داء السكريّ خطير وقاتل. ومع ذلك، فإنّ حساب وضبط المدخول اليومي من الكربوهيدرات يساعد مريض السكريّ على إدارة نسبة السكر في الدم، ما يساعد في الحفاظ على صحة المريض فترة أطول، ويُحسِّن نوعية الحياة، ويمنع أو يؤخّر مضاعفات السكري الخطيرة كأمراض الكلى والعيون والقلب وغيرها. وبما أنّ الكثير من الأسئلة حول مدخول الكربوهيدرات ما زال مربكاً للمرضى، سنجيب في هذا المقال عن الأسئلة الأكثر شيوعاً في هذا الخصوص بناءً على توصيات المنظمات الصحية العالمية.
العلاقة بين داء السكري والكربوهيدرات
عندما يأكل الناس طعاماً يحتوي على الكربوهيدرات، يحدث ما يلي:
- يهضم الجهاز الهضمي الكربوهيدرات القابلة للهضم ويحللها إلى سكر الجلوكوز الذي ينتقل عبر الدم.
- مع ارتفاع نسبة السكر في الدم، يفرز البنكرياس هرمون الإنسولين وهو هرمون يدفع الخلايا إلى امتصاص السكر للحصول على الطاقة أو تخزينه.
- عندما تمتص الخلايا سكر الدم، تبدأ مستوياته في الانخفاض وعندها يبدأ البنكرياس في إنتاج الجلوكاجون، وهو هرمون يرسل إشارات للكبد لبدء إطلاق السكر المخزّن.
- يضمن هذا التفاعل بين الإنسولين والجلوكاجون أنّ الخلايا في جميع أنحاء الجسم وخاصة في الدماغ، لديها إمدادات ثابتة من السكر اللازم لعملها.
لكن، ينشأ داء السكري عندما لا يستطيع الجسم إنتاج ما يكفي من الإنسولين أو لا يستطيع استخدام الإنسولين الذي يصنعه بشكل صحيح، هذا ما يجعل من الصعب ضبط نسبة السكر في الدم ضمن نطاق صحي، وهو أمر بالغ الأهمية لصحة المريض وبقائه على قيد الحياة.
لذلك، وبالنسبة لمرضى السكريّ، فإنّه وللتحكم في نسبة السكر في الدم لا بُدّ من التحكّم بكمية الكربوهيدرات التي يتناولها الشخص في وجبة واحدة. ثمة 3 أنواع رئيسية من الكربوهيدرات هي:
- الكربوهيدرات البسيطة: توجد بشكل طبيعي في الفاكهة والعسل ومنتجات الألبان وبعض الأطعمة المصنّعة كالحلوى. وبسبب تركيبها الكيميائي البسيط يتم هضمها بسهولة وسرعة، ما يؤدي إلى ارتفاع سريع في سكر الدم.
- الكربوهيدرات المعقّدة (النشويات): يستغرق الجسم وقتاً أطول في هضم أو تكسير النشويات مقارنة بالسكريات البسيطة، توجد النشويات في بعض الأطعمة مثل البطاطا والذرة والحبوب الكاملة والبقوليات والمعكرونة.
- الألياف: من السكريات المعقّدة لكنها غير قابلة للهضم، وهي لا ترفع مستوى السكر بالدم بل قد تبطئ من ارتفاعه، توجد في الأطعمة والفاكهة والخضروات والبقوليات والمكسرات والحبوب الكاملة.
اقرأ أيضاً: كل ما يهمك معرفته حول الفرق بين دوائي جانوميت وجلوكوفاج المُستخدمَين في علاج السكري
ما كمية الخبز المسموح بها لمرضى السكري؟
في الواقع لا توجد كمية تناسب الجميع أو لنقل رقم سحري يناسب الجميع، إذ تعتمد الكمية التي يمكنك تناولها من الخبز والبقاء في نطاق سكر الدم المستهدف على عمرك ووزنك ومستوى نشاطك والأدوية التي تتناولها وعوامل أخرى. يمكن أن يساعدك اختصاصي التغذية أو الطبيب المختص في إنشاء خطة طعام تناسب احتياجاتك الفريدة وأسلوب حياتك.
