لطالما شدّدت إرشادات الصحة العامة؛ مثل الإرشادات الغذائية الخاصة بالأميركيين، على تقليل تناول الدهون الغذائية؛ لكن خبراء التغذية وعلماء الصحة الآخرين لديهم الآن أدلة أكثر حداثةً تشير إلى أنه ليس لكل الدهون آثار ضارة. تختلف الدهون الغذائية من حيث تأثيرها على الصحة وعلى خطر الإصابة بالأمراض المزمنة؛ لا سيما فيما يتعلق بآثارها على مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
في الواقع؛ يعتقد بعض خبراء التغذية الآن أن أنواعاً معينةً من الدهون الغذائية قد تقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. قد تخفض بعض الدهون الغذائية نسبة الدهون في الدم؛ والتي تسمى الشحوم الثلاثية. قد تزيد هذه الدهون أيضاً من مستويات «الكوليسترول أتش دي إل»؛ أو ما يُعرف باسم الكوليسترول «الحميد»، وتقلل من مستويات «الكوليسترول أل دي أل» (الكوليسترول الضار)؛ بالتالي يحسّن من نسب الكوليسترول الحميد إلى الكوليسترول الكلّي.
كذلك ترتبط العديد من الأنظمة الغذائية التي لا تحدّ بشكلٍ صارم من الكمية الإجمالية للدهون الغذائية التي يستهلكها الشخص بازدياد الرضا عن النظام الغذائي وفقدان الوزن، والحفاظ على كتلة العضلات.
بصفتي أستاذةً وباحثةً في مجال التغذية وعلم الحمية، فأنا مقتنعة بأن النتائج التي توصلنا إليها -بالإضافة إلى الأدلة الأخرى المنشورة حديثاً- تُظهر أن المفهوم الذي ينص على أن الدهون الغذائية «سامة» هو مفهوم مضلّل، وعفا عليه الزمن.
على الرغم من وجود أدلة قاطعة تبيّن أنه لا مكان في نظام غذائي صحيّ لنوع واحد من الدهون؛ وهو الدهون المتحولة؛ إلا أنه من الضروري معرفة كيفية موازنة الأنواع الأخرى من الدهون في النظام الغذائي. تناقش الأستاذة «هايدي سلفر» دور الدهون الغذائية.
في سبيل إيجاد التوازن
على الرغم من أن الدهون كلها ليست متشابهة؛ إلا أنها تشترك في بعض الأشياء. إنها توفر حوالي 9 سعرات حرارية من الطاقة لكل غرام من الدهون. تُفكّك جميع هذه الدهون أثناء الهضم بواسطة الأنزيمات في الجهاز الهضمي، وتُمتص بشكلٍ جيّد كأحماض دهنية؛ وهي سلاسل من الهيدروجين والكربون؛ لكن سلاسل الكربون هذه تختلف في الطول وفي درجة تشبّعها. نتيجةً لذلك؛ تختلف الدهون الغذائية في تأثيرها على الجسم.
في بعض الحالات؛ ترتبط جزيئات الكربون بجزيئات الكربون الأخرى، وفي حالات أخرى ترتبط بجزيئات الهيدروجين. من المحتمَل أنك سمعت عن الدهون المشبعة وغير المشبعة؛ الدهون غير المشبعة هي تلك التي ترتبط فيها جزيئات الكربون بجزيئات الكربون الأخرى، بينما الدهون المشبعة هي تلك التي ترتبط فيها جزيئات الكربون بجزيئات الهيدروجين، وهناك أيضاً اختلافات بين هذين النوعين العامّين من الدهون.
من بين الدهون غير المشبعة تلك التي تكون ؛ والتي توجد في أطعمة مثل الجوز والزيوت النباتية والسلمون والسردين.
لقد اكتشفنا أيضاً أن الأنواع المختلفة من الدهون المشبعة تؤثر على الجسم بطرقٍ مختلفة. على سبيل المثال؛ حمض اللوريك الذي يحتوي على 12 جزيء من الكربون، وحمض الميرستيك الذي يحتوي على 14 جزيء من الكربون، وحمض البالمتيك الذي يحتوي على 16 جزيء من الكربون، وحمض الستياريك الذي يحتوي على 18 جزيء من الكربون؛ كلها دهون مشبعة، ومع ذلك، فحمض الستياريك لا يزيد من مستويات الكوليسترول الضار مثل الدهون المشبعة الأخرى.
