في 27 يونيو/ حزيران الماضي، بينما احتمى سكان منطقة شمال غرب المحيط الهادئ في أميركا الشمالية في الأماكن الداخلية بسبب ارتفاع درجات الحرارة؛ خرجت مجموعة أخرى لممارسة الجري. بصفتي رياضيةً كنت أمارس رياضة الجري في الأماكن المفتوحة، فالجري خلال فترات الحر ليس أمراً جديداً بالنسبة لي. بدأت نشاطي في الساعة السابعة صباحاً، واخترت طريقاً ظليلاً أكثر.
عندما غادرت المنزل، شعرت بدرجات حرارة مريحة بلغت 24 درجة مئوية؛ ولكن بمجرد أن بدأت بالهرولة، أصبحت أشعر فعلاً بالهواء الساخن على بشرتي. بعد حوالي 3 كيلومترات من الجري، بدأت أشعر بأن المحيط يدور حولي، واضطررت للتوقف لأخذ استراحة على جانب الطريق.
أحب الصيف بأيامه الطويلة والطاقة التي يمدّني بها؛ لكني أكره التمارين الرياضية خلال فترات الحر، ومع ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي، أصبح من الصعب تجنب التعرّض للحر، لذلك تواصلت مع الخبراء لأسألهم عن كيفية الالتزام بجدول التدريب مع الحفاظ على سلامتي، وعن الحالات التي يكون فيها الامتناع عن التدريب أكثر صحيّةً.
خلال فترات الحر: تأثير الحر على ممارسة الرياضة
أجسام البشر هي آلات غير كفؤة. أثناء التمرين، يفكك الجسم السكر الذي نتغذّاه، ويجمع الطاقة التي تربط كل جزيء. وفقاً لـ «ويليام روبرتس»؛ خبير الطب الرياضي في كلية الطب في جامعة مينيسوتا؛ تُستهلك نسبة 25% فقط من هذه الطاقة في الحركة، ويُستهلك ما تبقّى منها على شكل حرارة؛ والتي يحتاج الجسم بعد ذلك إلى طرحها في البيئة للتحكّم بدرجة حرارته.
للقيام بذلك؛ يقوم الجهاز العصبي بتشغيل سلسلة من الآليات المصممة لتبريد الجسم. تتمدد الأوعية الدموية بالقرب من سطح الجلد؛ مما يؤدي إلى طرح الحرارة من الدم إلى الوسط المحيط (وهذا ما يفسر احمرار الجلد عند الجري)، كما أننا ننتج المزيد من العرق؛ مما يبرد الجسم نتيجة التبخّر.
كلما كان الجو في الخارج أكثر سخونةً ورطوبةً، يصبح التخلّص من الحرارة الزائدة أصعب. لا يمكننا طرح الحرارة في الهواء الساخن، وبالمثل؛ لا يمكن للعرق أن يتبخّر في الهواء الرطب. يقول روبرتس: «لا يوجد مكان تُطرح فيه الحرارة، لذا يمكن للجسم أن يسخن بسرعة كبيرة». بدون وسيلة لطرح هذه الحرارة؛ يمكن أن ترتفع درجة حرارة الجسم بمقدار 0.2 درجة مئوية لكل 90 دقيقة من التمرين الشّاق؛ وفقاً لمقال نُشر عام 2007 في دورية «ميديسن آند ساينس إن سبورتس آند إكسرسايز».
يقول روبرتس أن درجات الحرارة المريحة لقضاء يوم من الاسترخاء في الحديقة يمكن أن تصبح خطرةً بسهولة في حال ممارسة التمارين. أثناء نشاط الجري الذي شاركت فيه خلال موجة الحر في ولاية أوريغون، ربما كانت درجات الحرارة جيدة في البداية؛ ولكن عندما بدأت بالجري طلوعاً على التلال، تراكمت الحرارة في جسدي بمعدل أكبر من معدل طرحها، وجعلت الرطوبة في الصباح الباكر التعرق عديم الفائدة تقريباً.
اقرأ أيضاً: أفضل وأسوأ مشروبات الصيف التي يمكنك تناولها عندما تكون مصاباً بالجفاف
تأثير الحر على الجسم
بعد أن قطعت 16 كيلومتراً جرياً، غمرت جسدي في حفرة سباحة مليئة بالثلج الذائب، وبقيت هناك لمدة 5 دقائق حتى شعرت بالبرد؛ إنه لأمر جيد فعلته. الأعراض التي كنت أعاني منها (الدوخة والتعب الشديد) يمكن أن تشير إلى بداية الإصابة بالإنهاك الحراري، وقراري أن أغمر نفسي في الماء البارد هو العلاج المفضل للأمراض المرتبطة بالحرارة؛ وفقاً لمقال نُشر عام 2011 في دورية «أميريكان فاميلي فيزيشان». على الرغم من أنه يمكن علاج الإنهاك الحراري بالراحة وشرب السوائل والانتقال إلى مكان بارد؛ إلا أنه يمكن أن يتطور بسرعة إلى ضربة شمس؛ وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تؤدي إلى فشل الأعضاء.
وفقاً لـ «كيتي غريغز»؛ مُحاضِرة في جامعة «نوتنغهام ترينت» في إنغلترا؛ والتي تبحث في الأداء الرياضي والصحة، فمن الممكن تجاهل أعراض الإنهاك الحراري بسهولة - وخاصةً بالنسبة للرياضيين الذين اعتادوا على التغلّب على المشاعر غير المريحة لتحقيق أهدافهم. تقول غريغز: «نشهد أحياناً بعض السباقات التي يتعين فيها سحب الرياضيين لأنهم ينهارون جانب الطريق أو يكافحون للوصول إلى خط النهاية». بالإضافة إلى التعب والدوخة؛ تشمل علامات الإجهاد الحراري التي يجب مراقبتها: التعرق الشديد، الغثيان، ضعف النبض، القشعريرة والصداع.