لكن، غالباً ما توصي الإرشادات الغذائية العالمية بأن تكون السعرات الحرارية اليومية التي يحصل عليها مريض السكري من الكربوهيدرات ما بين 45 إلى 65% من مجمل السعرات اليومية.
بشكل عام، يوصي المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن يكون المدخول اليومي لمريض السكري من الكربوهيدرات يساوي 45% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية على النحو التالي:
- للإناث: يوصي بـ3 إلى 4 حصص من الكربوهيدرات لكل وجبة، تُقدَّر الحصّة الواحدة بـ15 غراماً.
- للذكور: يوصي بـ4 إلى 5 حصص من الكربوهيدرات في الوجبة.
تعادل كمية من الكربوهيدرات المسموح بها في الوجبة ما بين 45 إلى 75 غراماً لكل وجبة. ينبغي التفريق بين الحصة والوجبة، بالحصة الواحدة من الكربوهيدرات تعادل 15 غراماً تقريباً، أمّا الوجبة هي ما يأكله الناس. على سبيل المثال، قد يظن معظم الناس أنّ حبة بطاطا صغيرة هي حصة واحدة، لكن وعندما يكون وزنها 30 غراماً، فإنها تمثل حصتين من الكربوهيدرات.
اقرأ أيضاً: علاج تجريبي واعد لمرض السكري يعيد للبنكرياس القدرة على إنتاج الإنسولين
يُنصَح بأن يتناول مريض السكري عدد وجبات ثابتاً في اليوم، وهي ثلاث وجبات رئيسية، ووجبتان خفيفتان أو وجبة خفيفة، وأن يأكل المريض نفس الكمية من الكربوهيدرات في كل وجبة رئيسية للحفاظ على مستويات السكر في الدم. وينبغي عند إعداد الوجبة تذكُّر أنّ الكربوهيدرات لا تأتي فقط من النشويات، إذ تحتوي العديد من الأطعمة الأخرى على كربوهيدرات بنسب مختلفة، كالألبان والفواكه وغيرها.
بالنسبة لكمية الخبز المسموح به، إن كان إجمالي الكربوهيدرات المسموح به على الغداء هو 59 غراماً أي نحو أربع حصص من الكربوهيدرات، يمكنك تناول شريحتين من خبز القمح الكامل بوزن 12 غراماً للشريحة الواحدة، وهو يعادل تقريباً حصتين من الكربوهيدرات، أما الحصتان الباقيتان، فتحصل عليهما من باقي الوجبة التي قد تشمل بروتيناً خالياً من الدهون كالدجاج أو لحم الديك الرومي أو البيض، مع الخضروات غير النشوية كالسلطة والبروكلي والقرنبيط والملفوف والجزر.
يمكنك أن تتناول على العشاء كوباً من الأرز البني وهو يعادل 45 غراماً من الكربوهيدرات، أي ثلاث حصص، أو استبدالها بثلاث شرائح من خبز القمح الكامل لوزن 12 غراماً الشريحة الواحدة. ويمكنك استكمال الوجبة بمصدر بروتيني غير دهني في الدجاج المشوي والخضار المطبوع للبخار أو غيرها.
أيهما أفضل لمريض السكر الأرز أم الخبز؟
إنّ تقسيم الكربوهيدرات إلى بسيطة ومعقّدة قد لا يفسّر بشكل كامل تأثير الكربوهيدرات على سكر الدم والأمراض المزمنة، لذلك تم اللجوء إلى ما يدعى بمؤشر نسبة السكر في الدم أو "المؤشر الجلايسيمي"، وهو مقياس مدرج من صفر إلى 100 يصف سرعة ومقدار ارتفاع مستوى السكر في الدم بعد تناول طعام محدد، وبناءً على هذا المؤشر قُسِّمت الأطعمة إلى ثلاثة أنواع:
- أطعمة ذات مؤشر جلايسيمي منخفض: يكون المؤشر 55 أو أقل.
- أطعمة ذات مؤشر جلايسيمي متوسط: يكون المؤشر من 56 إلى 69.
- أطعمة ذات مؤشر جلايسيمي مرتفع: يكون المؤشر من 70 الى 100، وهي تسبب ارتفاعاً قوياً في نسبة السكر في الدم.
