كما تعلم، لممارسة التمارين الرياضية بأشكالها وأنواعها كافة فوائد صحية جمّة للجسم، لكن نمط الحياة المتسارع والمزدحم بالمهام اليومية قد يقف عائقاً أمام تحقيقك لتلك الفوائد.
تصور معي أن تكون بضع دقائق كفيلةً بالحصول على فوائد تمارين اللياقة التقليدية. لا تستغرب؛ إنها التمارين المكثّفة وعالية التواتر (HIIT). فكيف تمارس هذه التمارين وكيف تستفيد منها في تعزيز صحة قلبك ودماغك وذاكرتك؟
ما التمارين الرياضية المكثفة؟
تتضمن التمارين الرياضية المكثفة "High-intensity interval training) "HIIT) دفعات قصيرة من التمارين الرياضية المكثّفة بالتناوب مع فترات راحة منخفضة الكثافة للسماح للجسم بالتعافي. عادة ما تتراوح مدتها بين 10-30 دقيقة.
يمكن للنشاط البدني أن يشمل ركوب الدراجة أو الركض أو السباحة أو قفز الحبل أو التمارين الأخرى التي تعتمد على وزن الجسم. على سبيل المثال، يمكن للجلسة أن تكون عبارة عن ركوب دراجة لمدة 30 ثانية بأكبر سرعة ممكنة مع مقاومة عالية، متبوعاً بعدة دقائق من ركوب الدراجات البطيء والسهل مع مقاومة منخفضة. تعتبر هذه جولة من جولات التمرين أو تكراراً له. عادة ما يتضمن التمرين ما بين 4-6 جولات، وفقاً لنوع النشاط وشدته.
لتحديد الكثافة المناسبة، وضّح الباحث في جامعة ولاية أوريغون في الولايات المتحدة، ماثيو روبنسون، أنها التمارين التي ترفع معدل ضربات القلب إلى الدرجة التي يصبح فيها من الصعب التحدث بعد أداء التمرين المكثّف. فإذا كان بإمكانك إجراء محادثة، فمن المحتمل ألّا تكون كثيفة بما يكفي.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تقدّم حلاً لمن ليس لديه وقت لممارسة الرياضة
فوائد التمارين المكثفة للقلب والدماغ والذاكرة
من أهم فوائد التمارين المكثّفة ما يلي:
تحسين تدفق الأوكسجين والدم
يعمل القلب كمضخة للدورة الدموية لتوصيل الأوكسجين والمواد المغذّية إلى العضلات، ونقل الفضلات منها.
وأشارت دراسة نُشرت في دورية العلوم والرياضة (Science & Sports)، إلى أنه يمكن لتمارين HIIT أن تدعم نظام الدورة الدموية.
في الدراسة قسّم الباحثون 26 طفلاً إلى:
- مجموعة شاركت في تدريب HIIT.
- مجموعة أدت تمارين تقليدية.
بعد 7 أسابيع توصل الباحثون إلى أن التمارين قد حسّنت من القدرة التنفسية؛ أي قدرة القلب والرئتين على توزيع الأوكسجين في أنحاء الجسم، أكثر من مجموعة التمارين التقليدية.
علاوة على ذلك، أشار الباحث أولريك ويسلوف (Ulrik Wisloff)، رئيس مجموعة أبحاث تمارين القلب في الجامعة النرويجية (Norwegian University)، إلى أن التمارين المكثّفة تؤدي إلى زيادة أكبر في السعة القصوى للأوكسجين (VO2 max)، وهو مقياس للياقة الهوائية والقدرة على التحمل، مقارنة بتمارين التحمل التقليدية، كما أفاد ويسلوف بأن ارتفاع السعة القصوى للأوكسجين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإطالة العمر.
كلما زادت قيمة VO2 max، يمكن للدم أخذ المزيد من الأوكسجين إلى الجسم في دقيقة واحدة، فتزداد كمية الطاقة التي يمكن إنتاجها. لذلك، تعني قيمة VO2 max العالية أن لديك لياقة هوائية عالية وقدرة ممتازة على التحمل عامةً.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تبدأ رياضة ركوب الدراجة الهوائية بعد سن الخمسين وتجدد شبابك؟
خفض ضغط الدم
يمكن للتمارين المكثّفة أن تساعد على خفض ضغط الدم المرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية. هذا ما وجدته دراسة نُشرت في دورية علم الشيخوخة التجريبي (Experimental Gerontology)، حيث وجد الباحثون أن الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 56-67 عاماً والذين أدّوا تمريناً عالي الكثافة لخمسة أيام في الأسبوع ولمدة ستة أسابيع، انخفض ضغط الدم لديهم بنحو 5.5 مليمتر/ زئبق.
تعزيز صحة القلب
استنتج باحثون في دراسة نُشرت في المجلة الأوروبية للقلب (European Heart Journal)، أن ممارسة نحو 70 ألف مشارك بمتوسط عمر 62 عاماً، التمارين المكثّفة لدقيقتين من الزمن في 10 نوبات أسبوعية، كان كافياً لانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40%، كما ارتبط أداء 16 دقيقة من التمارين المكثّفة أسبوعياً بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 16%.
اقرأ أيضاً: كيف تعزز الرياضة من صحة العضلة القلبية؟ وما خصوصية ممارستها عند مرضى القلب؟
دعم صحة الدماغ
وفقاً للطبيبة جينيفر هايز (Jennifer Heisz)، الأستاذة في جامعة ماكماستر (McMaster University)، تحفّز التمارين الرياضية المكثّفة إنتاج العضلات لمادة اللاكتات. تنتقل اللاكتات مع الدم إلى الدماغ، حيث تعزز تكوين خلايا وأوعية دموية جديدة، وتعزز صحة الدماغ وتقلل من خطر الإصابة بالخرف.
تعزيز المرونة العصبية
في دراسة نُشرت في مجلة العلوم والطب في الرياضة (Journal of Science and Medicine in Sport)، راجع الباحثون 12 تجربة مختلفة شملت 128 شخصاً، وراقبوا التغيرات في الدماغ أثناء نوبات التمارين الهوائية، فوجدوا أن التمارين المكثّفة المتقطعة أدّت إلى فوائد أكبر للمرونة العصبية مقارنة بالتمارين المكثّفة المستمرة أو منخفضة الكثافة.
المرونة العصبية هي قدرة الدماغ على التكيُّف مع التغيير عن طريق تغيير خصائصه الوظيفية والهيكلية (قدرة الدماغ على تكوين روابط ومسارات جديدة). لهذه التغييرات آثارٌ مفيدة؛ فقد تساعد على التعلم واكتساب مهارات جديدة والذاكرة والتعافي من الإصابات مثل السكتة الدماغية.
اقرأ أيضاً: كيف تختار الرياضة المناسبة لك؟
التقليل من احتمالات ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر
وجد باحثون في الدراسة المنشورة في دورية آفاق في علم الأعصاب (Frontiers in Neuroscience) أنه يمكن للتمارين المنتظمة أن تؤخر أو تمنع مرض ألزهايمر والخرف. بشكلٍ أساسي يمكن لممارسة التمارين بانتظام أن تقلل من مستويات بروتين تاو (tau) في الجسم، وهو بروتين مرتبط بمرض ألزهايمر.
وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة علم وظائف الأعضاء (Journal of Physiology)، تبين أنه لا داعي لركوب الدراجة لمسافة 100 كيلومتر للحصول على فوائدها. أظهر البحث أن ركوب الدراجات بشدة لمدة ست دقائق لمشاركين تتراوح أعمارهم بين 18-56 عاماً، تزيد من إنتاج بروتين متخصص يُعرف بعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو القوة الدافعة وراء ولادة خلايا عصبية جديدة في مركز الذاكرة في الدماغ للبالغين (الحصين) الذي يؤدي دوراً مهما في تكوين الذكريات وتنظيمها وتخزينها.
من المُثير للإعجاب أن هذا البروتين قد زاد بنسبة 300% لدى ركوب الدراجة لست دقائق، مقارنة بنسبة 16% لمَن ركب الدراجة لمدة 90 دقيقة منخفضة الكثافة.
يمكن لهذا البروتين أن يحمي الدماغ من التدهور المعرفي المرتبط بالعمر، ويؤخر ظهور الاضطرابات العصبية التنكسية، مثل مرض ألزهايمر وباركنسون، لأنه يحافظ على الخلايا العصبية.
اقرأ أيضاً: ما التمارين الرياضية التي يُنصح مرضى داء باركنسون بممارستها؟
خلاصة القول، اجعل التمارين المكثّفة عادتك الجديدة. لكن تذكر، إذا كنت لا تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام، عليك التحدث مع مدرب شخصي لتحديد التمارين والأسلوب الأكثر أماناً بالنسبة لك.