الألعاب مقابل التوتّر
انطلاقاً من وجهة نظر الأبحاث، فإن العلاقة بين ألعاب الفيديو والتوتّر معقّدة. طُلب من المشاركين ضمن دراسة من عام 2019 أن يلعبوا لعبة قتال حماسيّة (مورتال كومبات)، أو لعبة أحجيات أبسط (تيترس)، ثم تم قياس استجاباتهم الفزيولوجيّة والعاطفيّة لجلسة اللعب. بيّنت النتائج أن اللاعبين أظهروا بعض علامات التوتّر الجسدي مثل ازدياد ضغط الدم، وانخفاض تقلّب معدّل ضربات القلب، لكنّهم بلّغوا عن علامات عاطفيّة أكثر إيجابيّة.
لألعاب الفيديو بعض الفوائد المثبتة، والمتمثّلة في تخليص أدمغتنا من حلقات التفكير التي تثير المشاكل المرتبطة بالمواقف التي تبعث على التوتّر. وفقاً لـ «ريجان ماندريك»، أستاذ في جامعة «ساسكاتشوان» درست العلاقة بين ممارسة الألعاب والصحّة، الألعاب توفّر بعض آليّات التكيّف الضرورية عندما يتعلّق الأمر بإدارة التوتّر. تقول ماندريك: «يحتاج إلى 4 عوامل حتّى يتعافى الشخص من التوتّر: الانفصال النفسي عن مصدر التوتّر، الاسترخاء، الإحساس بالتحكّم والتَمَكُّن، والإحساس بالقدرة على السيطرة». ألعاب الفيديو قادرة بشكلٍ فريد على توفير مزيج من العوامل الأربعة هذه.
في النهاية، الهدف هو تشويش ما يدعوه علماء النفس بـ «الإدراك المواظِب»، وهي أنماط من التفكير تتضمّن الأفكار «الإقحاميّة» واجترار الأفكار والهمّ. التخلّص من عوامل التوتّر أمر صعب إذا كان دماغك يركّز عليها ويعيد توليد الأفكار السلبيّة المتعلّقة بها بشكلٍ مستمر. يمكن استخدام العديد من نشاطات التهدئة التقليدية للخروج من هذه الحالة، لكن النتائج متفاوتة. نحن قادرون على إدراك أن محاولاتنا لإلهاء أنفسنا تفشل. تقول ماندريك أنه إذا لاحظنا مثلاً أننا لم نركّز في آخر بضع صفحات من كتاب نقرأه، أو إذا اضطررنا إلى إعادة مشاهدة مسلسل ما لأننا شردنا، فهذا يعني أننا نفشل في التخلّص من التوتّر.
يمكن أن تساعدنا المهام داخل ألعاب الفيديو على الخروج من أنماط التفكير المتعلّقة بالواقع؛ عن طريق توفير دوافع خارجيّة تحفّزنا للانغماس في العالم الخاص بالألعاب، وهي أيضاً توفّر إحساساً بالتحكّم والتمكّن تعطيها أفضليّة على وسائل التسلية الأخرى مثل الأفلام والكتب. أثناء تدريب نفسك على اتقان اللعبة، فإن إحساس الإنجاز يمكن أن يشعرك بالرضا الذي لا تحصل عليه بشكل اعتيادي أثناء مشاهدة موسم تلو الآخر من مسلسل تلفازي مثلاً.
ابحث عن اللعبة المناسبة التي تحسّن مزاجك
كل شخص يفضّل ألعاباً مختلفة عن الآخر، مما يعني أنه ليس هناك من لعبة محدّدة يمكن أن تريح الجميع. «إريك كلوبفر» -أستاذ ومدير برنامج «شيلر تيتشر إديوكيشن» ومبادرة «إديوكيشن أركيد» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- يقترح البحث عن لعبة تبقيك في حالة تدعى بـ «منطقة التنمية القريبة» مما يجعلك تؤدّي ضمن مجال من القدرات تستطيع إتقانها، ولكنّها تتطلّب بعض الجهد. يقول كلوبفر: «تكمن الفكرة في أنّنا نتعلم بأفضل شكلٍ ممكن عندما نكون في الحالة سابقة الذكر. إذ أننا نتعرض ضمنها لتحديّات بشكلٍ مستمر، ونكون قادرين على تجاوزها. ألعاب الفيديو الجيدة تمكّنك من فعل ذلك. إذا كانت اللعبة سهلة للغاية، فستتوقّف عن اللعب، وإذا كانت صعبة للغاية فستتوقّف أيضاً، ولكن إذا كانت ضمن منطقة التنميّة القريبة، فستشعر باستمرار أنّك تتعلّم أثناء اللعب، وعندها ستستمر باللّعب.» منطقة التنمية القريبة تختلف تبعاً للشخص، وخصوصاً بالنظر إلى المجال الواسع من الألعاب المتوفّرة، من الأسهل إلى الأكثر تنافسيّة.
