تغوص في القراءة وتتصفح ثم ترد على الرسائل وتخطط وتنجز المهام، فتنظر إلى ساعتك لتكتشف أنك قضيت أكثر من 6 ساعات جالساً في مكانك. في هذه اللحظة تستفيق لشعور مؤلم بتيبس في الرقبة، وثقل في الوركين، وربما بقليل من تأنيب الضمير لأنك لم تتحرك بما فيه الكفاية.
إذا كان روتينك اليومي مشابهاً لما سبق، فربما تجد صعوبة في تخصيص ساعة كاملة لممارسة الرياضة وسط زحمة يومك. لكنك في الحقيقة لست بحاجة إلى تلك الساعة الطويلة لتعويض آثار الجلوس الطويل، بل كل ما قد تحتاج إليه هو دقيقة واحدة من الجهد المكثف.
تعتمد "قاعدة الدقيقة الواحدة" على فكرة بسيطة مفادها أن دفعات قصيرة من التمارين عالية الكثافة كفيلة بكسر روتين الجلوس واستعادة نشاطك وحيويتك. إليك ما ينبغي أن تعرفه عن هذه القاعدة.
الجلوس: الوباء الصامت الذي يهدد صحتنا
بات الجلوس المطول اليوم أشبه بـ "التدخين الجديد" لكثرة ما يرتبط به من مشكلات صحية. فقد أكدت دراسة نشرتها مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب، أن الجلوس أكثر من 6 ـ 8 ساعات يومياً يزيد خطر الوفاة من الأسباب جميعها وأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 52% مقارنة بمن يجلسون أقل من 4 ساعات.
وفقاً للدراسة، فالجلوس هو أقل درجات النشاط البدني، ويعني قضاء وقت طويل جالساً أو مستلقياً مع استهلاك طاقة ضئيل جداً في أثناء الاستيقاظ. بعبارة أوضح، يبقى الجسم في حالة خمول شبه كامل ساعات متواصلة، وهو ما يرتبط بزيادة الوزن ومتلازمة الأيض، وهي مجموعة من العلامات التي تشمل ارتفاع الضغط وسكر الدم، وتراكم الدهون حول الخصر، واضطرابات الكوليسترول.
يحدث ذلك لأن العضلات الكبرى، وخاصة عضلات الساقين والجذع، تدخل في حالة خمول شبه تام في أثناء الجلوس، فينخفض مستوى حرق الدهون وتتراجع قدرة الخلايا على امتصاص الغلوكوز، وقد تتعطل بعض الإنزيمات المسؤولة عن حرق الدهون بنسبة قد تصل إلى 50%.
اقرأ أيضاً: الجلوس الطويل في العمل يزيد خطر الإصابة بأعراض الأرق بنسبة 37%
العلم وراء قاعدة الدقيقة الواحدة
تعود أصول قاعدة "التمرين مدة دقيقة واحدة" إلى دراسة أجراها أستاذ ورئيس قسم علم الحركة في جامعة ماكماستر في هاميلتون، مارتن جيبالا وزملاؤه.
أثبت الباحثون أن التدريب المتقطع عالي الكثافة (فترات قصيرة من الجهد الأقصى تليها فترة راحة قصيرة)، الذي يتمثل بـ 20 ثانية من الجهد الأقصى تكرر 3 مرات داخل بروتوكول يستغرق 10 دقائق، يمكن أن يحسن مؤشرات اللياقة البدنية على نحو يماثل جلسة تدريب معتدلة تقليدية مدتها 45 دقيقة. ووفقاً لجيبالا، تحفز التمارين الرياضية المكثفة فترات قصيرة إنتاج المزيد من الميتوكوندريا، ما يزيد قدرة العضلات على حرق السكريات والدهون.
علاوة على ذلك، يزيد التمرين المتقطع عالي الكثافة تأثير "الحرق اللاحق" أو ما يعرف بـ "استهلاك الأوكسجين الزائد بعد التمرين"؛ أي أن الجسم يستمر في حرق السعرات الحرارية بمعدل مرتفع حتى بعد انتهاء دقيقة واحدة من التمرين المكثف.
اقرأ أيضاً: قف، تحرك، ركز: تقنيات للتغلب على أضرار الجلوس فترات طويلة
كيف تطبق قاعدة الدقيقة الواحدة؟
التدريب المتقطع عالي الكثافة (HIIT)، هو نوع من التمارين يعتمد على التبديل بين فترات قصيرة من الجهد العالي جداً وفترات راحة أو جهد خفيف. في النادي الرياضي، قد يعني ذلك ممارسة تمرين قوي مدة 30 - 60 ثانية، ثم الراحة أو التمرين الخفيف مدة دقيقة إلى 4 دقائق، وتكرار ذلك عدة مرات.
أما في بيئة العمل، فـ "الجهد العالي" لا يعني بالضرورة تمارين شاقة، بل يكفي أن تشعر بتسارع في التنفس وارتفاع في نبض القلب، وهو ما يعادل على "مقياس الجهد الشخصي" 8 أو 9 من 10.
لتطبيق قاعدة الدقيقة الواحدة من من التدريب المكثف، كلما جلست مدة 45 - 60 دقيقة متواصلة، خذ دقيقة واحدة فقط للتحرك بنشاط. على سبيل المثال، يمكنك اختيار نمط 40 ثانية جهد قوي (مثل السكوات أو القفز) يليها 20 ثانية حركة خفيفة (مثل المشي في المكان)، أو نمط 20 ثانية جهد شديد تليها 10 ثوانٍ تمارين خفيفة وتكرر مرتين. وذلك طوال يوم عمل يمتد 8–10 ساعات، فإن 6 دفعات فقط من تمارين الدقيقة الواحدة، أي 6 دقائق من الجهد المكثف.
اقرأ أيضاً: 5 دقائق من الرياضة يومياً قد تكفي لخفض ضغط الدم
وفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعة فورتسبورغ، يمكن أن تساعد ممارسة تدريب متقطع عالي الكثافة مدة 6 دقائق فقط على عكس الآثار السلبية للجلوس أكثر من 3 ساعات طويلة، بما في ذلك:
- تنشيط الدورة الدموية بسرعة، إذ يرتفع معدل ضربات القلب من 74 إلى 166 نبضة في الدقيقة.
- تعزيز الأيض، بزيادة حمض اللاكتيك واستهلاك الأوكسجين، مع تغير في طريقة إنتاج الطاقة.
- رفع الشعور بالنشاط، دون التأثير سلباً في المزاج أو التركيز.