في بداية كل عام جديد يتخذ ملايين الأفراد حول العالم قرارات لفقدان الوزن، أو تناول الطعام الصحي، إن لم يكن كلاهما. ولتحقيق هذا الهدف، سيبدأ العديد من الأفراد في المتابعة مع برامج تمارين رياضية شاقة تتضمن ممارسة الكثير من التمارين خلال أوقات متقاربة جداً، ما يؤدي إلى حدوث إصابات أو إرهاق اللياقة البدنية. وعلى عكس ما تتوقع، يمكن أن يمنعك الإفراط في ممارسة الرياضة من فقدان الوزن.
بصفتي عالمة أعصاب صحية، كنت أدرس آليات الدماغ والمعرفة الكامنة وراء السلوكيات الغذائية، والدور الذي تلعبه التمارين الرياضية في مساعدة الناس على تحسين وجباتهم الغذائية لأكثر من 10 سنوات.
الطاقة والتمارين الرياضية
الحقيقة هي أنه لا يمكنك ببساطة اتباع نظام غذائي سيئ وأن تتوقع فقدان الوزن (إذا كان هذا هو هدفك). يتمتع البشر ببراعة كبيرة في الحفاظ على الطاقة وسيحسبون أي سعرات حرارية يتم حرقها من خلال التمرين عن طريق استهلاك المزيد من السعرات الحرارية في وقت لاحق من اليوم، أو من خلال بذلهم نشاطاً بدنياً أقل خلال بقية اليوم.
ومع ذلك، يمكنك -ويجب- ممارسة التمارين الرياضية لمساعدتك على إنقاص الوزن والحفاظ على ما تخسره من وزن، ولكن ليس لموازنة السعرات الحرارية المستهلكة.
إذا كنت تتطلع إلى إنقاص وزنك، فإن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي التحكم في كمية السعرات الحرارية التي تتناولها. الطريقة الأفضل والأكثر فاعلية للقيام بذلك هي الحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة؛ مثل الأطعمة غير الصحية والوجبات السريعة. حتى إذا كنت لا تحاول إنقاص وزنك، فإن خفض الإفراط في استهلاك الأطعمة المعالجة مفيد للصحتين العقلية والجسدية.
تسهل التمارين المنتظمة القيام بذلك عن طريق تحسين العمليات الدماغية والمعرفية التي تساعدنا على تنظيم استهلاك الوجبات السريعة، وتقليل التوتر. وأفضل جزء هو أنك لا تحتاج أكثر من 20 دقيقة من المشي السريع للحصول على التأثيرات المفيدة.
اقرأ أيضاً: الخبراء يصنفون أفضل الأنظمة الغذائية وستفاجئك خياراتهم!
لماذا نفرط في استهلاك الأطعمة غير الصحية؟
نحن نعلم أنه لا ينبغي أن نفرط في تناول الحلوى والبسكويت والكعك ورقائق البطاطس، أو تناول المشروبات الغازية السكرية. تتسبب الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من هذه الأطعمة فائقة المعالجة في اكتساب الوزن. لكن من الصعب جداً مقاومتها.
صُممت الأطعمة السريعة فائقة المعالجة لتكون لذيذة ومحفزة لنظام المكافأة قدر الإمكان. عندما نشاهد الإعلانات التجارية، أو -على سبيل المثال- ألواح الشوكولاتة قبل الخروج من محلات البقالة، فإن نشاط أدمغتنا يزداد في المناطق المرتبطة بمعالجة المكافآت. ينتج عن زيادة نشاط تلك المناطق رغبتنا الشديدة في تناول الطعام وانقيادنا للأكل حتى عندما لا نشعر بالجوع.
تساعدنا منطقة الدماغ المعروفة باسم «قشرة الفص الجبهي الظهراني» (dlPFC) على الحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة عن طريق تقليل النشاط في مناطق المكافأة لتقليل رغبتنا في تناول الطعام، وعن طريق بدء العمليات المعرفية اللازمة لممارسة السيطرة الواعية على خيارات الطعام.
عند استخدام التصوير الوظيفي للدماغ لفحص استجابات الدماغ، أوضح علماء الأعصاب أن زيادة النشاط في منطقة قشرة الفص الجبهي الظهراني يساعدنا في التحكم في رغبتنا الشديدة في تناول الطعام، واختيار الأطعمة الصحية عن طريق تقليل النشاط في مناطق المكافأة في الدماغ. وعلى العكس من ذلك، عندما ينخفض النشاط في منطقة الفص الجبهي الظهراني، فإننا نواجه صعوبة أكبر في مقاومة إغراء الأطعمة السريعة الجذابة، ونستهلك المزيد من الأطعمة الخفيفة.
