أجرى البنك الحيوي في المملكة المتحدة تحليلاً رائداً لنحو 17 ألف مشارك، باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على المعصم وصور الرنين المغناطيسي، لإثبات أن "عمر" الدماغ لا يتحسن بمجرد زيادة كثافة التمارين الرياضية، بل إن مفتاح إبطاء شيخوخة الدماغ وحماية بنيته وحماية الإدراك يكمن في ممارسة النشاط البدني باعتدال، في حين أن ممارسة القليل جداً أو حتى الكثير جداً من النشاط قد يكون له تأثير معاكس.
أجري البحث بقيادة الأستاذ المشارك تشنجي شو من كلية الصحة العامة بجامعة هانغتشو، بالتعاون مع جامعة تيانجين للطب الصيني التقليدي وجامعة تيانجين الطبية. ونشرت النتائج في مجلة علوم البيانات الصحية في 2 مايو/ أيار 2025.
كيف قاس الباحثون عمر الدماغ؟
اختلفت هذه الدراسة عن مثيلاتها بأنها اعتمدت على مقاييس تسارع قابلة للارتداء على المعصم لتسجيل النشاط البدني للمشاركين مدة 7 أيام. وقد سمح ذلك بقياس موضوعي لمستويات مختلفة من النشاط البدني هي الخفيف والمعتدل إلى القوي. هذه الطريقة أدق من الاعتماد على الاستبيانات، لأنها تسجل كمية النشاط وشدته ومدته بموضوعية.
ولتقدير عمر الدماغ استعان الباحثون بالذكاء الاصطناعي لتحليل أكثر من 1,400 من الأنماط الظاهرية المشتقة من التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ (MRI) من أجل تقدير "عمر الدماغ" لكل مشارك. من ثم حسب الباحثون "فجوة عمر الدماغ" (BAG) عن طريق طرح العمر الزمني الحقيقي من العمر التقديري للدماغ. تشير فجوة عمر الدماغ الإيجابية إلى شيخوخة متسارعة للدماغ، فيبدو أكبر من عمره الحقيقي، بينما تشير الفجوة السلبية إلى شيخوخة أبطأ، ويبدو الدماغ أصغر من عمره الحقيقي.
اقرأ أيضاً: باحثون من جامعة هارفارد يحددون 17 عاملاً يسرع شيخوخة الدماغ
النشاط البدني المعتدل مفتاح إبطاء شيخوخة الدماغ
في النتيجة، وجدت الدراسة أن العلاقة بين شدة النشاط البدني وفجوة عمر الدماغ (BAG) كانت على شكل حرف U. ما يعني أن المستويات المنخفضة جداً من النشاط البدني والعالية جداً منه ترتبط بقوة بشيخوخة أسرع للدماغ، ولا تستمر شيخوخة الدماغ بالتراجع مع تزايد قوة النشاط البدني. للتوضيح، يمكن تقسيم هذه العلاقة إلى 3 أقسام، كل قسم منها يمثل جزء من أجزاء حرف U:
- مستويات النشاط المنخفضة جداً (نمط حياة خامل) ترتبط بفجوة عمر دماغ إيجابية (شيخوخة أسرع).
- مستويات النشاط المعتدلة إلى القوية ترتبط بفجوة عمر دماغ سلبية (شيخوخة أبطأ).
- مستويات النشاط العالية جداً والمفرطة، مثل الرياضيين الذين يتدربون ساعات طويلة جداً كل يوم، لديهم أيضاً فجوة عمر دماغ إيجابية (شيخوخة أسرع).
وبالتالي فإن الممارسة المعتدلة للنشاط البدني هي الأكثر فائدة لصحة الدماغ وتبطئ عملية الشيخوخة. كما كشفت التحليلات العصبية أن انخفاض فجوة عمر الدماغ المرتبط بالنشاط كان مرتبطاً بانخفاض فرط الإشارة في المادة البيضاء وبالحفاظ على حجم مناطق معينة في الدماغ.
