إذا كنت تمتلك موقداً غازياً، فعلى الأرجح أنه يسرّب الغاز في هذه اللحظة.
وجد تقرير جديد من جامعة «ستانفورد» نُشر في 27 يناير/كانون الثاني 2022 أن مواقد الغاز، سواءً كانت قديمة أو جديدة، تصدر غاز الميثان باستمرار، وهو المكوّن الأساسي للوقود الذي يستخدم في هذه المواقد، وأن هذه التسريبات، والتي مصدرها 40 مليون موقد يستخدم عبر الولايات المتحدة، لها تأثير مناخي يقابل إضافة نصف مليون سيارة تعمل على الوقود إلى الطرق.
يقول «إيريك ليبل»، عالم الأبحاث في معهد «بي إس إي هيلث إينرجي» للأبحاث، والمؤلف الرئيسي للتقرير الجديد: «إن مجرد وجود المواقد هو سبب انبعاثات الميثان»، ويضيف: «وجدنا أنه أكثر من ثلاثة أرباع انبعاثات الميثان الصادرة من المواقد تُصدر أثناء عدم استخدام هذه المواقد، إذن فالتسربات القليلة هذه تتراكم».
تسريبات موجودة حتى لو كنت تغلق الموقد
التسريبات التي لاحظها ليبل وزملاؤه لم تكن كبيرة بما يكفي لتتسبب في انفجارات (على الرغم من وقوع 284 حادثاً خطيراً متعلقاً بخطوط إمداد الغاز في 2020، ما تسبب بـ 15 حالة وفاة وإلحاق أضرار تقابل أكثر من 300 مليون دولار)، لكنها كانت أحد الأسباب التي تجعل حرق الوقود الأحفوري بهدف التدفئة والطبخ مسؤولاً عن نحو 10% من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة.
تُضاف الدراسة الجديدة إلى عدد متزايد من الأبحاث التي تبين أن مواقد الغاز التي تُستخدم في ثلث المنازل الأميركية لا تساهم في التغيّر المناخي فحسب، بل إنها تعرّض الملايين للملوثات الخطيرة التي ترتبط بالأمراض التنفسية مثل الربو، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية.
اكتشف الباحثون من جامعة ستانفورد أن ثنائي أوكسيد النتروجين، وهو الغاز الذي ينبعث في كل مرة تستخدم فيها الموقد، يتراكم بسرعة أكبر مما كان يعتقد سابقاً.
يقول «روب جاكسون»، أستاذ في جامعة ستانفورد، وأحد المؤلفين المشاركين للتقرير الجديد: «تبدأ أكاسيد النتروجين والملوثات الناتجة عن اللهب بالتراكم على الفور»، ويضيف: «بمجرّد تشغيل الشعلات، يبدأ الموقد بإطلاق هذه الملوثات إلى الهواء الذي نتنفسه». يفيد جاكسون بأنه في العديد من الحالات، تجاوز معدّل التلوث داخل المنازل الحدود التي توصي بها منظمة الصحة العالمية خلال بضع دقائق فقط.
اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصناعة زيت النخيل: تاريخٌ من العبودية وأضرارٌ للبيئة
مواقد الغاز في المنازل مصدر تلوث داخلي غير مدروس
وثّقت ورقة بحثية من معهد «روكي ماونتن» في 2020 أن المنازل التي تحتوي على مواقد الغاز تحتوي على نسبة من ثنائي أوكسيد النتروجين أكثر بـ 50-400 مرة، ونسبة من أحادي أوكسيد الكربون أكثر بـ 30 مرة، كما أنها تحتوي على ضعف كمية الجسيمات الدقيقة، وذلك مقارنة بالمنازل التي لا تحتوي على مواقد الغاز.
يقول «برايدي سيلز»، المؤلف الرئيسي لورقة معهد روكي ماونتن البحثية: «المشكلة هي أن معظم هذه الملوثات غير مرئية، وأنه ليس لدينا إرشادات [متعلقة بالتلوث الداخلي]، لذلك فنحن نستخدم منتجات داخل منازلنا يمكن أن تكون مضرة». تُصدر «وكالة حماية البيئة» الأميركية إرشادات متعلقة بجودة الهواء الخارجي، وليس حول التلوّث داخل المنازل. أصدرت منظمة الصحة العالمية إرشاداتها الجديدة الخاصة بتلوّث الهواء الأكثر صرامة في سبتمبر/أيلول 2021.
يقول سيلز: «إذا أخذنا إرشادات منظمة الصحة العالمية الجديدة المتعلقة بثنائي أوكسيد النتروجين بعين الاعتبار وقلنا ”أية منازل جديدة ستُبنى يجب أن تتبع هذه المعايير“، لا أعتقد أننا سنستطيع بناء أية منازل جديدة تحتوي على مواقد غازية بناءً على الأرقام التي لاحظناها».
