يصيب داء السكري، وهو اضطراب في مقاومة الإنسولين، عشرات الملايين من الناس حول العالم، ويرتبط بمعدلات مرتفعة في شدة المرض والموت. وفي الوقت نفسه، يزداد شيوع الصيام المتقطع كأسلوب غذائي لتحسين التمثيل الغذائي وفقدان الوزن. والسؤال الآن، هل يمكن أن يكون الصيام المتقطع فعّالاً في تحسين صحة مرضى السكري عبر تأثيره على تقليل مقاومة الإنسولين؟ أم أنه قد يسبب انخفاض نسبة السكر في الدم وحصول نتائج كارثية؟ إليك أهم ما توصلت إليه الدراسات العلمية حول الصيام المتقطع لمرضى السكري.
فوائد الصيام المتقطع لمرضى السكري
داء السكري هو حالة صحية مزمنة تنتج عن ارتفاع نسبة السكر في الدم، بسبب عدم إنتاج [tooltip content=" الإنسولين هو الهرمون الوحيد الذي يخفض مستوى الغلوكوز (نوع من السكر) في الدم. يتم تصنيعه بواسطة خلايا بيتا في البنكرياس ويتم إطلاقه في الدم عندما يرتفع مستوى الغلوكوز" url="https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%86/" ]الإنسولين[/tooltip] بما يكفي، وهو الهرمون المسؤول عن إدخال سكر الغلوكوز إلى خلايا الجسم لاستخدامه كطاقة، أو نتيجة توقف الخلايا عن الاستجابة للإنسولين، بالتالي، فإن نسبة السكر تبقى مرتفعة في مجرى الدم. ومع مرور الوقت، قد تحصل مشكلات صحية خطيرة، مثل أمراض القلب وأمراض الكلى وفقدان البصر. لا يوجد علاج لداء السكري حتى الآن، لكن ثمة العديد من الأدوية التي تساعد في التحكم في نسبة الغلوكوز في الدم، بالإضافة إلى أن تغيير نمط الحياة، بما في ذلك فقدان الوزن الزائد وتناول الطعام الصحي وممارسة النشاط البدني، يمكن أن يساعد كثيراً في منع أو تأخير حصول المضاعفات.
اقرأ أيضاً: ما مضاعفات مرض السكري على المفاصل والعظام؟ وكيف يتم علاجها؟
أما الصيام المتقطع فهو نمط لتناول الطعام، يتم فيه التناوب بين فترات محددة من الصيام وتناول الطعام خلال اليوم أو خلال الأسبوع، إذ لا يُسمَح في فترة الصيام بتناول الأطعمة الصلبة أو التي تحتوي على السعرات الحرارية، وإنما يُسمح فقط بتناول المشروبات الخالية من السعرات الحرارية كالماء والمشروبات الخالية من السكر كالقهوة السوداء والشاي وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: كم يمكن لمريض السكري أن يتناول من الخبز يومياً؟
وفي مراجعة حديثة قام بها كلٌّ من الطبيب "مايكل ألبوستا" (Michael Albosta) والطبيب "جيسي باك" (Jesse Bakke) في "جامعة سنترال ميتشيغان" الأميركية (Central Michigan University)، التي نُشِرت عام 2021 في دورية "داء السكري السريري والغدد الصماء" (Clinical Diabetes and Endocrinology). حيث تقصّى الباحثان إمكانية استخدام بروتوكول الصيام المتقطع كعلاج محتمل غير دوائي لداء السكري، وذلك عبر مراجعة قواعد البيانات والتجارب السريرية وسلسلة الحالات المتعلقة بداء السكري من النوع 2 ومقاومة الإنسولين والصيام المتقطع، المنشورة بين عامي 1990 و2020، مع استبعاد الملخصات والمقالات المنشورة بغير اللغة الإنجليزية والتجارب على الحيوانات.
توصّل الباحثان إلى أن غالبية الأبحاث المتاحة توضح أن الصيام المتقطع فعّال في تقليل وزن الجسم، وخفض نسبة الغلوكوز أثناء الصيام، وخفض نسبة الإنسولين أثناء الصيام، وتقليل مقاومة الإنسولين، وزيادة مستويات هرمون الأديبونيكتين المعروف بتأثيره المضاد لداء السكري والمضاد للالتهاب، وخفض مستويات هرمون اللبتين المسؤول عن إرسال إشارات إلى منطقة تحت المهاد لقمع تناول الطعام وزيادة إنفاق الطاقة، لكنه ومع ذلك يحفّز حصول الالتهابات المزمنة منخفضة الدرجة.
وقد وجدت إحدى الدراسات التي راجعها الباحثان أن المرضى المشاركين بالدراسة وعددهم 3، قد تمكّنوا من إيقاف العلاج بالإنسولين بعد شهر واحد من اتّباع أحد بروتوكولات الصيام المتقطع تحت إشراف طبيبهم. وقد استشهد الباحثان بدراسة أخرى شملت عشوائياً 137 شخصاً مصاباً بداء السكري، الذين قُسِّموا إلى مجموعتين؛ الأولى اتبعت نظاماً غذائياً مستمراً ذا سعرات حرارية مقيدة، والثانية اتبعت صياماً متقطعاً، وبعد 12 شهراً انخفضت مستويات السكر التراكمي في كلتا المجموعتين، إلا أن المرضى الذين اتّبعوا صياماً متقطعاً قد خسروا وزناً أكبر في المتوسط.
وقد أشار الباحثان إلى أنه على الرغم من أن تقييد السعرات الحرارية في معظم الأنظمة الغذائية يمكن أن يقلل من وزن الجسم ويزيد من صحة التمثيل الغذائي، فإن الناس يواجهون صعوبة كبيرة في الامتثال والمواظبة على هذه الأنظمة لفترة طويلة من الزمن. بينما في الصيام المتقطع، فإن الناس يمتثلون له بشكل أفضل. وقد أظهر الصيام المتقطع نتائج واعدة في تحسين عوامل الخطر الأيضية، وفقدان الوزن عند الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، وهذه الآثار المفيدة ترجع جزئياً إلى التحول أثناء الصيام من استخدام الغلوكوز كمصدر للطاقة إلى استخدام الأحماض الدهنية والكيتونات وحرقها كمصدر للطاقة، وهو ما يسمى بإعادة البرمجة الأيضية.
اقرأ أيضاً: كيف تتسبب البدانة في حدوث داء السكري؟
وقد استنتج الباحثان أن الأدلة الحالية تشير إلى أن الصيام المتقطع هو خيار علاجي غير دوائي فعّال لداء السكري من النوع الثاني، لكن لا بُدّ من إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد آثار الصيام المتقطع بحد ذاته على الجسم، وليس فقط الآثار المترتبة عن فقدان الوزن الناتج عن الصيام المتقطع. كما يجب أن يفكر الأطباء في تثقيف أنفسهم فيما يتعلق بفوائد الصيام المتقطع، ومن الضروري جداً أن يستشير مريض السكري الطبيب قبل البدء في نظام الصيام المتقطع، وذلك للحصول على الإشراف والمعايرة المناسبة لنظام الدواء الخاص بالمرض خلال فترات الصيام.
وفي مراجعة أخرى قام بها الطبيبان "مارك ماتسون" (Mark Mattson) و"رافاييل دي كابو" (Rafael de Cabo) منشورة في "مجلة نيو إنغلاند الطبية" (The New England Journal of Medicine)، ذكر الباحثان أن الدراسات التي سبق وأجريت على الحيوانات والبشر قد أظهرت أن العديد من الفوائد الصحية التي تحدث نتيجة الصيام المتقطع ليست نتيجة لانخفاض إنتاج الجذور الحرة أو فقدان الوزن فقط، وإنما نتيجة أن الصيام المتقطع يؤدي أيضاً إلى حصول استجابات خلوية تكيفية تتكامل بين أعضاء الجسم وداخلها، بطريقة تُحسّن تنظيم الغلوكوز وتزيد من مقاومة الإجهاد وتثبط الالتهاب.
إذ وأثناء فترة الصيام، تُنشِّط الخلايا المسارات التي تعزز الدفاعات الذاتية ضد الإجهاد التأكسدي، وتلك التي تزيل أو تصلح الجزيئات التالفة. أما خلال فترة تناول الطعام، تشارك الخلايا في عمليات النمو والترميم الخاصة بالأنسجة.
اعتبارات خاصة لمرضى السكري عند اتباع الصيام المتقطع
على الرغم من الفوائد التي يحققها الصيام المتقطع لمرضى السكري، لكن عند التفكير في اتباعه لمرضى السكري يجب الأخذ في عين الاعتبار مجموعة من النقاط وهي:
- من المهم مناقشة مخاطر السلامة المحتملة المرتبطة بالصيام المتقطع.
- يجب أن يخضع المرضى الذين يتناولون أدوية الإنسولين أو أدوية السلفونيل يوريا للمراقبة عن كثب من قِبل الطبيب الخاص من أجل منع الأحداث المرتبطة بسكر الدم.
- نظراً لأن الدراسات تُظهر انخفاض الحاجة إلى الإنسولين لدى المرضى الذين يتبعون بروتوكولات الصيام المتقطع، لذلك ينبغي على الطبيب مراقبة مستويات الغلوكوز في الدم، ومعايرة الدواء عن كثب، وإجراء التعديلات اللازمة على الأدوية خصوصاً في أوقات وأيام الصيام.
- يشار إلى أنه على الرغم من أن الهدف من هذا النمط من التغذية هو تقليل الحاجة إلى الأدوية أو إلغاؤها، ومنها الإنسولين، فثمة حالات قد يكون الإنسولين ضرورياً مثل الارتفاع الشديد في سكر الدم، الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل تطور متلازمة فرط سكر الدم.
- يجب الاهتمام بتناول وجبات غنية بالمغذّيات وكمية كافية من البروتين خلال فترة التغذية، ومن المهم أيضاً التفكير في مكملات الفيتامينات أو المعادن اعتماداً على الممارسات الغذائية للمريض والمدة المطلوبة للصيام.
- ينبغي مراقبة مستويات السكر في الدم بانتظام، لأن عدم تناول الطعام لفترات طويلة قد يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المهم الاحتفاظ بالسجلات اليومية عن نسب سكر الدم والوزن وإرسالها أسبوعياً أو كل أسبوعين للطبيب.
- نظراً لأن العديد من الأطباء قد لا يُدرَّبون على نطاق واسع في علوم التغذية، كما قد لا يكون لديهم الوقت الكافي للمتابعة اليومية مع المرضى لضمان حصولهم على التغذية المناسبة، لذلك يوصى بشدة أن يتم التشاور مع اختصاصي تغذية معتمد.
- من المهم أيضاً مراعاة المرضى الذين قد لا يكون الصيام مناسباً لهم، مثل النساء الحوامل والمرضعات وكبار السن والأفراد الذين يعانون من نقص المناعة والأفراد الذين يعانون من حالة نقص السكر في الدم والمرضى الذين يعانون من اضطرابات الأكل.
اقرأ أيضاً: هل يؤثر الصيام المتقطع على الدورة الشهرية؟
كيف يكون الصيام المتقطع لمرضى السكر؟
يأتي الصيام المتقطع وفق مجموعة متنوعة من الأساليب أو البروتوكولات، لكن لم يتم إثبات أيّ نظام منها هو الأفضل لمرضى السكري. فيما يلي أكثر الأنماط شيوعاً للصيام المتقطع:
- صيام 16:8: في هذا النظام يتم تناول الوجبات في غضون 8 ساعات تليها 16 ساعة من الصيام، أي إذا كانت وجبة الفطور عند الساعة 10:00 صباحاً، فيجب التوقف عن الطعام عند الساعة 6:00 مساءً.
- صيام 5:2: يتم في هذا النظام تناول وجبات منتظمة لمدة 5 أيام، ثم وخلال يومين في الأسبوع غير متتاليين يتم تناول أقل من 500 سعرة حرارية في كلٍ منهما.
- صيام الأيام المتناوبة: في هذا النظام، يتم تناول الكمية المعتادة من الطعام خلال 24 ساعة، ثم تليها 24 ساعة من الصيام، لا يتم تناول فيها أي شيء أو تناول كمية قليلة جداً.
- التغذية المبكرة المقيدة بالوقت: هذا النظام يقيّد أوقات تناول الوجبات في الصباح وبعد الظهر، ثم يليه صيام يستمر بقية النهار وخلال الليل.
يُذكر أن الصيام المتقطع قد يجعلك تشعر بالإرهاق أو التعب أو النعاس أو التهيج والقلق المتزايد، لذلك ينبغي وضع هذه الأمور في الاعتبار إذا كنت تقود السيارة أو تقوم بتشغيل المعدات وما إلى ذلك.
اقرأ أيضاً: ما هي فوائد الصيام المتقطع وما طرق تطبيقه؟
هل يؤثر الصيام على نسبة السكر التراكمي؟
على ما يبدو فإن الصيام المتقطع يؤثر بشكل إيجابي على نسبة السكر التراكمي، إذ وفي مراجعة قامت بها كلٌّ من "مونيكا سوجكا" (Monika Sujka) و"كارولاينا نوساد" (Karolina Nowsad) في "جامعة علوم الحياة" (University of Life Science)، ونُشرت في دورية "داء السكري والسمنة" (Diabetes and Obesity)، توصلت الباحثتان إلى أن الأنماط المختلفة من الصيام المتقطع تقلل من وزن الجسم، وتقلل أيضاً من مؤشرات مرض السكري مثل غلوكوز الصيام، وإنسولين الصيام، ومؤشر الهيموغلوبين السكري المعروف أيضاً بنسبة السكر التراكمي.
والهيموغلوبين السكري هو نتيجة التصاق الغلوكوز بخلايا الدم الحمراء، وكلما زاد مستوى الغلوكوز في الدم زاد التصاقه بكريات الدم الحمراء. يُستخدم اختبار السكر التراكمي لقياسه، وذلك لتحديد مدى إدارة مريض السكري لنسبة السكر في الدم، ولتشخيص مرض السكري عند الأشخاص غير المُشخصين بعد.
ختاماً، مهما كانت إيجابيات الصيام المتقطع التي تقرأها في المجالات والدوريات العلمية، عليك قبل أن تقرر اتباع إحداها أن تستشير طبيبك واختصاصي التغذية المعتمد، وخصوصاً في حالة الإصابة بداء السكري، وذلك تجنباً لارتفاع نسبة السكر أو انخفاضها الشديد، خلال فترة تناول الطعام أو فترة الصيام.