لقد أتى الشتاء، وكذلك التحدي المتمثل في الحفاظ على لياقتك وصحتك، حيث يتجنب العديد من الأشخاص ممارسة الرياضة في الهواء الطلق عندما تنخفض درجة الحرارة، خوفاً من إصابتهم بنزلة برد أو تفاقم حالتهم الحالية. لكن هل هذا الخوف مبرر؟ وكيف يمكنك ممارسة الرياضة في الطقس البارد دون المساس بجهازك المناعي أو راحتك؟
مخاطر ممارسة الرياضة في الجو البارد
يتمحور الخوف من ممارسة الرياضة في الطقس البارد سواء في الداخل أو الخارج من الإصابة بالمشكلات الصحية المرتبطة بانخفاض درجات الحرارة، وهي:
- لسعة الصقيع: هي تهيج جلدي سطحي فقط، لا يسبب مشكلة أو ضرراً دائماً، فبمجرد الانتقال إلى مكان أكثر دفئاً، ستكون على ما يرام.
- قضمة الصقيع: هي الضرر الفعلي للجلد والأنسجة تحت الجلد نتيجة التعرض للهواء المتجمد، حيث يتجمد الجلد والأعصاب والأنسجة في المناطق المكشوفة مثل أصابع اليدين والقدمين. يترافق كلٌّ من لسعة وقضمة الصقيع بالخدر في الأطراف نتيجة عدم وصول الدم إليها، لأن الجسم يرسل المزيد من الدم إلى الأعضاء الحيوية لحمايتها، ما يضعف الدورة الدموية في الأطراف. فإذا كنت تشك في الإصابة بقضمة الصقيع، ينبغي لك استشارة الطبيب.
- انخفاض حرارة الجسم: هي حالة صحية خطيرة تنتج عن انخفاض درجة حرارة الجسم إلى ما دون 35 درجة مئوية بسرعة أكبر مما يستطيع الجسم إعادة رفعها، بسبب التعرض للهواء أو الماء المتجمد فترات طويلة. ومن أعراضها الرعشة والتلعثم وبطء التنفس والارتباك العقلي.
- الجفاف: على الرغم من أن التعرق هو آلية مهمة لتنظيم درجة حرارة الجسم في أثناء ممارسة التمارين الرياضية، فإن البرد يمكن أن يمنع إشارات العطش الناجم عن فقدان سوائل الجسم، ما يؤدي إلى الجفاف. كما وجدت الدراسة المنشورة في دورية الطب والعلوم في الرياضة والتمرين (Medicine & Science in Sports & Exercise)، أن الأوعية الدموية تنقبض لسحب المزيد من الدم إلى القلب، ما يؤدي لتقليل إفراز الهرمون المنظم للسوائل (أرجينين فاسوبريسين)، وتنخفض مؤشرات الشعور بالعطش بنسبة تصل إلى 40%.
- مشكلات المجاري التنفسية: غالباً ما يكون الهواء البارد جافاً، فيبذل الجسم جهداً لترطيبه، ما قد يسبب تهيج الممرات التنفسية، وهي حالة تُعرف بالتشنج القصبي، حيث تضيق الممرات الهوائية، وتُصاب بضيق النفس، والسعال أو الصفير. يمكن أن تكون شدة الحالة أسوأ بالنسبة لأولئك الذين يعانون أمراض الرئة المزمنة، مثل الانسداد الرئوي المزمن أو الربو، والتهاب الشعب الهوائية.
- نزلات البرد والإنفلونزا: على الرغم من أن درجات الحرارة المنخفضة في حد ذاتها لا تسبب نزلات البرد أو الإنفلونزا بشكلٍ مباشر، فإن هناك عدة أسباب تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بها في الطقس البارد، بما في ذلك:
- يحفّز الهواء البارد والجاف فيروسات الأنف (Rhinovirus) المسببة لنزلة البرد وإصابة الأغشية المخاطية في الأنف والرئتين. حيث أشارت الدراسة المنشورة في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، إلى أن فيروسات الأنف تكون أكثر كفاءة في استنساخ نفسها عندما تكون درجة حرارة التجويف الأنفي (33-35 درجة مئوية)، أي أخفض من درجة حرارة الجسم الأساسية (37 درجة مئوية).
- قد يؤدي انخفاض درجات الحرارة إلى تقليل قدرة الجهاز المناعي على مكافحة العدوى. فقد أفاد البحث المنشور في مجلة الحساسية والمناعة السريرية (The Journal of Allergy and Clinical Immunology)، بانخفاض الاستجابة المناعية بشكلٍ ملحوظ عند درجات الحرارة المنخفضة
- يزيد الاختلاط والتلامس ما بين الأفراد في الأجواء المغلقة في فصل الشتاء، ما يزيد من فرص انتقال العدوى وانتشارها.
