تعرّف إلى أسباب السكتات القلبية التي تصيب الرياضيين

تعرّف إلى أسباب السكتات القلبية التي تصيب الرياضيين
حقوق الصورة: shutterstock.com/ evryka
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سقط مدافع فريق بوفالو بيلز (Buffalo Bills)، دامار هاملين (Damar Hamlin) على أرض الملعب خلال مباراة لكرة القدم الأميركية قبل أيام أمام فريق سينسيناتي بينغلز (Cincinnati Bengals) بعد تعرضه لضربة في الصدر. وقد سقط هاملين على الفور مغشىً عليه وتعرّض لسكتة قلبية؛ ما دفع الطاقم الطبي إلى بدء إجراءات الإنعاش. وقد ذكر فريق بيلز أن نجم كرة القدم الأميركية قد استعاد وعيه وأن حالته العصبية سليمة، ما يزال هاملين في حالة حرجة وعلى جهاز التنفس الاصطناعي لكن الأطباء قالوا إنه استطاع التواصل عبر الكتابة، وكان أول ما سأل عنه هو هوية الفريق الذي ربح المباراة.

دامار هاملين، لاعب فريق بوفالو بيلز يتفاعل مع الجمهور خلال مباراة ضد فريق مينيسوتا فايكنغز (Minnesota Vikings) في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. تعرّض اللاعب هاملين لسكتة قلبية بعد اصطدامه بأحد اللاعبين في مباراة ضد فريق سينسيناتي بنغلس (Cincinnati Bengals) في 2 يناير/ كانون الثاني. آيزياه فازكيز/ غيتي إميدجيز

السكتات القلبية بين الرياضيين: نادرة لكنها خطيرة

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يكن هناك تشخيص أو تفسير رسمي لسبب تعرّض هاملين للسكتة القلبية؛ حيث وُصفت حالة هاملين بأنها غير مسبوقة، وحادثة لم يشهدها الناس من قبل في دوري كرة القدم للمحترفين. لقد أثار هذا الحادث قلق الرابطة الوطنية لكرة القدم (NFL) كما سلّط الضوء على أهمية وجود موارد طبية للتأكد من أن الرياضات التي تتطلب الاحتكاك البدني آمنة قدر الإمكان.

اقرأ أيضاً: ممَّ يتكون الكادر الطبي الخاص بفريق كرة القدم؟ 

وعلى الرغم من وجود خطر دائم للإصابة في أثناء ممارسة الرياضات التي تتطلب الاحتكاك البدني، تركّز الأبحاث الطبية في كرة القدم غالباً على إصابات الرأس مثل الارتجاج، بينما تُعد إصابات القلب أقل شيوعاً.

يقول رئيس قسم أمراض القلب في مشفى جامعة ستوني بروك ميديسن (Stony Brook Medicine) في نيويورك، هال أندرو سكوبيسكي (Hal Andrew Skopicki) الذي كان يشاهد تلك المباراة: “تخيّلوا عدد الضربات التي تصيب الصدر كل أسبوع في مباريات الهوكي واللاكروس وكرة السلة والبايسبول دون أن تُحدث إصابة دائمة”. وجدت دراسة أُجريت عام 2013 على 107 من حالات السكتة القلبية المفاجئة أن 20.5% فقط من لاعبي كرة القدم نجوا، وأن أكثر من نصفهم بقليل يمتلكون جهاز مزيل الرجفان القلبي، وهو جهاز موضعي يقوم بإجراء صدمات للقلب لاستعادة نبضاته الطبيعية. ويحذّر سكوبيسكي من أنه على الرغم من أن هذه الإصابات القلبية المرتبطة بممارسة الرياضة نادرة للغاية، فقد تكون قاتلة.

ماذا يحدث لقلبك في أثناء السكتة القلبية؟

يشرح سكوبيسكي أن القلب ينبض نحو 100,000 مرة في اليوم لضخ الدم في أنحاء الجسم جميعها، ويستخدم القلب الكهرباء لتوليد هذه النبضات؛ حيث تعمل مجموعة من خلايا القلب معاً كجهاز ينظّم ضربات القلب لتوليد الكهرباء التي تنتقل عبر القلب وتجعله ينقبض ويسترخي.

يقول مدير قسم النظم والفيزيولوجيا الكهربية للقلب في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي (Providence Saint John’s Health Center) شيفال دوشي (Shephal Doshi): إن مجموعة خلايا القلب تشبه مفتاح التشغيل والإيقاف الذي يرسل الإشارات الكهربائية إلى القلب الذي يحدد موعد إرسال هذه الإشارات، وتحدث السكتة القلبية عند حدوث خلل في النظام الكهربائي للقلب.

