ربما تكون على علم بأن الليثيوم هو الدواء القياسي الذي يصفه الأطباء النفسيون لعلاج الاضطراب ثنائي القطب؛ فهو مثبت للمزاج وفعال في إدارة نوبات الهوس ومنع تكرارها. لكن ما لم تسمع به ربما هو أنه يتوفر على هيئة مكملات غذائية أيضاً، حيث يقدم مجموعة من الفوائد الصحية التي تمتد إلى ما هو أبعد من تأثيراته في الصحة النفسية. ومع ذلك، تشوبه سمعة سلبية بسبب آثاره الجانبية المحتملة وسمّيته حتى في تراكيز منخفضة، فلماذا قد يفكر أي منا في إضافة مكمل الليثيوم إلى غذائه؟ وما الاختلاف بينه وبين ودواء الليثيوم؟ إليك ما يقوله الخبراء والأبحاث.
ما سبب السمعة السيئة التي رافقت الليثيوم عقوداً طويلة؟
في منتصف القرن التاسع عشر، اكتشف الأطباء أنه يمكن لعنصر الليثيوم أن يذيب حمض البوليك، الذي كان يُعتقد أنه سبب الكثير من الأمراض؛ فانتشر استخدامه بوصفه "دواءً حاصلاً على براءة اختراع"، في علاج السكري والربو والصداع والبدانة واضطرابات الجلد والروماتيزم وغيرها العديد من الأمراض.
في الواقع، احتوى المشروب الغازي الشهير "سفن آب" (7 Up) على سترات الليثيوم حتى عام 1950، وجرى تسويقه خلال تلك الفترة باعتباره منشطاً وعلاجاً للصداع.
إلى هنا كان الليثيوم دواء سحرياً وبديلاً عن الذهاب إلى الطبيب في تلك الفترة، لكن في عام 1949، استخدم الأطباء كلوريد الليثيوم خياراً بديلاً عن ملح الطعام لمرضى القلب، ما أدى إلى إصابتهم بالتسمم بالليثيوم، ووفاة اثنين على الأقل منهم. وسرعان ما حظرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية عنصر الليثيوم في المنتجات الغذائية. علاوة على ذلك، تَبين لاحقاً أنه يمكن للجرعات العالية من الليثيوم أن تسبب الفشل الكلوي وتلف الغدة الدرقية والرعشة والغثيان. ما كان سبباً في سمعة سيئة لليثيوم رافقته عقوداً طويلة.
اقرأ أيضاً: كيف يقوّي الزنك جهاز المناعة لديك ويسرّع عملية الشفاء؟
عودة الليثيوم باعتباره دواء لاضطراب ثنائي القطب
عام 1970، أعاد الطبيب النفسي الأسترالي، جون كيد (John Cade)، الليثيوم إلى الأضواء، حيث وافقت إدارة الغذاء والدواء على استخدامه في علاج اضطراب ثنائي القطب، بعد أن أثبت فعاليته في صورة كربونات الليثيوم. وإلى اليوم ما زال مستخدماً في علاج حالة التقلبات المزاجية بين الشعور بالنشوة الشديدة (الهوس) والاكتئاب الشديد، حيث يساعد على التحكم في المشاعر بدرجة أكبر، ويثبت المزاج من خلال الآليات التالية:
- حماية الخلايا العصبية مما تتعرّض له من سموم.
- تعزيز نمو الخلايا العصبية الجديدة وزيادة عددها في الدماغ.
- تنظيم الناقلات العصبية، إذ يزيد الليثيوم نشاط مستقبلات حمض الغاما-أمينوبيوتيريك (GABA) ذات التأثير المهدئ، ويقلل نشاط مستقبلات الدوبامين و"إن-مثيل-دي-حمض الأسبارتيك" (N-Methyl-D-aspartic acid) أو اختصاراً (NMDA)، التي تمنح شعوراً بالتحفيز.
فوائد الليثيوم المحتملة
الليثيوم هو معدن يوجد في الطبيعة بكميات ضئيلة ولكن في أنواع الصخور جميعها تقريباً، ومن هنا أتت تسميته ليثوس (lithos)، وهي كلمة يونانية تعني الحجر. يتحلل في التربة، حيث يمكن للنباتات والمياه امتصاصه. يستهلك البالغون يومياً ما بين 0.64-3.0 ميليغرامات من الليثيوم، من خلال نظامهم الغذائي ومياه الشرب يومياً.
