هل الصيام المتقطع مناسب لمرضى اضطرابات الغدة الدرقية؟ إنه واحد من الأسئلة المهمة التي تراود من يعاني من اضطرابات الغدد الصم ويرغب في الحصول على فوائد الصيام المتقطع في آنٍ واحد. بعد كل شيء، فإن الغدة الدرقية هي المقياس الحساس لحاجة الجسم من السعرات الحرارية، فإذا أرسل الصيام لها رسالة تشير إلى انخفاض المحتوى من السعرات الحرارية، فتُبطئ من معدل نشاطها لإبطاء معدل الأيض. فما انعكاسات هذا التباطؤ على مرضى الغدة الدرقية؟ إنه موضوع حساس لنتعرف معاً.
ما هي الغدة الدرقية وما وظائفها؟
الغدة الدرقية هي إحدى الغدد الصم في الجسم، وتأخذ مكانها على شكل فراشة في مقدمة العنق وفوق عظم الترقوة مباشرة. تعمل بالتنسيق مع الغدة النخامية لتنظيم عملية التمثيل الغذائي للطاقة، وهو ما يتضمن سرعة حرق السعرات الحرارية ومعدل ضربات القلب. حيث تُعد مسؤولة عن عمل ثلاثة أنواع من الهرمونات، هي:
- هرمون ثلاثي يودوثيرونين (T3) وهرمون الغدة الدرقية الثيروكسين (T4): تفرزهما الغدة الدرقية، ويعملان على تنظيم معدل الأيض والتمثيل الغذائي في الجسم، من خلال إخبار خلايا الجسم عن مقدار الطاقة التي يجب استخدامها.
- هرمون محفز الغدة الدرقية (TSH) الذي تُفرزه الغدة النخامية: ويعمل على تشغيل أو إيقاف الغدة الدرقية.
تعمل الغدة النخامية من خلال تحديد نسبة T4 في الدم، فإذا ما انخفضت فإنها تفرز TSH الذي يحفز الغدة الدرقية لإنتاج المزيد من T4، وبالمقابل تنتج كمية أقل من TSH إذا ارتفعت نسبة T4 في الدم.
اقرأ أيضاً: أفضل الأنظمة الغذائية لمن يعانون من قصور الغدة الدرقية
اضطرابات الغدة الدرقية
عندما لا تستطيع الغدة الدرقية إنتاج هرموناتها بالكمية المناسبة، يُصاب الفرد باضطرابات الغدة الدرقية، وما يرتبط بها من مشكلات صحية في الجسم، وهي:
- فرط نشاط الغدة الدرقية: عندما تُفرز الغدة الدرقية كمية كبيرة من هرموناتها تزيد على حاجة الجسم، وينتج عن ذلك استخدام سريع للطاقة والإصابة بالإجهاد والتعب وفقدان الوزن والتوتر.
- [tooltip content="هي الحالة التي لا تنتج فيها الغدة الدرقية هرموناتها بشكل كافٍ في الدم، وهذا يمكن أن يسبب مشاكل صحية على المدى البعيد نظراً لأهمية هذه الهرمونات في عمل كثير من أجهزة الجسم." url="https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d9%82%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9/" ]قصور الغدة الدرقية[/tooltip]: هي الحالة التي لا تستطيع فيها الغدة الدرقية إنتاج ما يكفي من الهرمونات، ما قد تنتج عنه زيادة الوزن والشعور بالبرد والتعب.
ما هو الصيام المتقطع؟
الصيام المتقطع هو نمط غذائي يعتمد على التناوب بين فترات من الصيام والأكل، أي تجويع الجسم لفترة معينة. وفقاً للدراسة المنشورة في دورية "مراجعات البدانة" (Obesity Reviews) يتسبب الصيام المتقطع بتغيرات هرمونية ينتج عنها تحسين في التمثيل الغذائي، حيث يستخدم الجسم الدهون المخزنة كمصدر للطاقة في فترات الانقطاع عن الطعام، وهو ما يرتبط بمجموعة من الفوائد الصحية للجسم، مثل:
- تحسين التمثيل الغذائي وفقدان الوزن.
- تحسين الحساسية للإنسولين.
- تقليل الالتهاب.
- الوقاية من السرطان وأمراض القلب.
- تعزيز وظائف المخ.
- بناء الكتلة العضلية.
اقرأ أيضاً: ما فوائد الصيام المتقطع على الصحة الجنسية؟
أنواع الصيام المتقطع
يتنوع الصيام المتقطع وفقاً لمدة كل من نافذتي الصيام والسماح بتناول الطعام، ومن أكثر أنواعه شيوعاً:
- الصيام المقيد 16/8: هو الصيام لمدة 16 ساعة ثم فترة تناول للطعام تصل إلى 8 ساعات. فإننا فعلياً نمارس هذا النوع من الصيام المتقطع بشكل طبيعي عندما ننام بعد تفويت وجبة العشاء أو وجبة الإفطار لليوم التالي.
- صيام اليوم البديل: هو التناوب بين فترة تناول للطعام تصل حتى 24 ساعة متواصلة، بحيث يتم تناول 25% من احتياجات السعرات الحرارية فقط خلاله، يليه يوم سماح كامل بتناول الطعام.