على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي نقص الإشارات الكهربائية أو زيادتها إلى قصر الدائرة الكهربائية، ويتسبب في توقف القلب عن العمل ما يعني عدم ضخ الدم إلى الجسم؛ بما في ذلك الدماغ. تُعد النوبات القلبية سبباً شائعاً لحدوث السكتة القلبية المفاجئة كما أنها تعيق تدفق الدم إلى القلب؛ إذ يحرم الانسداد خلايا القلب من الأوكسجين ما يؤثر في نبضاتها الكهربائية ويؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب.

اقرأ أيضاً: العواقب الخطيرة للإفراط في ممارسة التمارين الرياضية

يمكن أن تسبب مشاكل العضلات أيضاً اضطراب كهرباء القلب، وغالباً يعاني الأشخاص الذين يندرجون ضمن هذه الفئة من نوع من المشاكل القلبية. اعتلال عضلة القلب الضخامي (Hypertrophic cardiomyopathy) هو إحدى الحالات التي تصبح فيها عضلة القلب سميكة (متضخمة)؛ ما يتسبب في حدوث ندبات قد لا تسمح للنظام الكهربائي بالعمل بشكل صحيح. ويُعد اعتلال عضلة القلب التوسعي (Dilated cardiomyopathy) مرضاً آخر في عضلة القلب حيث يتمدد البطين الأيسر؛ ما يجعل من الصعب على العضو ضخ الدم.

ماذا نعرف عن سقوط دامار هاملين؟

لم يكشف فريق بيلز والمسؤولون الطبيون عن تاريخ هاملين الصحي للجمهور، ومن غير المعروف ما إذا كان يعاني من حالة مرضية موجودة مسبقاً يمكن أن تكون السبب في تعرّضه للسكتة القلبية. تقول جرّاحة تقويم العظام المتخصّصة في الطب الرياضي في كلية الطب بجامعة ييل، ليز غاردنر (Liz Gardner): يخضع الرياضيون المحترفون لفحوصات دقيقة للكشف عن الحالات الصحية مثل اعتلال عضلة القلب الضخامي أو العيوب الخلقية في القلب. (غالباً تكون الرابطة الوطنية لكرة القدم الأميركية انتقائية عند مشاركة معلومات إصابة اللاعب والصحة مع الجمهور).

ويعتقد بعض الخبراء الطبيين أن سقوط هاملين قد تكون له علاقة بحالة تسمى ارتجاج القلب (commotio cordis)، وهي حالة نادرة تحدث عند تلقّي ضربة على الصدر خلال لحظة معينة من دورة ضربات القلب. إذ تتكون دورة ضربات القلب من موجات كهربائية مختلفة تحفّز القلب ميكانيكياً، وتُعتبر الموجة الثنائية تي (T) فاصلاً زمنياً حسّاساً مدّته 20 مللي ثانية، يستريح فيه القلب قبل أن يبدأ النبضة التالية.

يمكن أن تؤدي الصدمة القوية على الصدر في هذه الفترة الزمنية القصيرة إلى ضبط عمل القلب بشكل غير مناسب وتغيير نبضاته مؤدياً إلى السكتة القلبية. ويقول مدير قسم طب القلب الرياضي في مركز موريستاون الطبي (Morristown Medical Center)، ماثيو مارتينيز (Matthew Martinez): “إن السكتة القلبية التي تعرّض لها هاملين على الأرجح ليست خللاً وراثياً أو مرضاً في القلب؛ ولكنها في الحقيقة مجرد حالة من سوء الحظ والتوقيت المؤسف”.


يمكن أن يحدث ارتجاج القلب لأي شخص يتمتع بقلبٍ سليم لأن الحالة تعتمد على توقيت الضربة على الصدر، فلا توجد اختبارات أو فحوصات طبية للتنبؤ بها. وعلى الرغم من أن هذه الحالة تظهر غالباً لدى الرياضيين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاماً، يقول مارتينيز إنه من غير المرجح أن تكون لعمر هاملين (24 عاماً) أي علاقة بحدوثها. يمكن أن يكون ارتجاج القلب مهدّداً للحياة؛ حيث يقول الخبراء إن العامل الحاسم هو الفترة الزمنية بين توقف القلب عن النبض والقيام بعملية الإنعاش. كما يؤثر هذا التوقيت أيضاً في احتمال حدوث ضرر طويل الأمد للأعضاء؛ ومنها الدماغ.

يقول سكوبيسكي إن هاملين سقط إلى الوراء دون أن يحاول تجنب ذلك السقوط، وهو ما يحدث عادةً عندما يتوقف الدماغ عن العمل. ويشرح قائلاً: “عندما نرى شخصاً يسقط بهذا الشكل، فإن أول سؤال يراودنا هو ما إذا كان القلب يضخ الدم إلى الدماغ أو لا؛ إذ يمكن لخلايا الدماغ أن تستمر في العمل لمدة خمس دقائق فقط دون أوكسجين”.