في حين أن هذه الاختلافات ليست جديدةً علينا؛ إلا أن فهم آثارها هو أمر جديد، ويرجع ذلك في الغالب إلى النتائج التي توصلت إليها دراسات حديثة مثل دراستي.
بالتالي، فإن كمية الدهون الكلية في النظام الغذائي لم تعد هي المقياس الوحيد للتأثيرات الصحية للدهون الغذائية؛ بل يتعلق الأمر أيضاً بنوع الأحماض الدهنية، وطول سلسلة الكربون فيه وهل الدهون مشبعة أم أحاديّة، أم متعددة اللا-إشباع.
اقرأ أيضاً: دليلك الصحي لتناول ما يكفي من الفواكه والخضروات يومياً
علاقة الدهون بصحة القلب
بدأ الحوار العلمي حول الدور الضار المحتمل للدهون الغذائية والكوليسترول على صحة الإنسان في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، عندما اكتشف العلماء كيفية تحليل الدهون في المختبر. اكتشف العلماء أيضاً الصلة بين مدخول الدهون الغذائية ومستويات الكوليسترول الضار في الدم، وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عند الحيوانات.
نتيجةً لأن أمراض القلب كانت السبب الرئيسي للوفاة في الولايات المتحدة منذ الثلاثينيات؛ أوصت لجنة التغذية التابعة لجمعية القلب الأميركية في عام 1968 بتقليل تناول الدهون الكلية والمشبعة. تم إحراز مزيد من التقدم في التركيز على خفض تناول الدهون الغذائية في عام 1977 مع إصدار الإرشادات الغذائية الأولى للأميركيين من قِبل لجنة مجلس الشيوخ المختارة للتغذية واحتياجات الإنسان.
بدأ أخصائيو الرعاية الصحية بالتشجيع على اتباع نظام غذائي منخفض الدهون، وبدأت شركات تصنيع المواد الغذائية في تطوير وإنتاج تشكيلة واسعة النطاق من الأطعمة «قليلة الدهون» و«مخفّفة الدهون» و«خالية من الدهون».
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت نصائح اتباع نظام غذائي قليل الدهون استراتيجية للتحكم في الوزن. كشفت أدلة من دراسة «فرامنغهام القلبية» التاريخية أن السمنة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، وأظهرت البيانات الوطنية أن جميع السكان كانوا يزدادون وزناً.
استجاب الأميركيون بتقليل كبير في استهلاك السعرات الحرارية على شكل الدهون؛ لكن البشر لديهم تفضيل بيولوجي لمذاق الدهون، ومع خروج الدهون من المائدة، زاد الملايين من استهلاكهم للكربوهيدرات الغذائية للتعويض عن فقدان النكهة. نتيجةً لذلك؛ كانت هناك زيادة كبيرة في محيط الخصر لدى الأميركيين.
اقرأ أيضاً: 5 أنواع من الأغذية تحسّن صحة قلبك، ونوعان يجب تجنبهما تماماً
مقاربة بديلة
نظراً لوجود أدلة علمية متضاربة حول الدهون، والأدوار المتنوعة للأحماض الدهنية الغذائية في الصحة والمرض، فقد صمّمت منذ حوالي 4 سنوات نظاماً غذائياً يحتوي على نسبة عالية من الدهون بشكلٍ معتدل؛ ولكن أنواع الدهون فيه كانت متوازنة نسبياً؛ أي شكّلت الدهون المشبعة حوالي ثلث إجمالي الدهون، وشكّلت الدهون أحادية اللا-إشباع الثلث الثاني، بينما شكّلت الدهون متعددة اللا-إشباع الثلث الثالث.
