لماذا لا يزيد وزن البعض رغم أكل كميات كبيرة من الطعام؟

لماذا لا يزيد وزن البعض رغم أكل كميات كبيرة من الطعام؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Lisa-S
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل لاحظت أن هناك أشخاصاً بالكاد يمشون من غرفة لأخرى، ويمكنهم تناول أضعاف ما تتناوله دون أدنى شعور بالذنب أو القلق من زيادة الوزن، بينما يعاني آخرون بالفعل زيادة في الوزن على الرغم من أنهم يفعلون كل شيء بشكلٍ صحيح من منظور السعرات الحرارية، والرياضة المنتظمة والكثيفة، لكن جهودهم لا جدوى لها؟ ماذا يكمن وراء هذه الظاهرة؟ هل هو خطأ في حساب توازن السعرات الحرارية أم أن ثمة سراً آخر؟

استطاعت دراسة نُشرت في دورية وقائع مايو كلينيك (Mayo Clinic Proceedings) إيجاد السر، والذي لم يكن جينياً أو لاضطرابات في الغدة الدرقية كما هو متوقع، بل هو أحد عناصر الهرم الأيضي، ويُسمى التوليد الحراري دون تمارين (NEAT).

التمثيل الغذائي

تكون خلايا الجسم في حالة عمل متواصل مهما كان النشاط الذي تمارسه، سواء كان مشياً أو ركوب دراجة، أو تفكيراً بعملية حسابية معقدة، أو حتى النوم العميق. لاستمرار الخلايا في أداء وظائفها على أكمل وجه لا بُدّ من توفر طاقة كافية تأتي من الغذاء والمشروبات من خلال عملية تُعرف بالأيض أو التمثيل الغذائي.

إذاً، التمثيل الغذائي هو العملية التي تقوم بها خلايا الجسم باستخدام الهرمونات والإنزيمات لتحويل السعرات الحرارية من الطعام إلى طاقة لوظائف الجسم، وكذلك استخدام الطاقة لتنفيذ جميع عمليات الحفاظ على الحياة.

بعبارةٍ أخرى، يتحكم الأيض الخاص بك بمقدار الطاقة التي يستخدمها الجسم لأداء وظائفه. وفقاً للتعريف، يُقسّم الأيض إلى عمليتين رئيسيتين تحافظان على توازن الجسم، هما:

  • التهديم: وهي عملية تحطيم المكونات الغذائية الأساسية للغذاء، من كربوهيدرات ودهون وبروتينات، إلى مكوناتها البسيطة لتأمين الطاقة ووحدات البناء الأساسية.
  • الابتنائية: هي المرحلة التي تستخدم فيها الخلايا الطاقة والمواد الناتجة عن مرحلة التهديم للنمو والإصلاح والعمل.

معادلة السعرات الحرارية لتحديد الوزن

يعتمد وزن الجسم على التوازن ما بين عدد السعرات الحرارية المستهلكة والتي يتم حرقها وتلك التي تبقى للتخزين، كما يلي:

  • إذا كنت تحرق سعرات حرارية أكثر مما تستهلك ستفقد الوزن.
  • إذا كنت تحرق سعرات بقدر مماثل لما تستهلكه، ستحافظ على وزنك ثابتاً.
  • عندما تحرق سعرات حرارية أقل مما تستهلك سيزداد وزنك.

يتأثر هذا التوازن بمجموعة من العوامل، يمكن تمثيلها ضمن ما يُعرف بالهرم الأيضي.

اقرأ أيضاً: كيف تسرع عملية الأيض في جسمك؟

الهرم الأيضي

يتكون الهرم الأيضي من أربعة مكونات تشكّل إجمالي نفقات الطاقة اليومية (Total Daily Energy Expenditure) أو اختصاراً (TDEE)، وهي:

  • معدل الأيض الأساسي BMR.
  • التوليد الحراري بالأنشطة غير الرياضية (NEAT).
  • التوليد الحراري الناتج عن الأنشطة الرياضية (EAT).
  • التأثير الحراري للغذاء (TEF).

إجمالي استهلاك السعرات الحرارية (TDEE)= BMR+ NEAT+ EAT+ TEF

اقرأ أيضاً: عن فشل الأيض: كيف يتكون “الكرش”؟

معدل الأيض الأساسي

معدل الأيض الأساسي (Basal Metabolic Rate)، أو اختصاراً BMR، وهو عدد السعرات الحرارية التي يحتاج إليها جسمك لإنجاز وظائفه الأساسية في حالة الراحة، للتنفس والحفاظ على الحياة. يستخدم BMR لتحليل مدى نشاط نظام التمثيل الغذائي.

عموماً، يعادل BMR نحو 60% من إجمالي استهلاك السعرات الحرارية في اليوم. على سبيل المثال، إذا كان TDEE مساوياً لـ 2000 سعرة حرارية، فسيصل معدل الأيض الأساسي الخاص به إلى 1200 سعرة حرارية. تتأثر قيمة BMR بمجموعة من العوامل، ومنها:

  • وزن الجسم: كلما زاد الوزن زادت متطلبات الجسم من السعرات الحرارية.
  • تكوين الجسم: تستهلك العضلات طاقة أكثر من الدهون.
  • الجنس: النساء أقل استهلاكاً للسعرات الحرارية من الرجال.
  • العمر: ينخفض ​​معدل التمثيل الغذائي بشكلٍ طبيعي مع التقدم في العمر، بمعدل 2-3% كل عقد بسبب انخفاض الكتلة العضلية.
  • عوامل وراثية.

اقرأ أيضاً: عن الأيض الفائق: كيف تحرق دهون جسمك؟

التوليد الحراري للأنشطة الرياضية

التأثير الحراري للأنشطة الرياضية (Exercise Activity Thermogenesis)، أو اختصاراً (EAT)، هو عدد السعرات الحرارية التي يمكن حرقها بممارسة التمارين الرياضية. عادة ما تستهلك تمارين الكارديو ورفع الأوزان الكمية الأكبر من السعرات الحرارية، لكن بشكلٍ عام تتفاوت القيمة وفقاً لمدة التدريب وشدته.

يمكن للتمارين الرياضية أن تسهم بنحو 12% من إجمالي استهلاك السعرات الحرارية في اليوم.

اقرأ أيضاً: ما مقدار التمارين الرياضية التي يجب أن نمارسها حتى نحافظ على لياقتنا؟

التأثير الحراري للغذاء

التأثير الحراري للغذاء (Thermic Effect of Food) أو اختصاراً (TEF)، هو كمية السعرات الحرارية التي يستهلكها الجسم لهضم الطعام وامتصاص مكوناته. تستهلك عدة أغذية سعرات حرارية أكثر من غيرها ليتم هضمها، مثل الأغذية الغنية بالبروتين، إذ يستهلك الجسم المزيد من الطاقة لتفكيك البروتينات.

يعادل (TEF) نحو 6% من إجمالي استهلاك السعرات الحرارية في اليوم.

اقرأ أيضاً: «لحم الفقراء»: ما فوائد البقوليات لصحة الجسم؟

التوليد الحراري بالأنشطة غير الرياضية

التأثير الحراري للأنشطة غير الرياضية (Non-exercise Activity Thermogenesis)، أو اختصاراً (NEAT)، هو عدد السعرات الحرارية التي ينفقها الجسم أثناء أنشطة يومية عفوية، لا تتعلق بالتمرينات البدنية. على سبيل المثال، الطاقة التي تنفقها أثناء:

  • المشي إلى العمل.
  • تنظيف المنزل.
  • التململ أثناء الجلوس (هز الرجل أو تحريك القلم أو النقر بأطراف أصابعك).
  • حمل البقالة.
  • تمشية الكلب.
  • صعود السلالم.

وفقاً لدراسة أجريت عام 2000 ونشرت في المجلة الأميركية للتغذية السريرية (The American Journal of Clinical Nutrition)، يمكن حرق ما يصل إلى 120 سعرة حرارية في الساعة من خلال “التململ”، مقارنة بـ 80 سعرة حرارية في الساعة في حالة الجلوس دون حراك، وبينما تعتقد بأنه ليس بالرقم الكبير، فإن هذا الرقم تراكمي؛ أي أنه خلال 8 ساعات من الجلوس وممارسة أنشطة التململ العفوية يمكن حرق نحو 960 سعرة حرارية.

كيف يساعد التأثير الحراري للأنشطة غير الرياضية على فقدان الوزن؟

وفقاً للدراسة، فإن ما يميّز أولئك الذين لا يكتسبون وزناً عمن يكتسبونه بسرعة على الرغم من تناولهم الكميات ذاتها من الطعام، هو الانخراط في أنشطة بسيطة ومتكررة. يمكن لمَن يتمتع بمستويات أنشطة NEAT عالية أن يحقق عجزاً في السعرات الحرارية، بين مدخوله من السعرات وما يتم حرقه، دون الحاجة لتقليل المدخول أو إرهاق الجسم بالمزيد من التمارين الرياضية. فكيف ذلك؟

تعوق الأنشطة غير الرياضية والعفوية الجسم عن الدخول في حالة خمول أو ما يُعرف بالأيض الاستراحي (Resting metabolic) الناتج عن الجلوس حتى ولو لمدة 10 دقائق. تعادل NEAT نحو 22% من إجمالي استهلاك السعرات الحرارية في اليوم.

بشكلٍ عام، تختلف قيمة NEAT استناداً إلى بيانات إنفاق الطاقة، باختلاف أنماط الحياة والنشاط. على سبيل المثال، يمكن لمَن يعمل في مكتب أن يحرق من خلال الأنشطة المرتبطة بـ NEAT نحو 400-500 سعرة حرارية، مقارنة بما يصل إلى 2000 سعرة حرارية لدى عامل في المجال الزراعي، بالطول والوزن وتكوين الجسم نفسه.

اقرأ أيضاً: هل يمكن الحصول على فوائد التمارين الرياضية دون ممارستها؟ دراسة جديدة قد ترجح الإجابة بـ «نعم»

لمجرد أنه يمكن لأنشطة NEAT أن تحرق المزيد من السعرات الحرارية، لا يعني أنها بديل للتمارين الرياضية، بل هي وسيلة دفاعية لتعزيز فوائد النشاط البدني. عوضاً عن ذلك، يجب الاستمرار في التدريبات المنتظمة، ودمج NEAT في الروتين اليومي لتعظيم المكاسب الصحية واللياقة البدنية.