اقرأ أيضاً: ما الذي يحدث فعلاً عندما تُصاب بالتمزّق العضلي؟

ما فرص الشفاء التام من السكتة القلبية المفاجئة؟

حدثت السكتة القلبية المفاجئة بضع مرات فقط في عالم الرياضة؛ حيث تعرّض لاعب كرة القدم الدنماركي كريستيان إريكسن (Christian Eriksen) لسكتة قلبية خلال مباراة منتخبه ضد منتخب فنلندا ضمن بطولة يورو 2020 (Euro 2020). وقد تعافى إريكسن تماماً وتم تزويده لاحقاً بجهاز مزيل الرجفان القلبي القابل للزرع، وهو نوع من أجهزة تنظيم ضربات القلب التي تطلق اهتزازات صغيرة لتثبيت نبضات القلب غير المنتظمة، وقد استأنف اللعب بعد 8 أشهر.

بينما لم يحالف الحظ اللاعبين الآخرين؛ حيث أُصيب لاعب دفاع فريق سانت لويس بلوز (St. Louis Blues)، جاي بوميستر (Jay Bouwmeester) بسكتة قلبية وسقط على مقاعد البدلاء خلال مباراة للهوكي في عام 2020، وتعافى بعد ثلاثة أيام لكنه اضطر إلى التقاعد المبكر من اللعب في دوري المحترفين.

وفي مباراة كرة قدم في عام 2017، تعرّض لاعب الوسط الهولندي السابق، عبد الحق نوري (Abdelhak Nouri) لسكتة قلبية أدّت إلى دخوله في غيبوبة لمدة 13 شهراً، واستفاق منها لاحقاً وقد أُصيب بتلفٍ دائم في الدماغ.

بالنسبة إلى هاملين فهناك بعض الأخبار الجيدة، فقد صرّحت الطبيبة غاردنر لمجلة العلوم للعموم أن نجم كرة القدم الأميركية لديه فرصة أفضل للتعافي بالنظر إلى الاستجابة السريعة للفريق الطبي. حيث استغرق الطاقم الطبي 10 ثوانٍ للوصول إلى هاملين وبدأ في عملية الإنعاش التي استمرت لمدة تسع دقائق كما وُضعت أنابيب تنفسٍ (فيما يُعرف بالتنبيب (Intubation)) للّاعب عند وصول سيارة الإسعاف إلى الملعب.

“لقد كان محظوظاً لتوفّر جهاز إزالة رجفان القلب على الفور كما تم تقديم الإنعاش القلبي الرئوي مباشرةً”. ينجو %12 فقط من المصابين بالسكتة القلبية، على الرغم من أن الإنعاش القلبي الرئوي يمكن أن يضاعف فرص بقاء الشخص على قيد الحياة إلى ثلاثة أضعاف.

لم يتم الإفصاح عن المزيد من التفاصيل حول حالة هاملين الصحية؛ كما أنه من المبكّر جداً التنبؤ بموعد خروجه من المشفى أو عودته إلى اللعب مرةً أخرى. ويقول دوشي: “بالنظر إلى مدى الإصابة، ستكون الطريق إلى التعافي صعبة وقد يستغرق بعض الوقت قبل أن يصبح جاهزاً للعب والمنافسة مرةً أخرى؛ لكنني متأكد من أن الكثيرين يتفقون معي بأن البقاء على قيد الحياة والتمتع بصحة جيدة أهم من ممارسة تلك الرياضة”.

اقرأ أيضاً: علماء يتمكّنون من اكتشاف النوبات القلبية وسماعها قبل وقوعها

يُعد الحادث تذكيراً خطِراً بأن كرة القدم الأميركية يمكن أن تكون رياضة خطِرة تتجاوز حدود الترفيه. تقول غاردنر: “لقد كان وجود مسعفين هرعوا سريعاً إلى مكان الحادث لإجراء الإنعاش القلبي الرئوي أمراً عظيماً ولكن هذا لا يحدث دائماً مع الرياضات التي يمارسها الهواة، فمثلاً لا تتوفر خدمات الرعاية الطبية في دوري المدارس الثانوية لكرة القدم الأميركية”.

وتضيف: “إذا كانت المدارس الثانوية تقوم بتخفيض الميزانيات، فمن المحتمل تقليص الموارد الطبية اللازمة لحالات حدوث أزمات قلبية أو حالات الارتجاج الدماغي، وإذا كنا سنقوم بدعم الرياضات التي تتطلب احتكاكاً جسدياً ورعايتها، فهناك مستوى من المسؤولية للقيام بذلك بأمان”.