كان «أدويل آدامسون» طالباً في كلية الطب في جامعة هارفارد عندما عرّفه صهره -كيث رايت، طبيب الجلدية من ولاية جورجيا- على الإرث الحقيقي لألبرت كلينجمان؛ وهو طبيب جلدية أميركي شهير معروف بتطويره لـ «ريتن-أيه»، وهو دواء شائع وفعّال لحب الشباب.
خلال الفترة ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان كلينجمان عضواً في هيئة التدريس في جامعة بنسلفانيا وذو مكانة مرموقة في مجال الأمراض الجلدية، وأجرى أبحاثه الثورية بشكلٍ أساسي على السجناء أصحاب البشرة السوداء المَحَليين، ولم يُعِد النظر أبداً في صحّة ممارساته، إذ أنه ظل يعبّر عن شعوره بالندم بسبب إيقاف عمله في العقد الأول من القرن الحالي.
يقول آدامسون، الأستاذ في جامعة تيكساس في مدينة أوستن ويعمل كطبيب جلدية: «بكل صراحة، لقد أغضبني الموضوع لسنوات». وفي العام الماضي، عَزِم على أن يفعل شيئاً حيال ما شعر أنه أفظع مثال على تجاهل ممارسات كلينجمان المسيئة من قبل مجتمع أطباء الجلدية؛ وهو أنّ جائزة «المحاضَرة والسفر» السنوية الخاصة بجمعية الطب الجلدي الاستقصائي لا زالت تحمل اسم كلينجمان.
يقول آدامسون: «هذه الجائزة تُمنح على أساس حسن الإدارة والتميّز في البحث، وهذا أقلقني بشدّة».
إقرأ أيضا: كيفية علاج آثار حب الشباب
جمع الأدلة
بدأ آدامسون يجمّع أدلّة حول ممارسات كلينجمان البحثية ومعتقداته اللاأخلاقيّتين، ويضعها في سياق منطقي منسجم مع مكتشفاته الخاصة بمساعدة جول ليبوف؛ وهو أستاذ في طب الجلد في جامعة بنسلفانيا، ويعمل كطبيب جلدية ضمن الجامعة.
كتب الباحثان في مقالة تحريرية نُشرت مؤخراً في دورية «جاي أيه أم أيه ديرماتولوجي»: «كان كلينجمان من عمالقة مجال طب الجلد دون شك، لكنّ وراء هذه الإنجازات يقبع تاريخ مقلق من التجارب على البشر، والأذى المباشر لأقليات مهمّشة منهم».
كان كلينجمان رائداً في تطوير العديد من العلاجات لحب الشباب والمشاكل الجلدية الأخرى، ومنها اكتشافه أنّ «التريتينوين»، أو حمض الريتينويك؛ وهو أحد مشتقّات فيتامين إيه، يمكن أن يعالج حب الشباب وبعض المشاكل الجلدية الأخرى المتعلّقة بالتقدّم بالعمر، مثل التجاعيد. بيع العقار أولاً باسم ريتن-أيه (التريتينوين هي المادة الفعّالة فيه)، ولازال يُباع اليوم بنفس الاسم وبأسماء أخرى.
أجرى كلينجمان أيضاً أبحاثاً في عدّة مجالات أخرى متعلقة بطب الجلد لمصلحة شركات مثل؛ جونسون آند جونسون وللحكومة الأميركية. معظم مكتشفاته رأت ضوء النهار بسبب استعانته بالمساجين الرجال في سجن هولمزبورغ في ولاية فيلادلفيا ضمن تجاربه.
كتب الباحثان في المقالة التحريرية أيضاً: «دفع كلينجمان للمساجين المال لقاء مشاركتهم، وهي ممارسة أصبحت تُعتبر إكراهية ومعزِّزة للاموضوعية بشكلٍ شائع بقدوم سبعينيات القرن الماضي». اليوم، تمنع مجالس التدقيق الأخلاقي أي ممارسة تعتبر إكراهية.