- الصوم الدوري (2:5): هو صيام يومين غير متتاليين في الأسبوع الواحد، يأكل خلالهما الأفراد 25% من احتياجاتهم من السعرات الحرارية فقط، ويتناول الطعام بشكل طبيعي في الأيام الخمسة الباقية.
تأثير الصيام المتقطع على مرضى الغدة الدرقية
إذاً، فإن الصيام المتقطع يؤثر بشكل مباشر على التمثيل الغذائي واستهلاك الطاقة داخل الجسم، فلا بُدّ أن يرتبط بعمل الغدة الدرقية ويؤثر عليه، فكيف ذلك؟
في دراسة قديمة نُشرت عام 1987 في دورية "التمثيل الغذائي" (Metabolism)، خضع 45 فرداً ممن يعانون السمنة المفرطة للصيام لمدة 4 أيام لدراسة مستويات الهرمونات قبل وبعد الصيام، فكانت النتيجة ارتفاع مستويات كل من (TSH) و(T4) خلال الصيام، بينما انخفضت مستويات هرمون (T3). بعد تناول الطعام عادت مستويات (T3) لمستواها الطبيعي بعد تناول وجبة من الكربوهيدرات، بينما بقيت مستوياته منخفضة لدى من تناول وجبة غذائية عالية المحتوى بالدهون والبروتينات.
يعمل (T3) على تنظيم إطلاق الجسم للطاقة، لذا تنخفض مستوياته أثناء الصيام للحفاظ على طاقة الجسم، وقد خلصت الدراسة إلى أن للصيام المتقطع تأثيرات مختلفة على نشاط الغدة الدرقية اعتماداً على تركيبة النظام الغذائي، وعلى طول مدة الصيام.
علاوة على ذلك، أشارت دراسة بحثية نُشرت في دورية "ذا نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" (The New England Journal of Medicine)، أن الصيام المتقطع ساعد على زيادة التمثيل الغذائي لدواء الليفوثيروكسين الذي يُستخدم لعلاج خمول الغدة الدرقية وامتصاصه بالكامل، أي زادت فعالية الدواء خلال الصيام المتقطع مقارنة بالأيام العادية.
اقرأ أيضاً: 7 أخطاء شائعة في الصيام المتقطع يمكن تفاديها
تأثير صيام اليوم البديل على مرضى الغدة الدرقية
في الدراسة السابقة انخفض مستوى هرمون الغدة الدرقية (T3)، نتيجة تجويع الجسم في الصيام لمدة طويلة، ولكن ماذا عن صيام اليوم البديل؟ في دراسة نُشرت في دورية "علم وظائف الأعضاء التطبيقي والتغذية والتمثيل الغذائي": (Applied Physiology, Nutrition, and Metabolism) خضع أفراد مصابون بقصور الغدة الدرقية السريري لصيام اليوم البديل، أي تناولوا 25% من حاجتهم من السعرات الحرارية، بينما وصلت إلى 125% في أيام السماح. بعد ستة أشهر انخفضت نسبة الدهون وتحسنت مقاومة الإنسولين وفقدوا الوزن، إذاً قد يكون الصيام المتقطع مفيداً لمرضى الغدة الدرقية إذا لم يكن لفترات طويلة.
نصائح لاتباع الصيام المتقطع لمرضى الغدة الدرقية
إذاً، قد يكون الصيام المتقطع مناسباً لمرضى الصيام المتقطع، إلا أن هناك مجموعة من النصائح التي لا بُدّ من الالتزام بها وفقاً لأخصائي التغذية مارك سيسون (Mark Sisson):
- تأكد من حصولك على العناصر الغذائية اللازمة لعمل الغدة الدرقية، وهي:
- السيلينيوم لتحويل T4 إلى T3 النشط.
- اليود لأنه يدخل في تصنيع هرمون الغدة الدرقية.
- الزنك لتعزيز وظائف الغدة الدرقية.
- لا يجب الجمع بين الصيام المتقطع وتقييد السعرات الحرارية لأنه سيؤدي إلى خفض استهلاك الجسم للسعرات الحرارية ما قد يؤثر سلباً على نشاط الغدة الدرقية على المدى الطويل.
- يمكن اتباع الصيام المتقطع لمن يعاني من قصور الغدة الدرقية لدى تناول هرمون الغدة الدرقية بالكمية المناسبة والشكل الصحيح، ولكن لا بُدّ من تتبع مستوى الهرمونات في الجسم، أما إذا كنت تحاول علاج الغدة الدرقية بشكل طبيعي دون تناول الدواء، فقد لا يكون الصيام المتقطع لفترات طويلة تتجاوز الـ24 ساعة مناسباً.
- إذا شعرت بالتوتر أو التعب فعليك إيقاف الصيام، لأن الإجهاد يوقف تحويل T4 إلى T3.
اقرأ أيضاً: هل أنت نباتي؟ إليك كيفية اتباع نظام الصيام المتقطع
ختاماً، وعلى الرغم مما لاقاه الصيام المتقطع من صيت ذائع كأحد الأنماط الغذائية الحديثة التي تحمي من العديد من أمراض العصر، لكن هناك حاجة لمزيد من الدراسات بالنسبة لمرضى الغدة الدرقية. لذا في حال كنت ترغب في تجربة الصيام المتقطع لإدارة بعض مشكلاتك الصحية، فتأكد من استشارة الطبيب.