اقرأ أيضاً: ما مخاطر ممارسة التمارين الرياضية في موجات الحر؟ نصائح للبقاء آمناً
نصائح لممارسة التمارين الرياضية في درجات الحرارة المنخفضة
لا يمنع الطقس البارد من ممارسة الرياضة، حيث يمكن مراعاة ما يلي:
1. ارتداء الملابس في عدة طبقات
قد يكون من المفيد ارتداء الملابس في عدة طبقات لدرء الجسم من التعرض للرياح الباردة، التي تسحب حرارة الجسم معها، إلّا أن هناك دوراً مهماً أيضاً لطريقة ترتيب تلك الطبقات. وإليك الترتيب الأنسب الذي يوصي به طبيب الطب الرياضي ستيفن إريكسون (Steven Erickson):
- ابدأ بطبقة من الأقمشة الصناعية، مثل البوليستر والنايلون والبولي بروبيلين، والمصممة لتجف بسرعة. وتجنب ارتداء الأقمشة القطنية في الطبقة الملامسة للجلد، لأنها تمتص العرق وتبقى رطبة، ما قد يكون سبباً في الفقدان السريع لحرارة الجسم، ويعرّضك لخطر الإصابة بانخفاض درجة حرارة الجسم، نظراً لأن الماء موصل فعّال للحرارة، أي يمكنه نقل الحرارة بعيداً إلى مكان أكثر جفافاً.
- الطبقة الوسطى: لعزل الجسم وحبس الحرارة، ينبغي ارتداء طبقة أثقل، مثل الصوف.
- الطبقة الخارجية: يمكن ارتداء طبقة ثالثة مقاومة لمياه الأمطار والثلوج، وللتدفئة أيضاً.
ومع ذلك، من الواجب التخلص من إحدى الطبقات بمجرد ارتفاع درجة حرارة الجسم، وارتدائها لاحقاً إذا شعرت بالبرد مرة أخرى. على وجه العموم، يختلف عدد الطبقات الممكن ارتداؤها باختلاف طبيعة التمرين. على سبيل المثال، يحتاج العدّاؤون إلى طبقات أقل من المشاة لأنهم ينتجون حرارة أكثر.
2. حماية الأطراف الأربعة
في الأجواء الباردة تصبح الأطراف أكثر النقاط برودة في الجسم، لأن الدم يتحول عنها إلى القلب، ما يتركها بحرارة أقل ويزيد من خطر الإصابة بقضمة أو لسعة الصقيع. لذا يوصي المدرب الرياضي ريان كونكل (Ryan Konkel) بارتداء ما يلي:
- قبعة مصنوعة من قماش يمتص الرطوبة.
- القفازات الرفيعة، يليها زوج من القفازات الثقيلة أو القفازات المبطنة بالصوف.
- زوجان من الجوارب: أحدهما من النايلون والآخر من الصوف.
3. الإحماء
تتطلب ممارسة الرياضة في درجات الحرارة المنخفضة زيادة مدة تمارين الإحماء فترات أطول منها في ظروف الحرارية العادية، على أن تتضمن حركات منخفضة الشدة وتحاكي التمارين الأساسية التي أنت على وشك القيام بها، مثل القرفصاء (السكوات) والهرولة في المكان، وأرجحة الذراعين. حيث يزيد الإحماء من تدفق الدم إلى العضلات، ويقلل من تأثير البرودة.
اقرأ أيضاً: إليك أهم النصائح والتمارين لزيادة مرونة الجسم ورشاقته
4. التنفس عبر وشاح
لترطيب الهواء البارد والجاف في أثناء التنفس، يمكن لف منديل أو وشاح أو قناع وجه قماشي حول الفم. تساعد هذه الطبقة على حبس بخار الماء في الزفير، وترطيب الهواء خلال التنفس.
اقرأ أيضاً: إليك تقنيات التنفس الصحيحة في أثناء ممارسة التمارين الرياضية وفوائدها الصحية
5. شرب الماء
بينما قد لا يشعر البعض بالعطش في درجات الحرارة المنخفضة، إلّا أن الجسم يفقد السوائل خلال العرق والتنفس، ولا بُدَّ له من تعويضها بشرب الماء، وارتشاف الماء أو مشروب رياضي في أثناء التمرين.
6. توجه مع الرياح
إذا كنت تمارس نشاطاً بدنياً في الخارج، حاول ألّا تقاوم برد الرياح، واحتفظ بها خلف ظهرك، أي دعها تدفعك للأمام، لتجنب فقدان حرارة الجسم عندما تكون متعرقاً.
على وجه العموم، إذا كنت تعاني حالة صحية مزمنة مثل الربو أو مشكلات في القلب أو الدورة الدموية، ينبغي التحدث إلى الطبيب قبل ممارسة الرياضة في الظروف الجوية الباردة، لتقديم النصائح والإرشادات المناسبة لحالتك والتي تحميك من الإصابة.