ربما يكون هذا سؤالاً قد سمعته مرة أو أكثر في المحادثات: هل كان مذاق الطعام ألذ في الماضي؟ إنها واحدة من تلك الأفكار الرائجة التي تعتبر بديهية في بعض الأحيان: الطعام، وخاصة المنتجات الطازجة (الفواكه والخضراوات)، ليست مثلما كانت من قبل.
لسوء الحظ، لا يمكننا أن نعود بالزمن إلى الوراء ونشتري ثمرة فراولة من محل بقالة في الستينيات ونقارنها بأخرى نجدها في «السوبر ماركت» اليوم. حتى لو تمكنا من القيام بذلك، فمن غير المرجح أن يتفق الجميع على أن فراولة اليوم ليست ألذ طعماً من الفراولة القديمة.
من بعض النواحي، يعتبر التذوق موضوعياً جداً. يوجد حالياً 5 أنواع معروفة من المذاق: الحلو، الحامض، المالح، المر و«الأومامي». عندما نأكل الطعام، تتفاعل العديد من المستقبلات (المعروفة أيضاً باسم براعم التذوق) مع تلك المذاقات وترسل إشارة إلى الدماغ تساعده في إدراك الطعم. ولكن، من نواحٍ أخرى، يمكن أن يكون التذوّق ذاتياً بشكل محيّر.
يمكن لأنواع معينة من الظروف الصحية أن تضعف حاسة التذوق لديك، وكذلك مزاجك، إلى جانب الكثير من العوامل البيئية والوراثية الأخرى. على سبيل المثال، بعض الناس أكثر حساسية تجاه المذاق المرّ، مما يجعل الأطعمة المرّة بشكلٍ خاص أقل استساغة بالنسبة لهم. وغالباً ما يكون هذا بسبب مورثاتهم، فبعض الأشخاص الأكثر حساسية تجاه النكهات المرّة -والذين غالباً ما يُطلق عليهم مصطلح «فائقي التذوّق»- يمتلكون مورثةً تُدعى «تي أيه أس 2 آر 38»، والتي تزيد من إحساسهم بالمرارة.
تتغير براعم التذوق لديك أيضاً مع تقدمك في السن. والأهم من ذلك، تشير الأدلة إلى أن عدد براعم التذوق لدينا يتناقص مع تقدمنا في العمر، وتلك التي تبقى تتقلص في الحجم. كل ذلك يمكن أن يؤثر على قدرتنا على تحسس المذاقات الخمسة، ويمكن أن يغير إحساسنا بالطعام.
مذاق الطعام وحالتنا المزاجية
يمكن أن تتغير الطريقة التي نحس بها في الطعام كل يوم. حللت دراسة أجريت عام 2015 ونُشرت في دورية «أبيتايت» تأثير الحالة المزاجية على المذاقات المختلفة من خلال جمع بيانات من 550 شخصاً حضروا موسم الهوكي للرجال، والذي تضمن 4 انتصارات و3 خسائر وتعادل واحد. أظهر التحليل أن المشاعر الإيجابية أثناء اللعبة ارتبطت بازدياد القدرة على الإحساس بالطعم الحلو وانخفاض الإحساس بالحموضة. من ناحية أخرى، ارتبطت المشاعر السلبية بارتفاع الإحساس بالحموضة وانخفاض الإحساس بالطعم الحلو.
علاوة على كل هذه الذاتية، يعد التذوق مكوناً واحداً فقط لما يُعرف بالنكهة، وهي مزيج معقد بشكلٍ لا يصدق مما يتذوقه اللسان، ورائحة الأنف، وأشياء مثل الملمس، والطريقة التي تتكامل فيها هذه العوامل لتوليد إحساسنا بالمذاق.
الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن الطريقة التي ننتج ونستهلك بها الأطعمة قد تغيّرت كثيراً على مدى نصف القرن الماضي، ويمكن أن يؤثر ذلك بالتأكيد على المذاق.
لعل أفضل مثال على ذلك هي الطماطم. تحظى الطماطم بشعبية لا تصدق، وغالباً ما تعتبر أعلى محصول نباتي قيمة في جميع أنحاء العالم. تُحدد نكهة الطماطم من خلال السكريات والأحماض، والتي تنشط مستقبلات التذوق لدينا، بالإضافة إلى مجموعة من المركبات المتطايرة التي تحفز مستقبلات الشم لدينا. المزيج من الاثنين يولد النكهة الفريدة التي تجعل صلصة المعكرونة الطازجة أو شطيرة اللحم المقدد والخس والطماطم لذيذة للغاية.
على مر السنين، أدرك علماء الأغذية أهمية هذه المركبات المتطايرة على وجه الخصوص في جعل طعم الطماطم رائعاً. اليوم، تُعدّل الطماطم وراثياً بطريقة تجعلها قابلة للنقل مسافات طويلة دون التعرض للكدمات ولزيادة مدة صلاحيتها. وفقاً لدراسة عام 2017 نُشرت في دورية «ساينس»، أدى هذا التحول الوراثي إلى انخفاض كبير في نسب المركبات المتطايرة التي تساهم في منح الطماطم رائحتها المميزة، مما يعني أننا نحصل على منتج أقل لذة.
على الرغم من أن الطماطم قد حظيت باهتمام كبير، إلا أن هناك عدداً من المحاصيل الأخرى التي تُزرع بطريقة مشابه لتلائم متطلبات الزراعة الحديثة، مما يعني أنها فقدت على الأرجح بعضاً من نكهتها التي كانت تمتلكها من قبل.
مع ذلك، هناك عوامل أخرى تساهم في مدى حبنا لنوع من الطعام عن آخر يصعب دراستها كثيراً ولكنها مهمة مع ذلك. نظراً لأن النكهة والمذاق هما أمران ذاتيّان للغاية، فلا يمكن تجاهل عامل الحنين إلى الماضي في الطعام. لقد حاولت أنا وأمي وأختي مرّات لا تحصى أن نحضّر الخبز بالليمون الذي كانت جدتي تحضّره، والذي كنا نأكله كل عام في أيام العطلات أثناء طفولتي. نحن دائماً نحصل على الثناء عليه، لكن بالنسبة لنا، فطعمه لا يشبه خبز جدتي أبداً. قد يكون ذلك ناتجاً عن الحنين إلى الماضي. أنا مقتنعة أيضاً بأنها ضاعفت كمية شراب الليمون في الوصفة.
اقرأ أيضاً: 5 أنظمة غذائية يمكن أن تكون مميتة