لكن تحدّي الذّات لا يعني معاقبتها. جزء من جاذبيّة لعبة عبور الحيوانات هي أنّها توفّر فرصة فريدة نوعاً ما لتحقيق إحساس بالإنجاز دون الحاجة إلى الشعور بشدّة الفشل. يمكنك أن تحرز تقدّماً عن طريق تجميع عملة خاصّة باللعبة والعمل على تحقيق أهدافك، لكن معظم المهام تعتمد بشكلٍ أساسي على الحظ. يقول كلوبفر: «لا تتسبب هذه اللعبة بالضغط لأن اللاعب لن يكون مذنباً إذا لم يستطع الوصول إلى النتيجة المرغوبة. إذا بحث اللاعب في الرمل أو ذهب لصيد السمك ولم يجد الغرض الذي يبحث عنه؛ فهذا أمر يعتمد على الصدفة البحتة».
حتّى مع عامل الحظ المُطمئن، فإن لعبة عبور الحيوانات تحقق المتطلّبات الأربع التي ذكرتها ماندريك لتخفيف التوتر. على الرغم من أنّك قد تكون غير قادر على التحكّم بنوع الأسماك التي تصطادها، يمكنك التحكّم بالمدّة التي تقضيها في الصيد.
هذا لا يعني أن هذه اللعبة تناسب الجميع، إذ أن بعض الأشخاص يشعرون أن الألعاب الأكثر تنافسيّة والتي تتطلّب المزيد من الجهد هي الأكثر حثّاً على الاسترخاء، وذلك لأنها توفّر إحساساً أكبر بالإنفصال عن مسببات التوتر الحياتيّة. إذا شعرت بسكينة أكبر بعد ممارسة ألعاب معيّنة، فهذا يعود على الأرجح لكونها أكفأ في تشويش أنماط التفكير السلبي عن طريق تطلُّب المزيد من الانتباه.
تشرح ماندريك أن السر في انتقاء اللعبة المناسبة يعتمد على حالتك العقلية، وعلى نمط التفكير الذي تنوي تشويشه. إذا كنت متوتّراً فعلاً، فستساعدك لعبة تحفّز الاسترخاء على تعديل مزاجك، لكن إذا كنت تشعر بالخمول والملل نتيجة لمشاعرك السلبية، فقد يكمن الحل في ممارسة لعبة تحث على المزيد من النشاط. إذا كانت لعبة عبور الحيوانات تساعد على تهدئتك عادةً ثم أصبحتْ فجأة غير نافعة، فقد تكون ببساطة غير مناسبة لمزاجك الحالي. وقد تساعدك لعبة تتمحور حول قصّة ما أو لعبة تتضمن مستويات أكبر من النشاط في موازنة حالتك العقلية.
ابحث عن المستوى المناسب من التفاعل الاجتماعي الذي يدفعك للاسترخاء
أصبحت العزلة والوحدة من الأنماط الرائجة بشكلٍ خاص خلال جائحة كوفيد-19، لكن هذه الفترة فسحت المجال أمام تشكّل الصداقات الافتراضيّة من أجل تلقّي الاحترام الذي تستحقه. تقول ماندريك: «وجدنا أن أنواع العلاقات التي تشكّلها والتي يجب عليك الحفاظ عليها خلال ممارسة ألعاب الفيديو يمكن أن تكون قيّمة مثل العلاقات في العالم الحقيقي». يظهر أثر هذه العلاقات بشكلٍ خاص عند الأطفال، إذ أنّهم أقل عرضة لأن يميّزوا بين الروابط التي تتشكّل في العالم الواقعي والروابط التي تُنمّى على الإنترنت، وذلك لأنهم يختبرون كلا النوعين بشكلٍ مستمر.
مع الأسف، التفاعلات الاجتماعيّة يمكن أن تفسد تجربة اللعب. تقول ماندريك: «إذا كنت تستمتع بلعبة ما على الإنترنت، لكن ممارستها تجعلك تشعر بشعور سيئ كل مرّة بسبب التعرّض لبعض السلوكيّات المزعجة من اللاعبين، يجب عليك أن تبحث عن لعبة أخرى ترضيك بنفس الطريقة دون التعرّض لتلك السلوكيّات».
يثني كلوبفر على لعبة عبور الحيوانات لأنها تمنح مستخدميها مستوى عالٍ من التحكّم بالجوانب الاجتماعية للعبة. إذ يقول: «يمكن للاعبين أن يسمحوا لبعض اللاعبين الآخرين بزيارة جُزرهم، ويمكنهم ببساطة أن يشاركوا صوراً مع أشخاص آخرين». بنفس الوقت، هذه اللعبة ليست مرتبطة بحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك فاللاعبين يستطيعون أن ينتقوا بدقّة الأشخاص الذين يرغبون في مشاركة تجربتهم معهم.
على الرغم من أن الاختلاط الاجتماعي داخل الألعاب يمكن أن يكون مفيداً بالنسبة للبعض، لكن الآخرين قد يفضّلون العزلة التي تترافق مع هذا النوع من الألعاب السردية. يقترح كل من كلوبفر وماندريك أنه في أي وقت تلعب فيه، يجب أن تراقب مزاجك حتّى تتأكّد من أنّك تستفيد من نشاطاتك ضمن اللعبة. في النهاية، لا يجب أن تعرّضك الألعاب إلى توتّر يفوق ذلك الذي تعرّضك لك الحياة اليوميّة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً