ما سبب نقص وسائل منع الحمل غير الهرمونية؟

ما سبب نقص وسائل منع الحمل غير الهرمونية؟
بين حبوب منع الحمل واللولب وحلقات منع الحمل، يفوق عدد خيارات تحديد النسل الهرمونية عدد الخيارات غير الهرمونية. ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حاول البشر على مر التاريخ تجنّب الحمل غير المقصود. كانت النساء في الفترة ما بين 500-100 قبل الميلاد يربطن خصيتَي ابن عرس على أقدامهن في أثناء الجماع اعتقاداً منهن أن ذلك يمنع الحمل، واستخدم المصريون القدماء مزيجاً من العسل وروث التماسيح كوسيلة لتعطيل مسار الحيوانات المنوية في المهبل، وكان من الشائع في حقبة الامبراطورية الصينية أن تُجبر بائعات الهوى على شرب الزئبق السائل (كان من الممكن أن يمنع الحمل، لكنه غالباً ما كان يؤدي إلى مقتلهن). على الرغم من الحاجة الماسة الواضحة إلى وسائل منع الحمل، استغرق البشر نحو قرنين آخرين لاكتشاف طريقة آمنة وفعّالة لتحديد النسل.  

يتوفر حالياً العديد من خيارات وسائل منع الحمل للإناث، وتعتبر حبوب منع الحمل من أكثرها شيوعاً، لكن الخيارات محدودة أمام من ترغب باستخدام بدائل خالية من الهرمونات لأسباب طبية أو دينية. تقول طبيبة أمراض النساء والولادة ورئيسة البحث والتطوير للصحة النسائية في شركة سيبيلا للصناعات الدوائية (Sebela Pharmaceuticals)، كيلي كالويل: “يدل التطور البطيء لطرق تحديد النسل الجديدة على عدم كفاية الابتكار في الصحة النسائية”. 

اقرأ أيضاً: ما هي الأدوية التي يمكن تناولها بأمان أثناء الحمل؟ وما هي التي يجب تجنبها تماماً؟

على الرغم من التقدم الذي أُحرز مؤخراً في مجال وسائل تحديد النسل الخالية من الهرمونات للرجال، تبدو موانع الحمل الأنثوية المتاحة اليوم قديمة لـ 3 أسباب رئيسية. 

فعالية وسائل تحديد النسل الهرمونية

أحد الأسباب المهمة لاعتماد معظم موانع الحمل الأنثوية على الهرمونات هو فعاليتها المثبتة. وفقاً لطبيبة أمراض النساء والولادة والمديرة الطبية في مجموعة بيدياتريكس الطبية (Pediatrix Medical Group)، جيل بوردي، لا يوجد حافز كافٍ للقطاعات يجعلها تبتكر موانع حمل غير هرمونية، لأنها أثبتت مراراً وتكراراً أنها أقل فعالية من خيارات تحديد النسل الهرمونية، وتقول موضحة: “تتراوح فعالية الخيارات غير الهرمونية من 80 إلى 89%، بينما تصل فعالية الخيارات الهرمونية إلى 95% وأكثر أيضاً”. لكن الاستثناء الوحيد هو اللولب النحاسي غير الهرموني، والذي تصل فعاليته إلى 99% لمدة 12 عاماً بعد زرعه داخل الرحم.

تكلفة اختبار وسائل منع الحمل

تقول كالويل إن الاهتمام في السبعينيات والثمانينيات تركَّز على تقليل جرعات حبوب منع الحمل الهرمونية لتقليل مخاطر الآثار الجانبية الشديدة مثل الدوار والتقيؤ، وكان يُعتقد أن هذا النهج أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بتطوير وسيلة جديدة لمنع الحمل من الصفر. وحتى في التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، تقول كالويل إنه لم تطرأ تغييرات كثيرة على طريقة تحديد النسل، فعلى الرغم من تصميم وسائل منع حمل أنثوية بأشكال مختلفة، مثل الحلقات واللولب الرحمي والرُقع، ظلت الطريقة الأساسية هي نفسها: استخدام أشكال اصطناعية من هرمون الإستروجين والبروجسترون لمنع الإباضة.

تقول كالويل: “سبب الافتقار إلى الابتكار في مجال تحديد النسل هو رأسمالية الشركات الخاصة، فهي تُجري الكثير من الأبحاث في المجالات التي تدر أرباحاً كبيرة، كما هو الحال في مجالات أمراض السرطان والأعصاب، بينما لا تدر أبحاث تحديد النسل المستوى نفسه من الأرباح، لذلك فهي ليست من أولويات الشركات”.

اقرأ أيضاً: الإجابة العلمية: كيف تعمل حبوب منع الحمل؟ وما هي آثارها الجانبية؟

التحيز الجنسي في البحث

مثل الكثير من مشاكل الابتكار، ابتلي البحث الطبي في مجال وسائل منع الحمل بمشكلة التفاوت بين الجنسين العميقة الجذور. غالباً ما استُبعدت النساء من المشاركة في التجارب السريرية أو أي شكل آخر من التجارب في القرن الماضي، ما أدى إلى صعوبة فهم تأثير وسائل تحديد النسل على جسم المرأة.

