في الثواني الأخيرة من سباق الجري السريع لمسافات قصيرة، يحتاج العداؤون إلى المزيد من الطاقة والوصول إلى السرعة القصوى عند خط النهاية. كذلك الأمر بالنسبة للاعبي القوى مثل رفع الأثقال، وراكبي الدراجات، وغيرها من الرياضات التي تبرز الحاجة فيها إلى إظهار القوة القصوى لدى الرياضي في غضون 10 ثوانٍ. هذا ما يؤمنه "الكرياتين"، فما هو الكرياتين؟ وما طبيعة عمله؟ وما هي الفوائد التي يقدمها للرياضيين؟
ما هو الكرياتين؟
الكرياتين مركب غير بروتيني، وحمض كربوكسيلي يحتوي على النيتروجين. تصنعه الكائنات الفقارية من ثلاثة أحماض أمينية هي الأرجينين والجلايسين والميثيونين في الكبد والكلى والبنكرياس، ثم ينتقل إلى العضلات الهيكلية والقلب والدماغ وبعض الأنسجة الأخرى. بعد وصول الكرياتين إلى هذه الأنسجة، يتم استقلابه إلى فوسفات الكرياتين (الفوسفوكرياتين)، الذي يشكل مصدراً للطاقة لكل من العضلات والدماغ. تخزن العضلات أكثر من 95% من الكرياتين على شكل فوسفوكرياتين، أما ما تبقى فيُخزن في المخ والكبد والكليتين.
يحتاج الإنسان البالغ الذي يزن 70 كيلوغراماً إلى غرامين من الكرياتين يومياً، يصنع جسمه نصفها، في حين يحصل على النصف الآخر من الغذاء. للحصول على الاحتياجات اليومية من الكرياتين من الغذاء لا بد أن يتناول الفرد ما لا يقل عن 200 غراماً من اللحوم الحمراء أو الأسماك، وهو ما قد يكون صعباً جداً، بالإضافة إلى العبء الذي تضيفه هذه الأغذية على الأعضاء الداخلية التي ستتلقى طاقتها على شكل دهون وبروتينات فقط.
يحتوي الجسم على مخزون من الكرياتين يعادل 160 غراماً، وهو ما يكفيه لأداء نشاطه الطبيعي. لكن، بالنسبة للرياضيين، فهم يحتاجون طاقة كافية لزيادة القوة والقدرة على التحمل وبناء الكتلة العضلية، فتزداد الحاجة للكرياتين وتصبح الكمية غير كافية. لذا من الضروري تدعيم الجسم بمخزون إضافي خارجي من الكرياتين عن طريق المكملات، حيث يمكنها زيادة محتوى الكرياتين والفوسفوكرياتين العضلي بنسبة 25-30%.
اقرأ أيضاً: مع تقدمنا في العمر: فقدان العضلات سبب لكثير من المشاكل الصحية
دور مكملات الكرياتين في زيادة القوة وتحسين الأداء
إذاً، تُستخدم مكملات الكرياتين بشكل أساسي من قبل لاعبي الرياضات التي تحتاج إلى طاقة كبيرة، حيث أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة أولد دومينيون الأميركية، ونُشرت في دورية "مجلة الكلية الأميركية للتغذية" (Journal of the American College of Nutrition)، أن الجسم يخزن في جزيء الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) ما يكفي من الطاقة لمدة 8-10 ثوانٍ من التمارين عالية الكثافة. من هنا يأتي دور مكملات الكرياتين.
يتحول الكرياتين في العضلات إلى مركب الفوسفوكرياتين بواسطة إنزيم الكرياتين كيناز. يستقبل مركب الأدينوزين ثنائي الفوسفات ADP فوسفات الكرياتين ويرتبط معه فيتحول إلى مركب الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، وهو مصدر الطاقة الأساسي في خلايا الجسم.
دور مكملات الكرياتين في اكتساب الكتلة العضلية
يساعد الكرياتين على إعادة نمو العضلات وتعافيها السريع بعد التمارين الرياضية الشديدة. في الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة بنسلفانيا الأميركية، ونُشرت في دورية "الطب والعلوم في الرياضة والتدريبات" (Medicine & Science in Sports & Exercise)، تضاعف نمو الألياف العضلية بمقدار 2-3 مرات لدى تناول مكملات الكرياتين إلى جانب التمارين الرياضية. حيث يساعد الكرياتين في بناء العضلات من خلال الآليات التالية:
- أداء المزيد من التمارين الرياضية، فكلما زاد مخزون الجسم من الكرياتين، كلما كانت هناك طاقة أكثر وكان الوقت المار قبل الشعور بالتعب أطول.
- تسريع عملية تجديد العضلات، من خلال تحفيز نشاط الخلايا الساتلية (Satellite Cells)، وهي خلايا سلفية للخلايا الجذعية في العضلات، ومسؤولة عن نمو العضلات وتضخيمها وتجديدها.