اقرأ أيضاً: النوم والزرنيخ والديدان: أغرب الأنظمة الغذائية لإنقاص الوزن
يمكن أن تساعدنا التمارين الرياضية في تنظيم استهلاكنا للطعام
تعزز التمارين الرياضية ليونة الدماغ، وهي قدرة الدماغ على تكييف وظائفه بناءً على مدخلات جديدة. إن تعزيز مرونة الدماغ يجعل من السهل تغيير عاداتنا وأسلوب حياتنا. أظهرت المزيد من الأدلة أن النشاط البدني المنتظم يمكن أن يزيد من وظائف المخ في الفص الجبهي ويحسّن الإدراك.
هذه التمارين، والتي تتضمن زيادات في وظائف الدماغ والإدراك في الفص الجبهي، تجعل من السهل تنظيم استهلاكنا للأطعمة السريعة أو الحد منه. كما يمكننا رؤية التأثيرات في أقل من 20 دقيقة من التمارين المعتدلة الشدة.
لقد أوضحتُ أن الأشخاص يستهلكون كميات أقل من الأطعمة فائقة المعالجة -مثل رقائق البطاطس أو شوكولاتة الحليب- بعد 20 دقيقة من التمارين متوسطة الشدة (في دراستنا، كانت هذه التمارين مشياً سريعاً بسرعة 5.6 - 6.1 كيلومتراً في الساعة على جهاز المشي بانحدار طفيف). أظهرت الأبحاث أيضاً أن كلاً من جلسة واحدة من التدريب المتقطع عالي الكثافة (HIIT)، وبرنامج التمارين الهوائية (آيروبيك) عالية الكثافة لمدة 12 أسبوعاً يمكن أن يقلل من تفضيلات الطعام، أو يقلل الشهية للأطعمة السريعة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية. كما تظهر مثل هذه التأثيرات عندما ينخرط الأشخاص في تمارين هوائية معتدلة، أو تدريبات قوّة.
المفتاح الرئيسي هنا هو أن التمارين الرياضية المنتظمة يمكن أن تقلل من مقدار رغبة الناس في تناول الأطعمة السريعة، وتحسن قدرتهم على مقاومة إغراء هذه الأطعمة الجذابة من خلال تحسين وظائف المخ والإدراك. هذا يجعل من السهل الحد من استهلاك هذه الأطعمة لتحقيق أهداف مثل تناول الطعام الصحي وفقدان الوزن.
اقرأ أيضاً: الأنظمة الغذائية النباتية ليست صحية دائماً
تساعد التمارين أيضاً في تقليل التوتر
عندما يشعر الناس بالتوتر، يطلق الجسم هرمون «الكورتيزول» الذي ينشّط ما يعرف باستجابة القتال أو الهروب. عندما تكون مستويات الكورتيزول مرتفعة، يعتقد الدماغ أنه يحتاج إلى مزيد من الوقود، ما يؤدي إلى الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة السكرية أو المالحة فائقة المعالجة.
تؤدي ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة أو مرة واحدة من التمارين إلى تقليل مستويات الكورتيزول ومستويات التوتر. كما تساعد التمارين الرياضية أيضاً في تقليل استهلاك المشروبات والأطعمة غير الصحية عند تعرض الناس للتوتر.
يمكن أن يؤثر الإجهاد أيضاً على كيفية عمل الدماغ. أظهرت الأبحاث أن الإجهاد يمكن أن يؤدي إلى انخفاض النشاط في قشرة الفص الجبهي، وزيادة النشاط في مناطق المكافأة في الدماغ عند النظر إلى صور الطعام. هذا يجعل من الصعب مقاومة إغراء جذب الأطعمة السريعة.
من خلال تعويض تأثير الضغط على وظائف الدماغ في الفص الجبهي؛ فإن التمارين الرياضية تجعل من السهل الحفاظ على أهدافك المتمثلة في تناول الأكل الصحي أو تقليل استهلاك الوجبات السريعة. يمكن أن تساعد 20 دقيقة من المشي السريع قشرة الفص الجبهي على التعافي من التغيرات المؤقتة في النشاط، مثل تلك التي تظهر عندما يتوتر الناس.
لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر، جرب المشي لمدة 20 دقيقة. يمكن أن يمنعك ذلك من تناول الأكل المرتبط بالتوتر.
اقرأ أيضاً: لماذا تفشل بعض الحميات الغذائية في تحقيق أهدافها؟
ما هو التمرين الأفضل؟
غالبًا ما يُسأل الباحثون عمّا هو أفضل تمرين، وكمّ التمارين التي يجب القيام بها.
إن أفضل تمرين تقوم به في نهاية اليوم هو التمرين الذي تستمتع به، ويمكن أن تستمر به مع مرور الوقت. على سبيل المثال؛ التدريب المتقطع عالي الكثافة، التمارين الهوائية، تمارين التأمل واليقظة، اليوغا، وتمارين القوّة كلها فعالة في المساعدة على تحسين النظام الغذائي من خلال استهداف وظائف المخ في الفص الجبهي، وتقليل التوتر.
إذا كنت تبدأ روتيناً جديداً للتمارين الرياضية في هذا العام، فاستمر في ذلك، وكُن لطيفاُ مع نفسك، واستمع إلى جسدك، وتذكّر أن الخطوات القليلة تقطع أشواطاً طويلة.