بالإضافة إلى دوره في علاج الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب ونوبات الهوس، يمكن أن يكون لليثيوم فوائد أخرى، إليك أهمها:
محاربة الميول الانتحارية
عام 1990، أجرى الأستاذ في جامعة كاليفورنيا ومدير معهد أبحاث العناصر البيولوجية النزرة، غيرهارد شراوزر (Gerhard Schrauzer)، دراسة حول العلاقة بين محتوى مياه الشرب في مقاطعات ولاية تكساس الأميركية ومعدل الانتحار، خلال الفترة ما بين عامي 1978 و1987، نُشرت النتائج في دورية بحوث العناصر البيولوجية النزرة (Biological Trace Element Research)، وبينت وجود ارتباط عكسي كبير بين مستويات الليثيوم في مياه الشرب ومعدلات الانتحار والعنف وتعاطي المخدرات. وبالمثل، أجريت تجارب مماثلة في مختلف بلدان العالم، وتوصلت إلى نتائج مشابهة؛ حيث أفاد باحثون في كلية طب برايتون وساسكس (Brighton and Sussex Medical School) وكينغز كوليدج لندن (King's College London) عبر المراجعة المنشورة في المجلة البريطانية للطب النفسي (The British Journal of Psychiatry)، والتي حللت نتائج 15 دراسة دولية، بأن المستويات المرتفعة من الليثيوم في مصادر المياه تزامنت مع انخفاض معدلات الانتحار في البلدان جميعها التي شملتها المراجعة.
على الرغم من أن هذه النتائج لا تثبت وجود علاقة سببية بين الليثيوم وتراجع الميول الانتحارية، فمن المعتقد أنها تستطيع تعزيز سيطرة المخ على الأفعال العدوانية والسلوكيات الاندفاعية، من خلال زيادة حجم ووظيفة مناطق مثل القشرة الجبهية الأمامية والجهاز الحوفي، بما في ذلك الحُصين.
محاربة الخرف
قد يحمي الليثيوم من التدهور المعرفي، إذ وجدت دراسة أجريت في جامعة كوبنهاغن في الدانمارك (University of Copenhagen)، ونشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية للطب النفسي (JAMA Psychiatry)، أن زيادة مدخول الفرد من الليثيوم في مياه الشرب ارتبط بانخفاض معدلات الخرف. ووجدت دراسة أخرى نشرتها مجلة مرض آلزهايمر (Journal of Alzheimer's Disease) ارتباط المستويات الأعلى من الليثيوم بانخفاض معدلات الوفيات بمرض آلزهايمر.
مضاد للشيخوخة
التيلوميرات هي هياكل توجد في نهايات الكروموسومات، وهي عبارة عن خيوط غير مشفرة من الحمض النووي "دي إن أيه"، لحماية الكروموسومات في أثناء الانقسام. بمرور الوقت تصبح هذه التيلوميرات أقصر أو تتحلل، أي تقل قدرتها على حماية الكروموسومات، ما يؤدي إلى مشكلات في الحمض النووي، مثل الأورام وموت الخلايا. لكن دراسة أجراها باحثون في "كينغز كوليدج لندن"، ونشرتها دورية علم الأدوية النفسية العصبية (Neuropsychopharmacology)، وجدت أن مرضى الاضطراب ثنائي القطب الذين يتناولون الليثيوم لديهم تيلوميرات أطول من المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية أخرى، وهو ما يرتبط بالقدرة على محاربة الأمراض وبطول العمر.
اقرأ أيضاً: كيف تبطئ الشيخوخة بعد سن الأربعين: أطعمة خارقة وعادات صحية
فوائد أخرى
أفادت الدراسة المنشورة في دورية علم الأعصاب الحالي (Current Neuropharmacology)، بأن الجرعات المنخفضة من الليثيوم يمكن أن تحمل فوائد صحية، بما فيها:
- تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب من خلال التأثير على عوامل مثل ضغط الدم ومستويات الكوليسترول.
- دعم الوظيفة الإدراكية والحماية من الأمراض العصبية التنكسية، مثل مرض آلزهايمر وغيره من أمراض الخرف، من خلال تعزيز نمو خلايا المخ وصيانتها.
- إدارة مرض السكري، من خلال تنظيم مستويات السكر في الدم وتحسين حساسية الإنسولين.
- تقليل الالتهاب المزمن المرتبط بحالات صحية مختلفة، بما في ذلك التهاب المفاصل وأمراض المناعة الذاتية.
