هل الماء الذي تروج له الشركات أفضل من الماء العادي حقاً؟

5 دقائق
الماء العادي
حقوق الصورة: أنسبلاش.

اكتشف الفيلسوف والعالم الإنجليزي "هنري كافنديش" في عام 1766 التركيب الجزيئي للماء عن طريق حرق الهيدروجين بالأوكسجين، ووجد أن التفاعل الكيميائي نتج عنه قطيرات سائلة. منذ ذلك الحين، حاول الناس تعديل الماء لجعله "أكثر صحية". كانت أهدافهم عديدة، وتأثرت بالموضات السائدة في ذلك الوقت: إضافة الراديوم لمعالجة العجز الجنسي، والأحماض للنحافة، والعديد من المعززات الكيميائية المشكوك فيها التي لم يكن كافنديش يتخيل أنها موجودة.

خرافات حول منتجات تتعلق بالمياه

فشلت معظم تلك البدع في إلهام منتجات فعالة، وينطبق الشيء نفسه اليوم. يمكن أن تكون بعض المياه البديلة الرائجة خطيرة. خذ على سبيل المثال المياه الخام، والتي يدعي البعض أنها أفضل للصحة لأنها "لم تُمس ولم تُعالج". لكن حقيقة أنها غير مرشحة تعني أنها ستتسبب بالإسهال. بدون الحماية من فضلات الحيوانات والمصادر الأخرى للبكتيريا الضارة، قد يؤدي شرب هذه المياه للتسبب ببعض المشاكل الصحية المزعجة. تقول "كارولين نيوبيري"، الطبيبة في مركز "وايل كورنيل" الطبي، ومديرة خدمات التغذية في المركز المبتكر للصحة والتغذية في قسم أمراض الجهاز الهضمي في جامعة كورنيل: "أنا بالتأكيد أشرب عصير التفاح الخام في الخريف"، وتضيف: "لكن هذا حقاً شيء يجب أن تكون أكثر حذراً منه، خاصةً إذا كنت تعاني من أي حالات صحية تثبط جهاز المناعة لديك، أو إذا كنت تتناول أي أدوية تثبط جهاز المناعة لديك".

تعتبر معظم هذه البدع خطيرة، ولكنها تميل لتكون غير مؤثرة في أحسن الأحوال، كما يمكن أن تكلّف الكثير أيضاً.

لا يمكننا لوم الناس لمحاولة تحسين كفاءة شيء موجود في كل مكان ومهم مثل الماء. يحتاج الإنسان العادي إلى أكثر من نحو 1.9 لتراً من الماء يومياً للبقاء على قيد الحياة. يشكّل الماء غالبية أجسامنا، وبما أن العديد من المغذيات الضرورية تذوب في الماء، فهو يعتبر وسيلة سريعة لإيصال هذه المغذيات إلى الجسم. لا يمكن لأي جزيء آخر أن ينقل الأوكسجين والكالسيوم والسكريات والبروتينات مع ترطيب الأعين والأفواه بنفس الوقت. يترتب على ذلك أن الناس سيحاولون جعل مياه الشرب أكثر صحية. نحن نحاول زيادة مدخولنا من الأوكسجين عن طريق تزويد علاجات الوجه به، وزيادة المجهود الذي نبذله في التمارين الرياضية، فلماذا لا نحاول جعل الماء أكثر ترطيباً أيضاً؟

هل هناك شيء أفضل من الماء العادي؟

يطرح ذلك سؤالاً: هل هناك أي شيء أفضل من الماء العادي؟

من الناحية الفنية، هناك طرق لتعديل الماء بطريقة تجعله أفضل. قد تجعل إضافة النكهات مثلاً البعض منا يشرب المزيد من الماء. لكن الكثير من المنتجات التي تعتبر "مياهاً محسنة" ليست أكثر ترطيباً من المياه العادية.