وفرط إشارة المادة البيضاء هي مناطق صغيرة تظهر على نحو ساطع في صور الرنين المغناطيسي للدماغ، وتعد مؤشراً على تلف الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ. أما المناطق التي تحافظ على حجمها في الدماغ فهي:
- القشرة الحزامية (Cingulate Cortex) التي لها دور في الذاكرة والعاطفة والتحكم في الانتباه.
- النواة المذنبة (Caudate Nucleus) والبطامة (Putamen)، وهما جزءان من العقد القاعدية المسؤولة عن الحركة والتعلم.
عموماً، هي مناطق حيوية لسلامة الأوعية الدموية الدماغية والدوائر العصبية، وانكماشها يعد علامة على شيخوخة الدماغ، والحفاظ على حجمها يشير إلى أن النشاط البدني يساعد على حماية الخلايا العصبية ويمنع ضمور الدماغ.
اقرأ أيضاً: إليك أطعمة ترجع ساعة الشيخوخة للوراء وتحافظ على شبابك
الأستاذ المشارك في البحث "تشنجي شو" من كلية الصحة العامة بجامعة هانغتشو وصف الاعتدال بالنشاط البدني بأنه مفتاح إبطاء الشيخوخة، فقد قال: "إن دراستنا لا تؤكد فقط وجود علاقة غير خطية بين النشاط البدني المقاس على نحو موضوعي وشيخوخة الدماغ في عدد كبير من السكان، ولكنها توفر أيضاً رؤى قابلة للتنفيذ، والمزيد من التمارين الرياضية ليس دائماً الأفضل، بل الاعتدال هو المفتاح".
أجرت الدراسة أيضاً تحليلاً أظهر أن فجوة عمر الدماغ (BAG) تتوسط العلاقة بين النشاط البدني والوظائف الإدراكية والاضطرابات المرتبطة بالدماغ. يعني ذلك أن النشاط البدني المعتدل المرتبط بفجوة عمر دماغ سلبية وشيخوخة أبطأ يحسن الوظائف الإدراكية مثل سرعة رد الفعل، ويقلل خطر الإصابة بأمراض مثل الخرف والاكتئاب.
باختصار تقدم الدراسة دليلاً قوياً على أن الاعتدال في النشاط البدني هو وسيلة الحفاظ على صحة الدماغ وإبطاء الشيخوخة. بينما يؤدي الخمول إلى تسارع شيخوخة الدماغ، والإفراط في النشاط قد يكون له تأثير سلبي معاكس. لذا يجب أن يكون الهدف هو ممارسة النشاط البدني باعتدال، وليس دفع أجسادنا إلى أقصى حدودها.
سيركز فريق البحث مستقبلاً على مقاييس أخرى مثل بيانات النوم والسلوك والتحليلات الجينية، ودورها في شيخوخة الدماغ، والكشف عن الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذه التأثيرات.
اقرأ أيضاً: سلطة وخطوتان يومياً تبطئ شيخوخة دماغك
النشاط البدني المعتدل وأهميته
لزيادة نشاطك البدني المعتدل يمكنك ممارسة عدة أنشطة، منها المشي السريع والرقص والسباحة وركوب الدراجة على أرض مستوية وأعمال البستنة والتنس والجمباز.
يوصي معظم الهيئات الصحية، مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، بممارسة النشاط البدني المعتدل مدة 150 دقيقة تقريباً في الأسبوع، أي 30 دقيقة يومياً مدة خمسة أيام في الأسبوع.
بالإضافة إلى إبطاء شيخوخة الدماغ، يمكن للنشاط البدني المعتدل أن يقدم عدة فوائد مثل تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وحرق السعرات الحرارية والحفاظ على وزن صحي، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري من النمط الثاني، وبعض أنواع السرطان، وتحسين الصحة النفسية وجودة النوم، وتقوية العظام والعضلات.