هل من الضروري تناول الليثيوم في مكملات؟
نظراً إلى هذه النتائج، وبالإضافة إلى فوائد الليثيوم للصحة النفسية والدماغ، فقد اقترح الباحث غيرهارد شراوزر (Gerhard Schrauzer)، في دراسته التي نشرها في مجلة الكلية الأميركية للتغذية (Journal of the American College of Nutrition)، أنه يجب اعتبار الليثيوم من العناصر الغذائية الدقيقة، وهي معادن غذائية مطلوبة بكميات ضئيلة جداً للنمو السليم والتطور وأداء أعضاء الكائن الحي وظائفها الحيوية، ومن الأمثلة عنها الكالسيوم والمغنيزيوم. كما اقترح تحديد الجرعة اليومية الموصى بها مؤقتاً لشخص بالغ يزن 70 كيلوغراماً بـ 1 ميليغرام يومياً. ومع ذلك، قد لا تأخذ هذه الجرعة بعين الاعتبار العوامل التالية:
- الصحة النفسية للفرد، إذ يحتاج المصابون باضطرابات المزاج إلى كمية أكبر من الليثيوم من الشخص العادي.
- الصحة الجسدية، حيث ينبغي تقليل مدخول المصابين بأمراض الكلى من الليثيوم.
- اختلاف المنطقة الجغرافية، فقد تكون مياه بعض المناطق وتربتها أغنى بالليثيوم من غيرها.
- النظام الغذائي للفرد، فالنباتيون غالباً ما يحصلون على احتياجاتهم من الليثيوم، بينما من يميل نظامه الغذائي إلى الاعتماد على المنتجات الحيوانية قد يعاني نقص الليثيوم.
اقرأ أيضاً: متى يكون تناول المكملات الغذائية مفيداً ومتى يكون مضراً؟
ومع ذلك تتوفر اليوم بالفعل مكملات غذائية لا تستلزم وصفة طبية تحتوي على الليثيوم بكميات ضئيلة؛ مثل إيسينشيل (Essential)، وهو المكمل المضاد للشيخوخة الخاص برجل الأعمال برايان جونسون، حيث أفاد بأنه يتناول جرعة يومية منه قدرها 1 ميليغرام، ومكمّل نوفوس كور (Novos Core) المستخدم لمحاربة الشيخوخة، ومكمل لايف إكستينشين (Life Extension)، ولايف لينك (LifeLink) وغيرها.
أنواع مكملات الليثيوم
يتوافر الليثيوم في 3 أنواع من المكملات الغذائية، هي:
- الليثيوم الأيوني: هو كلوريد الليثيوم بشكله السائل.
- الليثيوم النباتي: وهو الشكل الأكثر قابلية للامتصاص في الجسم وفعالية بالنسبة لمرضى الاكتئاب، لأنه يصنع من الخضروات المزروعة في تربة عالية المحتوى بالليثيوم، وهذا يعني أنه الشكل ذاته الذي اعتاد الجسم البشري على امتصاصه في الحالة الطبيعية من الغذاء.
- أوروتات الليثيوم: هو كبسولات من ملح يحتوي على الأوروتات، بتركيز 5 ميليغرامات، أي يحتوي على كميات من الليثيوم أعلى من المكملات الأخرى، لكنه أقل تأثيراً من الأدوية التي تحتوي على جرعات تصل إلى 225 مليغراماً من الليثيوم، والتي تستخدم لعلاج حالات مثل الاكتئاب والقلق وضباب الدماغ.
الآثار الجانبية لمكملات الليثيوم
من النادر أن يكون لمكملات الليثيوم آثار جانبية أو سمية، لأنها غالباً ما تكون مماثلة للمستويات الطبيعية التي يحصل عليها الإنسان من الغذاء بصورة طبيعية. ومع ذلك، قد يكون للجرعات العلاجية منها آثار جانبية، منها:
- مشكلات الجهاز الهضمي، مثل الغثيان والإسهال وعدم الراحة في المعدة.
- زيادة العطش وكثرة التبول.
- الرعشة وخاصة في اليدين.
- زيادة الوزن.
- ضعف الإدراك، ومشكلات في الذاكرة أو التركيز.
- آثار جلدية، مثل حب الشباب والصدفية.
- وفي حالات نادرة قد تسبب الارتباك والدوار وعدم انتظام ضربات القلب.
- سمية الليثيوم، والتي تتطلب عناية طبية فورية.