تعتبر الفوائد المفترضة لمعظم منتجات المياه المحسّنة صعبة الإثبات في أحسن الأحوال. خذ المياه المعدنية على سبيل المثال، يدّعي مروجو أحد هذه المنتجات أن "شرب لتر واحد فقط يغطي ثلث الاحتياجات اليومية من الكالسيوم والمغنيزيوم". ربما هذا ليس هراء. تُعرِّف إدارة الغذاء والدواء الأميركية المياه المعدنية على أنها تلك التي يكون "250 جزءاً من المليون منها هو مواد صلبة ذائبة، تأتي من مصادر مثل الآبار الثقبية أو الينابيع، والتي تنشأ من مصدر مياه جوفية محمي جيولوجياً ومادياً". هذا التعريف واسع، إذ أنه لا يحدد أنواع المواد الصلبة الذائبة الموجودة في هذه المياه. هذا يجعل من الصعب تحديد تأثير هذه المياه على جسم الإنسان. الكالسيوم مفيد، ولكن بكميات قليلة فقط، بينما قد لا يكون الصوديوم، وهو إضافة شائعة أخرى، صحي كالكالسيوم، وذلك يعتمد على ضغط الدم. يحصل معظم البشر على كمية من الصوديوم تتجاوز  الكمية الموصى بها عن طريق استهلاك الملح، ولكن لا شك في وجود بعض الفوائد لتناول كمية إضافية من الملح قبل وبعد التمرين المكثف الذي يسبب التعرّق. مع ذلك، لست بحاجة إلى تناول مشروب خاص لتحقيق ذلك، إذ أن تناول عدد من قطع البسكويت المملّح سيكون كافياً.

نفس الأمر ينطبق على الكهارل الجاهزة. تحتوي هذه المنتجات عادةً على الصوديوم والبوتاسيوم، واللذان يساعدان في الحفاظ على مستويات طبيعية من ضغط الدم. يمكنك بالتأكيد أن تتعرق كثيراً لدرجة تجعلك بحاجة إلى تناول هذه المواد، لكن وفقاً لنيوبيري، هذا قد يتطلب إجراء تمارين أكثر إجهاداً من التمارين العادية. تقول نيوبيري: "هذه المنتجات قد تكون مفيدة للرياضيين أو الأشخاص الذين يخوضون سباقات الماراثون".

الفحم المنشط هو عنصر آخر محير. يستخدم أطباء غرف الطوارئ الفحم المنشّط لحجز السموم في المعدة، ولا تبدو إضافته إلى الماء، كما تفعل بعض الشركات، فكرة سيئة، ولكن ليس هناك الكثير من الأبحاث التي تدعم فوائد ذلك. هناك دراسات كافية تبين أن الفحم المنشط يخفف الغازات المعوية، لدرجة أن "هيئة سلامة الغذاء الأوروبية" وافقت على استخدامه لهذا الغرض، لكن ادّعاء أن الفحم المنشط يطهّر الجسم هو أمر مشكوك فيه، ويجب أن تكون حذراً، إذ أن الفحم المنشط قد يمتص المواد التي لا تريدها في جسمك، ولكنه قد يتداخل  مع الأدوية التي تتناولها.

اقرأ أيضاً: الشمس تنقي ماء البحر: حل مشكلة شحّ مياه الشرب العالمية

هل يتعلق الأمر بتأثير الدواء الوهمي والتسويق؟

هناك عبارة عامية ذات صلة بمنتجات المياه المحسّنة: "احقنه مباشرة في عروقي". هناك عيادات تقدم العلاجات المائية الوريدية تفعل ذلك بالضبط. بطبيعة الحال، غالباً ما يعطي الأطباء والممرضات في المستشفيات الماء، وحتى الكهارل الوريدية، للحفاظ على ترطيب الجسم في بعض الحالات الخاصة، مثل بعد العمليات الجراحية. لكن هذا ليس ضرورياً عادةً للأشخاص الأصحاء القادرين على استهلاك الماء فموياً. كما أن استخدام الأبر، مهما كان نوعها، يعرّض لخطر ولو منخفض للإصابة بحالات العدوى.

تقول نيوبيري إن الأشخاص الذين يعانون من حرقة المعدة يسألونها بشكل متكرر عن الماء ذي الأس الهيدروجيني المختلف. هذه المياه القلوية يمكن أن تخفف فرط نشاط حمض المعدة، لكن لا توجد أدلة تدعم ذلك، على الأقل في الأبحاث الرسمية. تقول نيوبيري: "في الوقت الحالي، لا توجد بيانات تدعم حقيقة أن شرب المياه القلوية سيؤدي إلى تخفيف درجة حموضة المعدة بما يكفي للتأثير على مرض الارتجاع المعدي المريئي"، وتضيف أنه من ناحية أخرى، لا يبدو ذلك ضاراً، و"حسب الروايات، أخبرني المرضى أنهم يشعرون بتحسن".

هناك بدعة أخرى يجب ذكرها هنا: المياه التي يُضاف إليها الأوكسجين أثناء عملية التعبئة أو التعليب. لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدراسات حول هذا الموضوع، ولكن أشارت إحدى هذه الدراسات إلى أن "نفساً واحداً من الهواء يحتوي على كمية من الأوكسجين أكبر من عبوة من الماء المؤكسج".

قد تلاحظ نمطاً هنا: شرب الماء المحسّن لن يقتلك على الأرجح، لكنه لن يحل جميع مشاكلك. مع ذلك، حتى إذا لم تعمل هذه المنتجات بالطريقة التي يعد بها المسوقون لها، فقد تعمل على تحسين صحتك أو أدائك الرياضي، وذلك إذا كنت تعتقد أنها ستفعل ذلك. تأثير الدواء الوهمي حقيقي بالفعل، ويمكن أن يجعلنا الترويج له أكثر عرضة له. في دراسة أجريت عام 2005، شرب 106 طلاب جامعيين إما مشروب طاقة يحتوي على الكافيين، أو مشروباً خالٍ من الكافيين، أو الماء، علماً أن كل المشروبات قُدّمت للمشاركين على أنها "مشروبات طاقة". قبل ذلك، سألهم الباحثون عن مدى احتمالية أن مشروب الطاقة سيحسن من أدائهم الرياضي وضغط الدم حسب اعتقادهم. بالنسبة للأشخاص الذين أجابوا بعبارة "مرجح جداً"، فإن الأدوية الوهمية رفعت ضغط الدم وسرّعت ردود الفعل وعززت اليقظة العقلية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون شرب المياه المحسّنة أحياناً أمراً يستحق المحاولة لمجرد كونه ممتعاً، فالماء المنكّه بالفاكهة، على سبيل المثال، لن يضاعف مستويات رطوبة الجسم، كما يزعم بعض المروجين له. (حتى على الرغم من أن الفاكهة مثل البطيخ تتألف من الماء في الغالب، فإنها لا تزال تفتقر إلى قوة ترطيب أكبر من الماء نفسه). لكن شخصياً، عندما تُتاح لي فرصة شرب الماء المنكّه بالفاكهة، أجد نفسي أشرب أكثر مما كنت أشربه من عبوة عادية. يوصي مركز السيطرة على الأمراض الأميركي بإضافة شريحة من الليمون إلى كوب الماء لجعل مذاقه أفضل، وذلك حتى تشرب المزيد من الماء بشكل عام.

قد يكون من المفيد أيضاً أن تكون المياه المحسنة باهظة الثمن بشكل عام، إذ أن ذلك يجعل شاربيها أكثر عرضة لتأثير الدواء الوهمي. يعتقد الناس عادة أن المنتجات باهظة الثمن أكثر فعالية، وذلك وفقاً لدراسة أجريت عام 2008 وجدت أن الدواء الذي سعره 2.50 دولاراً يخفف الألم أكثر من دواء سعره 0.1 دولاراً، على الرغم من أن كلا الدوائين كانا وهميين.

من ناحية أخرى، يمكنك التبرع بهذا المال للأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة على الإطلاق. في معظم أنحاء الولايات المتحدة، يمكن الحصول على الماء الصالح للشرب من الصنبور، لكن وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هذا لا ينطبق في كل مكان، إذ يحصل 435 مليون شخص على المياه من الآبار والينابيع غير المحمية. حتى داخل الولايات المتحدة، يفتقر ما لا يقل عن نصف مليون شخص إلى المياه النظيفة. يعتبر التبرع بالمال للمحتاجين إيثاراً، وتشير الدراسات إلى أنه يساهم في رفاهك وصحتك.

بعبارة أخرى، قم بإضافة الليمون إلى المياه التي تشربها، واشرب السوائل التي تجعلك ترغب في الاستمرار في شرب الماء، واستكشف فوائد الصحة والعافية التي تأتي مع مساعدة الآخرين على فعل الشيء نفسه. فقط تأكد من اختيار مؤسسة خيرية حسنة السمعة.

المحتوى محمي