحمل اسم "إم آر يو 44-4-أيه 1" (MRU44-4-A1) قدرة عالية بصورة خاصة على تحييد السم. مع ذلك، تمتع جسمان مضادان فقط بفعالية ضد سموم الأصناف الأخرى من عناكب الأرملة.
هناك حاجة إلى إنجاز مراحل وإجراء دراسات ما قبل سريرية إضافية لتقييم فعالية هذه الأجسام المضادة قبل بدء التجارب السريرية وتطوير المزيد من العلاجات المحتملة لسموم العناكب الأخرى.
قال هوست: "أظهرنا في مشروع آخر أنه يمكننا تطوير أجسام مضادة بشرية لعلاج الخناق، وهي كانت فعالة في الدراسات التي أجريت على الأجسام الحية. نخطط لاتخاذ الخطوات نفسها بالنسبة للأجسام المضادة لسم الأرملة السوداء. هذه الجهود مهمة بصورة خاصة لأن حالات الإصابة بمرض التسمم بزعاف الزَّوع ستزداد وكذلك الحاجة إلى بدائل علاجية خلال السنوات [القليلة] القادمة مع غزو العناكب لمواطن جديدة".