إنّ الأطعمة النشوية المكررة مثل خبز الطحين الأبيض والأرز الأبيض هي أطعمة ذات مؤشر جلايسيمي مرتفع، إذ تُهضَم بسرعة وتسبب تقلبات كبيرة في نسبة السكر في الدم.
يبلغ المؤشر الجلايسيمي في خبز القمح الأبيض نحو 75، أمّا الرز الأبيض المسلوق نحو 73، لذلك قد يوصي الطبيب أو أخصائي التغذية الخاص بك بالتقليل قدر المستطاع من هذه الأطعمة، واستبدالها بخيارات أكثر صحية مثل الحبوب الكاملة، كالأرز البني والقمح والشوفان والكينوا والدخن. يُذكر أن المؤشر الجلايسيمي لخبز القمح الكامل والخبز العربي يتراوح ما بين 56 الى 69 لذلك قد يكون أفضل من الأرز الأبيض المسلوق.
اقرأ أيضاً: نصائح أخصائيي التغذية لتحسين نوعية النظام الغذائي الخاص بمرضى السكري
فوائد الخبز المحمص لمرضى السكري
على الرغم من أن الخبز يحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات، فإن مرضى السكري لا يزال بإمكانهم تناول الخبز ما لم ينصح الطبيب بخلاف ذلك، لكن مع ضرورة أن يكون الخبز من النوع الصحيح. توصي جمعية السكري الأميركية باختيار الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة كالشوفان أو النخالة أو حبوب القمح الكامل 100% بدلاً من الخبز الأبيض، فالخبز المحمص المصنوع من دقيق الشوفان أو النخالة له مؤشر جلايسيمي منخفض أي أقل من 55، كما يحتوي على نسبة عالية من الألياف التي تستطيع إبطاء معدل الهضم وتقليل ارتفاع معدل السكر في الدم بعد الأكل.
أفضل بدائل الخبز لمرضى السكري
إنّ جودة الكربوهيدرات أكثر أهمية للصحة العامة من الكمية التي نتناولها. يتم تقييم جودة الكربوهيدرات باستخدام مؤشر نسبة السكر في الدم ومحتوى الألياف وغيرها. وبشكل عام، يمكنك اختيار الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف والحبوب الكاملة بدلاً من الكربوهيدرات المكررة كالخبز الأبيض، كما يمكن الاعتماد بشكل أكبر على تناول البطاطا الحلوة والفاصولياء والعدس والبقوليات والخضروات غير النشوية. وفي حالة أردت صناعة الخبز في البيت، فيمكنك أن تعتمد على المكونات الغنية بالألياف والبروتين والدهون مثل بذور الكتان وبذور الشيا ونخالة القمح والشوفان.
كما يمكن الاعتماد على الخبز متعدد الحبوب الذي يحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات لكنه يحتوي على نسبة عالية من الألياف، قد يحتوي هذا النوع من الخبز على الشوفان والكينوا والحنطة السوداء والقمح الكامل والأرز البني والنخالة والشعير. بالإضافة إلى ذلك، فإن أفضل خبز صديق لمريض السكري هو الخبز الذي لا يحتوي على دقيق أو حبوب، مثل الخبز المصنوع من دقيق اللوز ودقيق جوز الهند وبذور الكتان، لكن يجب التحقق من القيمة الغذائية لهذه الأنواع قبل تناولها، فقد تحتوي على سعرات حرارية أعلى لذلك يجب تقليل الكمية المتناولة منها.
اقرأ أيضاً: الإجراء الروتيني لمريض السكري: كل ما تريد معرفته عن فحص السكر
بشكل عام، إن لم يطالب الطبيب أو اختصاصي التغذية بضرورة استبعاد الخبز ومنتجاته من النظام الغذائي، فقد يكون الخبز منخفض الكربوهيدرات أو المصنوع من الحبوب المتعددة أو الحبوب الكاملة هو أفضل الخيارات، ويعدّ الاستمرار في ممارسة التمارين الرياضية وتناول الأدوية الموصوفة مع الحمية الغذائية الصحيحة هو ما يضمن بقاء سكر الدم في حدود آمنة.