بناءً على مقاربة اتّباع النظام الغذائي المتوازن الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون بشكلٍ معتدل؛ طوّر فريق البحث الخاص بي قوائمَ غذائيةً مخصصة لـ 14 يوماً تتكون من 3 وجبات ووجبتَين خفيفتَين يومياً، تزيد من تناول الأطعمة التي تحتوي على الحمض الدهني أحادي اللا-إشباع «حمض الأوليك» (والذي يحتوي على 18 جزيء من الكربون)، والحموض الدهنية متعددة اللا-إشباع ذات السلاسل الأطول (والتي تحتوي على 18 جزيئاً من الكربون، وتُعرف أكثر باسم أحماض أوميغا-3 وأوميغا-6 الدهنية). للقيام بذلك؛ قمنا باستبدال الوجبات الخفيفة مرتفعة الكربوهيدرات البسيطة بالمكسرات، واستبدلنا الخبز المحمص في السلطات بشرائح الأفوكادو، واستخدمنا تتبيلات السلطة الغنية بزيت القرطم وزيت الكانولا وزيت الزيتون.
قمنا بدراسة آثار هذا النظام الغذائي المتوازن عالي الدهون لدى البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. في دراسة أُجريت على 144 امرأة دامت 16 أسبوعاً، وجدنا أن دهون البطن ومحيط الخصر انخفضت بشكلٍ كبير لدى المشاركين، كما شهدوا تحسّناً بنسبة 6% في ضغط الدم، وانخفاضاً في مستويات مؤشرات الالتهاب في الدم، وبشكلٍ عام؛ شهد المشاركون انخفاضاً بنسبة 6% في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية خلال 5 و 10 سنوات.
أفاد المشاركون في الدراسة بأنهم وجدوا نظامنا الغذائي مستساغاً للغاية ومُرضياً ومجدياً اقتصادياً، وانعكس الالتزام الصارم بنظامنا الغذائي المتوازن عالي الدهون في الدراسة التي استمرت 4 أشهر، على هيئة التغييرات الكبيرة التي طرأت على مستويات الأحماض الدهنية في بلازما الدم لدى المشاركين (مجموعة الدهون المشبعة وغير المشبعة في الدم)؛ والتي تبيّن نسب الأحماض الدهنية في قوائم النظام الغذائي.
في دراسة متابعة استُخدم فيها تحليل أكثر تعمّقاً لاستجابة الدهون للنظام الغذائي المتوازن عالي الدهون، وجدنا اختلافاً في الاستجابة بين الإناث القوقازيّات والإناث الأميركيّات من أصل أفريقي، في حين أن الإناث القوقازيات كان لديهن تحسناً في مستويات الدهون الثلاثية في الدم ومستويات الكوليسترول الضّار، شهدت الإناث الأميركيات من أصل أفريقي التحسن الأكبر في مستويات الكوليسترول الحميد. تدعم هذه البيانات الفكرة التي تنص على أنه لا يستجيب جميع الأشخاص للمقاربة الغذائية بنفس الطريقة، ولا يوجد نظام غذائي مثالي واحد لجميع الأشخاص.
في دراسة متابعة أخرى أُجريت على استجابة الجسم للنظام الغذائي عالي الدهون، وجدنا أيضاً أن الأشخاص الذين لديهم نمط وراثي معين لديهم استجابة أقوى، وأن هذه الاستجابة تختلف حسب الجنس؛ لا سيما فيما يتعلق بكون تحسّن نسب الكوليسترول الحميد أكبر عند الإناث مقارنةً بالذكور.
بالتالي؛ أعتقد أن اختيار مقاربة غذائية فعّالة يجب أن يُحدّد بناءً على أهداف الفرد الخاصة، واستجابته السريرية والاستقلابية للتفاعل بين المورّثات والبيئة.
هناك دراسات محدودة حول استراتيجية موازنة أنواع الدهون الغذائية، في حين أن الإجماع العلمي الحالي هو أن التطرّف في تناول أو الحد من الدهون الغذائية هو أمر غير صحي. أعتقد أن التركيز على أنواع الدهون الغذائية المستهلكة قد يوفر فرصةً لتعديل عوامل خطر الأمراض القلبية الاستقلابية لدينا دون الحاجة إلى إجراء تغييرات كبيرة في كمية الدهون أو السعرات الحرارية التي نستهلكها.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.