تخيل أنك دخلت في طواف فرنسا للدراجات لهذا العام في بداية المرحلة السابعة عشر منه. ستقود أولاً الدراجة لمسافة 112 كيلومتراً مع زيادةٍ تدريجية في الارتفاع تصل إلى نحو 400 متر، مع ذلك، لن تكون قد وصلت بعد إلى الجزء الممتع من السباق المتمثل بالقيادة عبر جبال البرانس العليا. يتعين عليك في الـ64 كيلومتراً التالية تسلق 3 قمم جبلية بارتفاع كلي يبلغ 1.6 كيلومتر. في الحقيقة، وحتى في الأيام التي أكون فيها بكامل لياقتي البدنية، قد لا أكون قادراً على إنهاء المرحلة السابعة عشر من السباق، ناهيك عن إنهائه في نحو 5 ساعات أو نحو ذلك، وهو الوقت الذي يحتاج إليه الفائز لإنهاء السباق. كما أن المرحلة السابعة عشر ليست سوى مرحلة واحدة من أصل 21 مرحلة في السباق يجب إكمالها في 23 يوماً.
أنا عالم فيزياء رياضية، وقد قمت بنمذجة سباق فرنسا للدراجات لما يقرب من عقدين من الزمن اعتماداً على بيانات التضاريس -كالتي وصفتها في المرحلة 17- وقوانين الفيزياء. لكن ما زلت غير قادرٍ على فهم القدرات البدنية اللازمة لإكمال سباق الدراجات الأكثر شهرة في العالم. هناك عددٌ قليلٌ فقط من نخبة البشر ممن يستطيعون إكمال مرحلة طواف فرنسا للدراجات في وقتٍ يُقاس بالساعات بدلاً من الأيام، ويرجع السبب في قدرتهم على فعل ما يحلم به بقيتنا إلى أن هؤلاء الرياضيين قادرون على إنتاج كميات هائلة من القوة. القوة هي المعدل الذي يحرق به راكبو الدراجات الطاقة، وتأتي الطاقة التي يحرقونها من الطعام الذي يتناولونه. سيحرق المتسابق الفائز بطواف فرنسا للدراجات خلال السباق ما يعادل 210 شطائر بيج ماك من ماكدونالدز.
اقرأ أيضاً: 7 فوائد بيئية وصحية لركوب الدراجات
سباق الدراجات هو لعبة طاقة
للتنقل بالدراجة، يحتاج المتسابق إلى نقل الطاقة من عضلاته عبر الدراجة إلى العجلات التي تدفع بدورها الدراجة إلى الأمام على الأرض. كلما زادت سرعة المتسابق في إنتاج الطاقة، زادت القوة. وغالباً ما يتم قياس معدل نقل الطاقة بالواط. يستطيع راكبو الدراجات في طواف فرنسا للدراجات توليد كميات هائلة من الطاقة لفترات طويلة بشكل لا يصدق مقارنة بمعظم الناس.
يمكن لراكب الدراجة الهاوي أن ينتج باستمرار من 250 إلى 300 واط من الطاقة لمدة 20 دقيقة تقريباً، بينما يمكن لراكب الدراجة المحترف في طواف فرنسا للدراجات إنتاج أكثر من 400 واط في نفس الفترة الزمنية. ويستطيع هؤلاء المحترفون إنتاج حتى ألف واط لفترات قصيرة من الزمن عند صعود المنحدرات الشديدة، وهي قوة تكفي تقريباً لتشغيل فرن الميكروويف.
ولكن لا تتحول كامل الطاقة التي ينتجها المتسابق في سباق فرنسا للدراجات إلى حركة دفعٍ للدراجة، إذ يتعين على المتسابق مواجهة مقاومة الهواء وضياع الطاقة المتمثلة بالاحتكاك بين العجلات والطريق. تساعد قوة الجاذبية المتسابقين عند النزول على المنحدرات بالطبع، ولكن عليهم مقاومتها أثناء الصعود.
في نموذجي، أضع في الاعتبار جميع العوامل الفيزيائية المتعلقة بإنتاج طاقة راكبي الدراجات، بالإضافة إلى تأثيرات الجاذبية والسحب والاحتكاك. اعتماداً على كل هذه العوامل، أقدّر أن الفائز النموذجي بسباق فرنسا للدراجات يحتاج إلى إنتاج 325 واط في المتوسط على مدار 80 ساعة من السباق تقريباً. تذكّر أن معظم متسابقي الدراجات الهواة سيكونون راضين لو كان بمقدورهم إنتاج 300 واط لمدة 20 دقيقة فقط.
اقرأ أيضاً: 3 قواعد لركوب الدراجات الهوائية للحفاظ على أمان كل من يقود على الطريق
تحويل الطعام إلى مسافة مقطوعة
إذاً، من أين يحصل راكبو الدراجات هؤلاء على كل هذه الطاقة؟ من الطعام بالطبع.
لكن العضلات، مثل أي آلة، لا يمكنها تحويل الطاقة الغذائية بالكامل مباشرةً إلى طاقة حركية. في الواقع، تتراوح كفاءة العضلات في تحويل الطاقة الغذائية إلى طاقةٍ حركية من 2% في أنشطة مثل السباحة إلى 40% بالنسبة لعضلة القلب. في نموذجي، استخدمت متوسط كفاءةٍ بنسبة 20%. بأخذ هذه الكفاءة بعين الاعتبار بالإضافة إلى كمية الطاقة اللازم إنتاجها للفوز بسباق فرنسا للدراجات، يمكنني تقدير كمية الطعام التي يحتاجها راكب الدراجة الفائز.
يحرق راكبو الدراجات الذين يكملون جميع مراحل طواف فرنسا للدراجات الـ21 نحو 120 ألف سعرة حرارية خلال السباق، أو نحو 6 آلاف سعرة حرارية في كل مرحلة. في أكثر المراحل صعوبةً، مثل المرحلة السابعة عشر لسباق هذا العام، يحرق المتسابقون نحو 8 آلاف سعرة حرارية. لتعويض هذا الفاقد الهائل من الطاقة، يلجأ الدراجون إلى تناول الأطعمة المحلّاة مثل شطائر المربي وألواح الطاقة والمواد الهلامية حتى لا تضيع الطاقة في المضغ.
يزن الفائز في سباق العام الماضي، تاديج بوجاكار، 67 كيلوغراماً فقط. لا يمتلك المتنافسون في سباق فرنسا للدراجات الكثير من الدهون ليحرقوها لإنتاج الطاقة، لذلك يجب عليهم إمداد أجسامهم باستمرار بالطاقة الغذائية حتى يتمكنوا من إنتاج طاقةٍ بمعدل يبدو أنه فوق طاقة البشر حقاً. عندما تشاهد إحدى مراحل سباق فرنسا للدراجات هذا العام، لاحظ عدد المرات التي يأكل فيها راكبو الدراجات، وستدرك الآن سبب تناولهم لكل هذه الوجبات الخفيفة.