تقول كالويل إن العلماء كانوا يترددون بتسجيل النساء في التجارب بسبب احتمال حدوث الحمل، مفضلين استخدام نماذج حيوانية مثل الفئران والأرانب بدلاً من ذلك. وحين تشارك النساء في تجارب تحديد النسل، كان ذلك يتم من خلال ممارسات غير أخلاقية، مثل استغلال المرضى من النساء في المصحات العقلية والنساء الفقيرات من بورتو ريكو دون إخبارهن بتأثير الأدوية. لم تدخِل إدارة الدواء والغذاء إف دي أيه (FDA) أي تغيير على السياسات لإدراج النساء في جميع دراسات الأدوية حتى عام 1994.

خيارات تحديد النسل في المستقبل

تقول الخبيرتان إن العقد الماضي شهد ضغطاً كبيراً لتطوير وسائل غير هرمونية أكثر فعالية لمنع الحمل، واكتسب هذا الاتجاه زخماً بسبب تصاعد المطالبات بين الأميركيين لتوفير المزيد من خيارات منع الحمل غير المرغوب بعد قرار المحكمة العليا في قضية رو ضد ويد بإلغاء بعض القوانين المتعلقة بالإجهاض. 

ومن المفارقات، أن الأبحاث حول وسائل منع الحمل الذكرية أسهمت على نحو غير مباشر في توسيع مجال البحث عن خيارات تحديد النسل غير الهرمونية للنساء. تقول كالويل إن الآثار الجانبية التي عانى منها المشاركون الذكور في تجربة أُجريت عام 2016 على الحقن الهرمونية لتخفيض عدد الحيوانات المنوية جذبت المزيد من الاهتمام لمتابعة البحث عن خيارات موانع الحمل غير الهرمونية. دفع ذلك المختبر الوطني للصحة إلى تقديم المزيد من المِنح لأبحاث تطوير أنواع جديدة من وسائل منع الحمل الخالية من الهرمونات لكلا الجنسين، ما يساعد في تمويل الابتكارات التي كانت شركات الأدوية قد تخلت عنها في السابق، وفقاً لكالويل. 

اقرأ أيضاً: جرعة واحدة من لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يمكن أن تحمي من سرطان عنق الرحم

يتوفر بعض الخيارات غير الهرمونية الجديدة بالفعل، والبعض الآخر قيد التطوير حالياً. على سبيل المثال، وافقت إدارة الغذاء والدواء في مايو/ أيار عام 2020 على الجل المهبلي “فيكسي” (Phexxi)، والذي يعمل على تغيير درجة الحموضة في المهبل، ما يشل قدرة الحيوانات المنوية على التحرك والوصول إلى البويضة، وقد قدَّرت تجربة سريرية في المرحلة الثالثة مع أكثر من 1300 امرأة مشاركة أن فعالية جل “فيكسي” تصل إلى 86% في منع الحمل. للمقارنة، تبلغ فعالية حبوب منع الحمل الهرمونية 99% عند استخدامها بشكل صحيح. 

كما تعمل شركة سيبيلا للصناعات الدوائية على تطوير نسخة جديدة من اللولب النحاسي داخل الرحم، وهو حالياً في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. سيكون اللولب الجديد أصغر حجماً ومرناً ويحتوي على نصف كمية النحاس مقارنة باللولب النحاسي المتوفر حالياً في الأسواق، وتقول كالويل إنه إذا وافقت إدارة الغذاء والدواء على المنتج، فقد يتوفر في الأسواق بداية العام المقبل، وإذا حدث ذلك، فسيكون اللولب النحاسي الجديد أول لولب غير هرموني جديد منذ 40 عاماً. 

ثمة احتمال لتطوير وسائل منع الحمل غير الهرمونية التي تعتمد على إطلاق أجسام مضادة تستهدف الحيوانات المنوية، لكن هذا المنتج يحتاج إلى عدة سنوات ليصبح جاهزاً ويُطرح في الأسواق. تقول أستاذة الطب في جامعة بوسطن، ديبورا أندرسون، التي تقود البحث على هذا المنتج، إنه عبارة عن لفافة رقيقة موضعية يمكن إدخالها في المهبل قبل الجماع، وبعد ثوانٍ من ذوبانها، تحرر أجساماً مضادة تربط الحيوانات المنوية بعضها ببعض فتصبح غير قادرة على الحركة، ثم تحاصر الأجسام المضادة الحيوانات المنوية في مخاطية عنق الرحم وتحول دون توجّهها إلى المبيضين.

تقدر أندرسون أن المنتج يحتاج إلى 10 سنوات تقريباً للوصول إلى رفوف الصيدليات نظراً للحاجة إلى إجراء المزيد من التجارب وإجراءات موافقة إدارة الغذاء والدواء الطويلة. 

اقرأ أيضاً: لماذا يصعب على الأطباء حتى الآن تقييم الآثار الجانبية لأدوية تنظيم النسل الهرمونية؟

وتقول أخيراً: “يكتسب هذا المجال زخماً مجدداً، حيث تستثمر معاهد الصحة الوطنية فيه بكثافة، وتتطلع إلى زيادة مشاركة القطاع الدوائي فيه مجدداً. أتوقع أن يؤدي ذلك إلى إنتاج المزيد من وسائل منع الحمل في المستقبل”.