وفقاً لتحليل تلوي أجري في 2013، الأطفال الذين يعيشون في منازل تحتوي على مواقد الغاز هم أكثر عرضة بنسبة 42% للمعاناة من أعراض ترتبط بالربو، كما أنهم أكثر عرضة بنسبة 24% ليتم تشخيصهم بالربو المزمن.
تقول «ليسا باتيل»، طبيبة أطفال في جامعة ستانفورد: «نحن نعلم أن الأجهزة التي تعتمد على الغاز، والمواقد بشكل خاص، مضرة للغاية بالصحة»، وتضيف: «يعرّض ارتفاع مستويات ثنائي أوكسيد النتروجين الأطفال بشكل خاص لخطر الإصابة بالربو. يمكن أن يكون أحادي أوكسيد الكربون، والذي يمكن أن يصل إلى مستويات خطيرة، أحد عوامل الخطر بالنسبة للأشخاص المصابين بالأمراض القلبية الوعائية، والتعرّض المزمن للجسيمات الدقيقة يزيد خطر تقصير العمر، والإصابة بالربو وتعطيل الوظيفة الرئوية، والولادات المبكرة».
اقرأ أيضا: 4 أسباب تجعل الحفاظ على البيئة أهم أهدافنا
إجراءات وقائية غير كافية
تفيد باتيل بأن استخدام الأجهزة الساحبة للهواء يوفّر بعض الحماية، ولكن وفقاً لمسح أجري في ولاية كاليفورنيا، تستخدم 35% فقط من المنازل هذه الأجهزة. تقول باتيل: «معظم الناس إما لا يمتلكون هذه الأجهزة، أو لا يستخدموها، أو أنهم يستخدمون مرشّحات غير نظيفة وبالتالي غير فعالة».
يعاني السكان ذوو الدخل المنخفض وداكنو البشرة والسكان الأصليون من الربو بمعدلات أعلى مقارنة بعامة السكان، وذلك لأنهم أكثر عرضة للعيش في مناطق ذات مستويات عالية من تلوث الهواء الخارجي. هناك القليل من الأبحاث حول كيفية تأثير التلوث الداخلي على السكان المعرضين للخطر، لكن الباحثين يقولون إن المنازل الأصغر والأسر الكبيرة قد تزيد من الخطر.
فحص الباحثون في جامعة ستانفورد تلوث الهواء الداخلي في 53 منزلاً في كاليفورنيا. نظرت الدراسة في 18 نوعاً مختلفاً من المواقد، والتي تتراوح أعمارها من 3 إلى 30 عاماً، ووجدوا أن المواقد الجديدة تنبعث منها نفس الكمية من الميثان وأكاسيد النيتروجين التي تنبعث من القديمة.
نُشرت هذه الدراسة في الوقت الذي تتحرك فيه إدارات المدن في جميع أنحاء البلاد لحظر استخدام توصيلات الغاز في الإنشاءات الجديدة. في ديسمبر/كانون الأول 2021، أصبحت مدينة نيويورك أكبر مدينة تفرض حظراً على استخدام أجهزة الغاز في الإنشاءات الجديدة (ستدخل القرارات حيّز التنفيذ العام المقبل)، منضمّة إلى عشرات المدن الأصغر، مثل بيركلي وساكرامنتو في كاليفورنيا، وبروكلين، ماساتشوستس، والتي اتخذت إجراءات مماثلة.
الشركات الخاصة والمجالس التشريعية التي يسيطر عليها الحزب الجمهوري تقاوم هذه التغييرات: أقرّت 20 ولاية، ومنها فلوريدا وبنسلفانيا وتكساس، قوانين استباقية من شأنها أن تمنع المدن من حظر استخدام الأجهزة الغازية.
نظراً لأن الكثير من النقاشات حول مرافق الغاز تجري على المستوى المحلي، فإن جاكسون يخطط لإجراء بحث مماثل في ولايات أخرى عبر الولايات المتحدة. إنه يأمل أن تساعد البيانات المحلية في إقناع حكومات الولايات والحكومات المحلية باستخدام الكهرباء في المباني الجديدة وتعديل المباني القديمة.
قال ليبل إنه يأمل أن يؤدي بحثه الجديد إلى التخلص من أسطورة الغاز التي تنص على أنه مصدر «نظيف» للطاقة، وتشجيع المستهلكين والحكومات على البحث عن مصادر طاقة أكثر رفقاً بالبيئة. يقول ليبل: «نحن نحرق الغاز لأننا نقول إنه أنظف [من الفحم]، لكن هناك خيارات أفضل»، ويضيف: «نحن نعلم ذلك ويمكننا القول إن بدائل الوقود غير الأحفورية هذه أفضل للمناخ، وأفضل للصحة، وأكثر أماناً».
اقرأ أيضا: بتركيبة معادن جديدة: باحثون في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يصممون عوادم سيارات صديقة للبيئة