اقرأ أيضاً: دليلك لمعرفة الفرق بين ضربة الشمس والإجهاد الحراري
وفقاً للروبرتس؛ تُعتبر ضربة الشمس مخادعة بشكلٍ خاص، لأنها غالباً ما تصيب الجهاز العصبي المركزي أولاً؛ وهو نفس النظام الذي ينبّهك عندما ترتفع درجة حرارتك. في كثيرٍ من الأحيان؛ يعاني الأشخاص المصابون بضربة الشمس من الارتباك، أو حتى يشعرون بالبرودة بدلاً من السخونة.
الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة هم أكثر عرضةً للإصابة بالإجهاد الحراري وضربة الشمس من غيرهم. تقول غريغز أن أولئك الذين يتناولون بعض الأدوية أو الذين يعانون من إعاقات معينة يحتاجون إلى أخذ مزيد من الحذر عند ممارسة الرياضة في الحر. تتداخل بعض الأدوية التي تستخدم لخفض ضغط الدم؛ مثل حاصرات بيتا وحاصرات قنوات الكالسيوم، مع قدرة الجسم على تنظيم درجة حرارته، وكذلك الحال بالنسبة لمضادات الهيستامين والمُليّنات ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات. تقول غريغز أن الأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي، لا يستطيعون في كثيرٍ من الأحيان التعرّق أو تنظيم تدفق الدم في الجلد أسفل موقع الإصابة. وبالمثل؛ يميل الأشخاص المصابون بالتصلّب اللويحي (أو التصلّب المتعدد) إلى التعرق بدرجة أقل من الأشخاص الأصحاء.
تمارين رياضية آمنة حتى مع ارتفاع درجات الحرارة
إليك بالأخبار السارّة: تماماً كما يمكنك أن تجعل جسمك يتكيّف في الارتفاعات العالية؛ يمكنك أيضاً تدريبه على التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة. تقول غريغز: «كلما عرّضت جسمك لتلك الظروف، سيستجيب بشكلٍ أفضل في وقتٍ لاحق». استعداداً للتدريب أثناء الحر؛ سينتج جسمك المزيد من الدم ويصبح أكثر كفاءةً في توزيعه في بشرتك. عندما تتحرّك، ستتعرق في وقت أبكر وبغزارة أكبر، ويسمح لك ازدياد كمية الدم أيضاً بفقدان المزيد من الماء قبل أن تصاب بالجفاف.
اقرأ أيضاً: دليلك للحفاظ على برودة جسمك في الصيف
وفقاً لروبرتس، فإن السر هو أن تبدأ ببطء؛ أي أن نتدرّب لنصف مدة تمرينك المعتاد وبحوالي نصف الشدّة، فإذا كنت عداءً تقطع مسافة 9.6 كيلومتر بانتظام؛ اخفض هذا الرقم إلى 4.8 كيلومتر أو أقل عندما تبدأ درجات الحرارة في الارتفاع (سواء كان ذلك في الأسبوع الأول من الربيع أو أثناء موجة الحر الشديد).
بمرور الوقت؛ يمكنك زيادة شدّة التمرين مجدداً. الخطأ الذي ارتكبته هو أنني اتّبعت جدول التدريب الخاص بي بشكلٍ أعمى؛ والذي كان يتطلّب مني أن أركض لمسافة 16 كيلومتراً، ولم أضع في الاعتبار درجات الحرارة التي كانت أعلى من المعتاد. قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتأقلم تماماً مع الحرارة، وبالنسبة للرياضيين الذين سيشاركون في سباق أو حدث آخر من المحتمل أن يقع في الطقس الحار؛ يوصي روبرتس ببدء التدريب على تحمّل درجات الحرارة هذه قبل حوالي 3 أشهر، ولمدة 30 دقيقة تقريباً كل يوم.
هناك خطوات أخرى بسيطة يمكنك اتخاذها للتأكد من أن جسمك سيتحمل ظروف الحر الشديد؛ يقول روبرتس أن البقاء آمناً في الحرارة يمكن أن يتطلّب أمراً ببساطة الحصول على قسط جيد من الراحة أثناء الليل، وتؤثر عوامل مثل النوم والترطيب وما إذا كنت قد مرضت مؤخراً على قدرة الجسم على تنظيم الحرارة. إذا كان الجو حاراً ولم تحصل على قسط كافٍ من الراحة أو كمية مناسبة من السوائل، أو إذا كنت قد تعافيت مؤخراً من الإنفلونزا، فحاول أن تتجنّب التمرين أو مارس التمرينات في صالة رياضية مكيّفة (بافتراض أنك تلقيت لقاحاً ضد كوفيد-19).
الشيء نفسه ينطبق حول ما إذا كنت قد تناولت الكثير من الكحول في الليلة السابقة للتمرين أم لا. لا يتسبب الكحول في الجفاف فحسب؛ بل إنه يُضعف قدرة الجسم على التبريد، وفي تلك الأيام الحارة حقاً، مارس التمرينات مع صديق ما. قد يلاحظ أحد الأصدقاء التغيّرات في سلوكك قبل أن تلاحظها أنت، والعكس صحيح؛ يقول روبرتس: «في بعض الأحيان؛ تكون سلامتك تتوقّف على مراقبة الناس لك».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً