مع تقدمنا في العمر، تخضع أجسامنا لتغيرات مختلفة يمكن أن تؤثّر في صحتنا. ولعل أهم هذه التغيرات هي الشيخوخة التي تحدث على مستوى الخلايا، فبمرور الوقت تنهار خلايا الجسم وتفقد قدرتها على العمل بالشكل الصحيح، ما يتسبب بمجموعة واسعة من المشكلات الصحية. ومع ذلك، يبدو أن الأوان لم يفت لإبطاء الشيخوخة وبل حتى إيقافها، حتى بالنسبة لمَن هو في الخمسينيات من عمره.
أظهرت الأبحاث أن التمارين الرياضية المكثّفة مثل ركوب الدراجة يمكن أن تساعد على إبطاء عملية الشيخوخة على المستوى الخلوي. ولكن كيف يحدث ذلك؟
الشيخوخة
العمر والشيخوخة شيئان مختلفان، فبينما يعد العمر مجرد رقم يُنظر إليه من زاوية شخصية، فإن الشيخوخة هي عملية فيزيولوجية تحدث في الجسم. وصفت الدراسة المنشورة في دورية الخلية (Cell) الشيخوخة بأنها فقدان تدريجي للسلامة الفيزيولوجية يؤدي إلى ضعف وظيفي على مستوى الخلايا فالأنسجة ومن ثَمَّ الأعضاء، وزيادة احتمالية الوفاة. وتتمثل أعراض الشيخوخة في ظهور التجاعيد وتراجع الأداء والقدرة على التحمل، والإصابة بالأمراض.
الشيخوخة الخلوية وأسبابها
في الشيخوخة الخلوية يزداد حجم الخلايا الشائخة لتصبح أكبر من نظيراتها، كما تتوقف عن الانقسام لحماية نفسها والأنسجة المحيطة بها من أخطاء النسخ.
اقرأ أيضاً: كيف تختار الرياضة المناسبة لك؟
تأتي مسببات الشيخوخة من داخل الخلية الشائخة والبيئة المحيطة بها، ومنها:
1. عدم الاستقرار الجيني
الحمض النووي هو الناقل للمعلومات الوراثية التي تكوّن السمات الرئيسية لكل إنسان، ويتكون من النكليوتيدات التي تشفّر المعلومات الوراثية للكائن الحي. يُطلق على مزيج المورثات أو المعلومات الوراثية لكل شخص بالجينوم، والذي يقع في نواة الخلايا حقيقة النوى. إلّا أن الدنا يتأثر بمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية مثل أشعة الشمس والأوكسجين التفاعلي (من التدخين والأغذية غير الصحية)، ما يؤثّر في أداء الجينوم بمرور الوقت وتتراكم الأخطاء إلى الحد الذي يسبب مشكلات صحية في الجسم.
2. تدهور التيلوميرات
التيلوميرات، هي هياكل توجد في نهايات الكروموسومات في الجينوم البشري، وهي قطع غير مشفرة من الحمض النووي، مهمتها حماية الكروموسومات أثناء الانقسام. ومع ذلك، تفقد الخلية خلال كل انقسام جزءاً من التيلوميرات، وبمرور الوقت تصل التيلوميرات إلى طول معين تتوقف فيه الخلايا عن الانقسام، ويمكن أن تسبب الالتهاب أو حتى موت الخلية، ما يُسرّع من عملية الشيخوخة.
3. فقدان البروتين
توجد البروتينات في الجينوم بشكلٍ لافت، ما يسمح لها بأداء وظائفها، وهو ما يُعرف باستتباب البروتين (Proteostasis). للحفاظ على هذا الاستتباب تمتلك الخلايا آليات تنظّم تخليق البروتين وطيه وتحلل البروتين، حيث يتم تحلل البروتينات التالفة بواسطة البروتيزومات (Proteasomes)، أو بعملية الالتهام الذاتي.
قد تتدهور كلتا الآليتين مع تقدم العمر، فتتراكم البروتينات التالفة وغير الوظيفية، وتسبب الإصابة ببعض الأمراض مثل الأمراض التنكسية العصبية المرتبطة بالعمر (ألزهايمر وباركنسون). إذاً، يمكن بتنشيط البروتيزومات أو الالتهام الذاتي إطالة عمر الكائنات الحية.
4. خلل الميتوكوندريا
الميتوكوندريا، هي "محطات طاقة خلوية"، إذ يمكن لهذه العضيات زيادة مستوى الطاقة بمساعدة الأوكسجين، من خلال عملية تنفس الميتوكوندريا. بالإضافة إلى الطاقة، ينتج عن تنفس الميتوكوندريا الأوكسجين التفاعلي بأشكاله كافة.
تحتوي الميتوكوندريا على الحمض النووي الخاص بها (mtDNA)، الذي يرمز للبروتينات اللازمة لعملية التنفس. قد يتعرض (mtDNA) للتلف بسبب تراكم الأوكسجين التفاعلي بمرور الوقت، فتتعطل الميتوكوندريا عن أداء وظائفها.
5. استنفاد الخلايا الجذعية
تتمايز معظم خلايا الجسم لدى نضجها واكتساب هويتها النهائية، بحيث تفقد قدرتها على الانقسام، مثل الخلايا العصبية والجلدية. لذا تعتمد الأعضاء على الخلايا الجذعية غير المتمايزة أو المتمايزة جزئياً لإصلاح التلف، بسبب قدرتها على الانقسام والتمايز.
ومع ذلك، مع تقدم العمر، تقل قدرة الخلايا الجذعية على الانقسام، ما يؤدي إلى:
- استنفاد الخلايا الجذعية، وخفض قدرة الجسم على إصلاح الأنسجة وتلف الأعضاء.
- تغير قدرة الخلايا الجذعية على التمايز، وبالتالي تختلف الخلايا المتمايزة لدى كبار السن عنها لدى الأصغر سناً.
6. الالتهام الذاتي
لدى تقييد كمية الغذاء المتناول، تقل كمية العناصر الغذائية المتوفرة، فتنشط في الخلايا آلية تُعرف بالالتهام الذاتي، وتعني تكسير مكونات الخلية وإعادة استخدام اللبنات الأساسية في بناء مكونات الخلية. لكن مع تقدم العمر يتناقص نشاط الجينات المرتبطة بالالتهام الذاتي عند البشر، ما يؤدي للشيخوخة في الكائنات الحية النموذجية.
هل يمكن للتمارين الرياضية عكس الشيخوخة بعد سن الخمسين؟
بعد أن أصبح في الخمسينيات من عمره، وخلال إحدى وجبات الغداء، نظر خبير الشيخوخة الدكتور نورمان لازاروس (Norman Lazarus) إلى بطنه ليجده ممتلئاً ومترهلاً بالدهون. كانت تلك لحظة حاسمة بالنسبة له، دفعته لاتخاذ قرار بضرورة تغيير أسلوب حياته.
اليوم يمارس لازاروس وهو بعمر الثمانين تمرين ركوب الدراجة لنحو 100 كيلومتر في الأسبوع، وفي بعض الأحيان يقوم بها في جولة واحدة، ولم يزر الطبيب منذ 25 عاماً.
وفقاً للباحث في جامعة ولاية أوريغون في الولايات المتحدة، ماثيو روبنسون (Matt Robinson)، يمكن للتمارين المتواترة عالية الكثافة (HIIT)، ممثلة بركوب الدراجة، أن تبطئ الشيخوخة على المستوى الخلوي وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
اقرأ أيضاً: إليك التمارين الرياضية التي تحرق الكمية الأكبر من السعرات الحرارية
كيف يعكس تمرين ركوب الدراجة الشيخوخة بعد سن الخمسين؟
زيادة نشاط الميتوكوندريا
أجرى روبنسون بالتعاون مع فريق من الباحثين دراسة نُشرت في دورية استقلاب الخلية (Cell Metabolism)، قسّموا فيها المشاركين إلى مجموعتين وفقاً لأعمارهم إلى:
- مجموعة شابة تتراوح أعمار أعضائها بين 18 و30 عاماً.
- مجموعة أكبر سناً تتراوح أعمار أعضائها بين 65 و80 عاماً، وكان لازاروس واحداً منهم.
مارست المجموعتان التمارين المتواترة عالية الكثافة على دراجة هوائية، لثلاث مرات لمدة 12 أسبوعاً. لاحظ الباحثون في نهاية فترة الدراسة زيادة نشاط الميتوكوندريا لدى المجموعة الشابة بنسبة 49%، وللمجموعة المسنة بنسبة 69%.
اقرأ ايضاً: 7 أخطاء يرتكبها راكبو الدراجات الهوائية المبتدئون وكيفية تجنّبها
تقليل ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر
وجد باحثون في الدراسة المنشورة في دورية آفاق في علم الأعصاب (Frontiers in Neuroscience) أنه يمكن للتمارين المنتظمة أن تؤخر أو تمنع الإصابة بمرض ألزهايمر والخرف. بشكلٍ أساسي يمكن لممارسة التمارين بانتظام أن تقلل من مستويات بروتين تاو (tau) في الجسم، وهو بروتين مرتبط بمرض ألزهايمر.
وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة علم وظائف الأعضاء (Journal of Physiology)، تبين أنه لا داعي لركوب الدراجة لمسافة 100 كيلومتر للحصول على فوائدها. أظهر البحث أن نوبة قصيرة ومكثّفة من ركوب الدراجات (ركوب الدراجات بقوة لمدة ست دقائق) لمشاركين تتراوح أعمارهم بين 18-56 عاماً، تزيد من إنتاج بروتين متخصص يُعرف بعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، والضروري لتكوين خلايا الدماغ والتعلم والذاكرة. ومن المثير للإعجاب أن هذا البروتين قد زاد بنسبة 300% لدى ركوب الدراجة لست دقائق عالية الكثافة، مقارنة بنسبة 16% لمَن ركب الدراجة لمدة 90 دقيقة منخفضة الكثافة.
يمكن لهذا البروتين أن يحمي الدماغ من التدهور المعرفي المرتبط بالعمر، ويؤخر ظهور الاضطرابات العصبية التنكسية مثل مرض ألزهايمر وباركنسون، لأنه يعزز المرونة العصبية (قدرة الدماغ على تكوين روابط ومسارات جديدة)، ويحافظ على الخلايا العصبية.
اقرأ أيضاً: ما التمارين الرياضية التي يُنصح مرضى داء باركنسون بممارستها؟
ركوب الدراجة لبشرة أكثر نضارة
تظهر أولى علامات الشيخوخة على الجلد، بشكل تجاعيد وبشرة جافة وباهتة. يرتبط هذا التدهور بعد الخمسين بتراجع تكاثر الخلايا وإنتاج الكولاجين، وارتفاع الإجهاد التأكسدي للميتوكوندريا وحذف حمضها النووي.
في إحدى الدراسات التي نُشرت في دورية شيخوخة الخلايا (Aging Cell)، قام المتطوعون الأكبر سناً بممارسة تمرين ركوب الدراجة لمدة 30- 45 دقيقة فقط، ولمرتين في الأسبوع. بعد ثلاثة أشهر زادت مستويات الكولاجين لديهم، ما جعل بشرتهم تبدو أصغر سناً وأكثر شباباً.
صحة القلب
استنتج باحثون في دراسة نُشرت في المجلة الأوروبية للقلب (European Heart Journal)، أن ممارسة نحو 70 ألف مشارك بمتوسط عمر 62 عاماً التمارين المكثّفة لدقيقتين من الزمن في 10 نوبات أسبوعية، كان كافياً لانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40%، كما ارتبط أداء 16 دقيقة من التمارين المكثّفة أسبوعياً بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 16%.
اقرأ أيضاً: 5 تمارين رياضية تخلصك من ألم الظهر
تعزيز الجهاز المناعي
مع التقدم في العمر تنخفض نسبة خلايا الدم البيضاء في الجسم، ما يحد من قدرته على مقاومة الأمراض. لكن دراسة نشرت في دورية شيخوخة الخلايا (Aging Cell)، وجدت أن لدى راكبي الدراجات الهوائية المسنين مستويات أعلى من خلايا الدم البيضاء مقارنة بالأفراد غير النشطين.
فيما يتعلق بطريقة تحديد كثافة التمارين، وضح روبنسون أن ذلك يتحدد بمعدل ضربات القلب المرتفع. لمعرفة ذلك حاول التحدث بعد أداء التمرين المكثّف، إذا كان بإمكانك إجراء محادثة، فمن المحتمل ألّا تكون عالية بما يكفي.