- زيادة إفراز هرمونات البناء، مثل هرمون عامل النمو شبيه الإنسولين 1 (IGF-1).
- زيادة ترطيب الخلايا: أظهرت الدراسة التي أجراها باحثون في مستشفى الجامعة الطبية في ألمانيا، ونُشرت في دورية "ذا لانسيت" (The Lancet) أن زيادة محتوى خلايا العضلات من الماء يزيد من قدرة الخلايا على زيادة الحجم، كما وضح أخصائي التغذية مايكل روسيل بأن الكرياتين يعمل على سحب الماء إلى العضلات.
- تخليق البروتين العضلي: في دراسة أجراها باحثون في جامعة ماكماستر الكندية ونُشرت في دورية "علم وظائف الأعضاء التطبيقي" (Journal of Applied Physiology)، تبين أن تناول مكملات الكرياتين عن طريق الفم يزيد من كتلة الجسم الخالية من الدهون.
- خفض نسبة بروتين الميوستاتين، وهو بروتين يعيق نمو العضلات. هذا ما أظهرته الدراسة التي قام بها باحثون في جامعة أراك الإيرانية، ونُشرت في دورية "علم الغدد الصماء الجزيئية والخلوية" (Molecular and Cellular Endocrinology).
اقرأ أيضاً: العواقب الخطيرة للإفراط في ممارسة التمارين الرياضية
أنواع مكملات الكرياتين
تتوفر أنواع وأشكال مختلفة من مكملات الكرياتين باختلاف العلامات التجارية والخلطات الكيميائية، ومن أكثرها انتشاراً:
- الكرياتين أحادي الهيدرات: أكثر أنواع الكرياتين شيوعاً لنقاوته وفعاليته العالية، وفقاً للدراسة الدولية التي نُشرت في دورية "الجمعية الدولية للتغذية الرياضية" (Journal of the International Society of Sports Nutrition). يصنع من ربط الكرياتين بالماء فقط دون إضافات أخرى.
- إستر إيثيل الكرياتين: يتشكل هذا النوع بربط أملاح الإستر مع الكرياتين، لزيادة توافره الحيوي.
- هيدروكلورايد الكرياتين: الشكل الأكثر حموضة للكرياتين، حيث يتكون من ارتباط الكرياتين مع أجزاء من حمض كلور الماء (الهيدروكلورايد). وهو نوع سريع الذوبان والامتصاص في الجسم، ولا يسبب تقلصات في المعدة كما في الكرياتين أحادي الهيدرات.
- الكرياتين المخزن: هو الشكل القلوي من الكرياتين، حيث تتم إضافة مادة قلوية له مثل بيكربونات الصوديوم؛ ليصبح أكثر استقراراً في المعدة، ما يقلل من بعض الآثار الجانبية كالانتفاخ والتشنج.
- الكرياتين السائل: هو الشكل الجاهز للشرب من الكرياتين، إلا أنه أقل فعالية من الكرياتين أحادي الهيدرات.
- شلّات مغنيزيوم الكرياتين: يرتبط المغنيزيوم بالكرياتين، ولكنه أقل فعالية من الكرياتين أحادي الهيدرات.
اقرأ أيضاً: ما زالت الحمية منخفضة الكربوهيدرات تمثِّل لغزاً في علم التغذية
كيف تؤخذ مكملات الكرياتين
تؤخذ مكملات الكرياتين على شكل مسحوق أو حبوب، ومع كلا الشكلين هناك بروتوكولين لتناول مكملات الكرياتين، وهما:
- بروتوكول تحميل الكرياتين: في مرحلة تحميل الكرياتين يتم استهلاك كمية كبيرة من الكرياتين لإشباع العضلات خلال فترة قصيرة. يمكن على سبيل المثال تناول جرعة يومية تتراوح بين 20-25 غراماً من مكمل الكرياتين، على مدار 4-5 جرعات في اليوم، ولمدة 5-7 أيام. بالنسبة لمن قد يعاني من مشاكل هضمية بعد تناول جرعات كبيرة، ليس من الضروري اتباع بروتوكول التحميل.
- بروتوكول الجرعات المنخفضة: للحفاظ على مستويات الطاقة في العضلات يمكن تناول جرعات مخفضة من مكملات الكرياتين تتراوح بين 3-5 غرامات يومياً. بالالتزام بالجرعات المنخفضة لمدة 3 أسابيع يمكن الوصول إلى نفس نقطة إشباع العضلات في بروتوكول التحميل.
اقرأ أيضاً: دليلك للتعرف على مرض الكواشيوركور: من أهم أمراض سوء التغذية
إذاً، لا ينوب الكرياتين عن البروتينات بالنسبة للرياضيين، ولكنه يعد مكملاً فعالاً وضرورياً، لذا لا بد من التعامل معه بمسؤولية واستخدامه بحذر، للحصول على النتائج المرجوة منه في أقصر مدة ممكنة.