الأضرار التي لحقت بالمشاركين
وفقاً لليبوف، يصعب تحديد كل الأضرار الفردية التي أصابت المشاركين بدقة في بعض الحالات، وذلك لأن السجلات التي تبيّن هويات المشاركين مفقودة في الكثير من الحالات. مع ذلك، يقول ليبوف: «يمكنك أن تعتبر أنّ تاريخ التجارب على السجناء أصحاب البشرة السمراء هو عامل مساهم في انعدام الثقة في المجتمع الطبي، وهذا أمر تتجاوز أهمّيته الأفراد المظلومين وتلقي بظلها على المجتمع بأكمله». أيضاً، هناك سجلات توثّق أنّ كلينجمان حقن المشاركين بشكل متعمّد بعوامل ممرضة مثل فيروس الهربس البسيط، وفيروس الورم الحليمي البشري، وفطر شائع اسمه المُبيَضّة.
دفع بحث آدامسون وليبوف جمعية الطب الجلدي الاستقصائي إلى إزالة اسم كلينجمان من جائزتها المرموقة، وأُعلن عن ذلك في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في بيان صحفي مقتضب لم يُفسّر سبب اتّخاذ القرار، لكن يقول آدمسون: «بقي اسم كلينجمان موجوداً على المناصب الشرفية مثل الأستاذيّة ومنصب واحد للمحاضَرة وعلى المخابر في جامعة بنسلفانيا ومشاريع تمويل المنح في جامعة ولاية بنسلفانية في مونت ألتو».
عدم التوافق مع عمل كلينجمان والتأثر بحركة «بلاك لايفز ماتر» دفعا الباحثين لنشر المقال التحريرية هذه السنة. يقول آدمسون: «تصف المقالة بعض المشاكل العامة الموجودة في مجال الطب». بحسب ليبوف، فإن إخضاع المساجين للتجارب كان ممارسة شائعة بين الأطباء الذي أجروا تجارب سريرية في مراحلها المبكّرة قبل سبعينيات القرن الماضي. ويضيف: «لكن تعلّم التاريخ لا يعني أننا يجب أن نُبجّل الأفراد الذين فعلوا أشياء خاطئة».
هناك علامات تشير لأن المؤسسات التي لها علاقة بالطب الجلدي في الولايات المتحدة ليست جاهزة لمواجهة هذا. إذ يبيّن آدمسون أنه في نفس اليوم الذي نُشرت فيه مقالته التحريرية، أصدرت الأكاديمية الأميركية لطب الجلد تصريحاً مختصراً حول المشاكل الأخلاقية المتعلقة بأبحاث كلينجمان.
يفيد التصريح بأنه «لا يجب تطوير أي علاج باستغلال مشاركين غير راغبين أو يجهلون ما يحدث، مهما كان احتمال أنّ هذا العلاج سيكون فعّالاً. مع ذلك، نحن نعلم أنّ بعض العلاجات الشهيرة لحب الشباب وتقدّم عمر البشرة موجودة لأنها اختُبرت بشكل غير أخلاقي على السجناء، ومعظمهم من أصحاب البشرة السمراء في سجن هولمزبيرغ».
هذا التصريح لم يظهر في رسائل البريد الإلكتروني اليومية التي ترسلها الأكاديمية لأعضائها، ويقول آدمسون أنه نُشر في موقع الأكاديمية فقط.
هذا لا يرقى أبداً لما يدعي به آدمسون وليبوف في مقالتهم التحريرية. إذ أنهما كتبا: «لا يجب على المؤسسات الأكاديميّة أن تزيل أسماء الباحثين مثل كلينجمان من ألقاب الشرف خاصتها فحسب، بل يجب أن تفي بالالتزام الموجب بتثقيف الناس عن ما حدث في التجارب بشكل شامل».
وفقاً لليبوف، هذا الالتزام في أخذ الممارسات التاريخية بعين الاعتبار يتجاوز حالة كلينجمان بأشواط، في النهاية كانت ممارسته «طبيعية» بالنسبة لزمنه، لكن فقط عندما ندرك الإرث الكامل للتجريد من الإنسانية الذي تمارسه المؤسسات البحثية سنستطيع المضي قدماً. يقول ليبوف: «إذا لم نتحدث عن الموضوع فلن نستطيع أن نتعامل معه».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً