العلماء حلوا اللغز : لماذا لم تعد الطماطم خطراً على صحتنا كما في الماضي؟

3 دقيقة

كان البشر يعتقدون قديماً أن الطماطم ثمار سامة، ووجودها اليوم ضمن قائمة الأطعمة التي نتناولها لا ينفي أنها تحتوي على مركبات سامة على أي حال. فلماذا نأكلها إذاً؟

الطماطم: من حكم بالإعدام إلى مكون مائدة أساسي

كانت الطماطم في يوم من الأيام بمثابة حكم بالإعدام، أو على الأقل، هذا ما كان يعتقده العديد من الأوروبيين بين القرنين السادس عشر والثامن عشر. وعلى الرغم من أنها تنتمي بالفعل إلى فصيلة النباتات الباذنجانية أو ما يسمى الباذنجانيات (Solanaceae)، فإن تلك "التفاحات السامة" لم تكن تسمم الأرستقراطيين الذين كانوا يأكلونها. وبدلاً من ذلك، من المفهوم الآن أن الطماطم شديدة الحموضة كانت تميل إلى امتصاص الرصاص الموجود في الأطباق المصنوعة من البيوتر (الذي يشكل القصدير النسبة العظمى منه) ما أدى إلى نتائج مميتة للعديد من رواد المطاعم.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الطماطم النيئة والمطبوخة؟ ومتى يجب أن تتناول كلاً منهما؟

لكن هذا لا يغير من حقيقة أن الطماطم، شأنها شأن أشقائها من الفصيلة الباذنجانية، لا تزال تنتج القلويدات السكرية (glycoalkaloids) الستيرويدية السامة خلال دورات حياتها. فلماذا يجوز إذاً تناول شطيرة اللحم المقدد مع الخس والطماطم في حين لا يجوز تناول التوت الذي يُعتقد أنه قتل الإمبراطور الروماني أغسطس؟

تحولات جينية حولت الطماطم لغذاء غير سام

توصل باحثون في جامعة سيتشوان الصينية مؤخراً إلى حقيقة هذه المسألة الكيميائية. وتشير النتائج التي توصلوا إليها، كما توضح دراستهم في مجلة "ساينس أدفانسز" (Science Advances)، إلى "شبكة معقدة على الصعيد الجيني والتخلّق المتوالي" من التحولات التي تسمح للبشر والعديد من الحيوانات بتناول الطماطم دون خوف.

تطورت القلويدات السكرية الستيرويدية في النباتات الباذنجانية للدفاع ضد الآفات. ويؤدي تناول كمية أكثر من اللازم قليلاً من هذا الجزيء إلى مذاق مرّ غير مستحب. وعند تناول القلويدات السكرية الستيرويدية بكميات كبيرة بما فيه الكفاية، يمكنها أن تحفز مجموعة من الأعراض الأخطر بكثير، بما في ذلك الإحساس بالحرقة والغثيان والتشنجات وتباطؤ النبض والتنفس، بالإضافة إلى آفات المعدة والنزيف الداخلي.

لكن الباذنجانيات تتطلب تكاثر البذور شأنها شأن أي عائلة نباتية أخرى، وغالباً ما يتحقق ذلك على أفضل وجه من خلال أكل الحيوانات لثمارها وهضم العناصر الغذائية وترك البذور في أكوام من السماد الطبيعي. لذا، فإن الباذنجانيات مثل الطماطم، تحتاج في مرحلة ما من عملية نضجها إلى حساب مستويات القلويدات السكرية الستيرويدية السامة. لكن الفترة الزمنية التي حدث فيها ذلك، والآلية التي تسببت بحدوث ذلك، ظلتا لغزاً فترة طويلة.

اقرأ أيضاً: لماذا تحدث التغيرات اللونية في الطماطم؟ وهل من الآمن تناولها بعدها؟

وقد تمكن الباحثون بقيادة عالم الأحياء فنغ باي الآن من تحديد الأنظمة الجزيئية المسؤولة عن هذه المرحلة الانتقالية المهمة في تاريخ الطماطم. ولفعل ذلك، عمدوا إلى تحليل بيانات تسلسل ثنائي كبريتات الجينوم الكامل (WGBS) وتلاعبوا بالخصائص الجينية للطماطم لحجب بروتينات معينة، وكشفت النتائج أن المواد الكيميائية نفسها التي تتسبب في نضج الطماطم لتصبح ثماراً أكثر احمراراً ونعومة وحلاوة تعمل أيضاً على تحلل القلويدات السكرية السامة إلى مركب إسكوليوسيد أيه (esculeoside A) الأقل سمّية.

ووفقاً للإعلان المرافق للدراسة في 21 فبراير/شباط، فقد ركزوا بصورة خاصة على البروتين دي إم إل 2 (DML2) الذي "يسمح لآلية قراءة الجينات في الخلية بالوصول إلى الجينات المشاركة في إيقاف السموم عن طريق إزالة مجموعات الميثيل، التي تؤدي دور إشارات جزيئية، من جزء معين من الكروموسوم الجيني".
تُعرف هذه العملية باسم نزع الميثيل وهي عملية حيوية في جعل الطماطم صالحة للأكل. ومع ذلك، عندما تعرض البروتين دي إم إل 2 للحظر، حافظت نباتات الطماطم على المستويات العالية نفسها من القلويدات السكرية الستيرويدية خلال مرحلة نضج الثمار.

وبعد مقارنة المعلومات الوراثية مع نباتات أخرى مشابهة، اكتشف فريق باي أن عملية نزع الميثيل الموجهة للبروتين دي إم إل 2 في الطماطم قد ازدادت وتيرتها مع تعلم البشر كيفية تقبّل الطماطم على موائدهم وتدجينها على مدى القرون القليلة الماضية. لكن مع استمرار الطماطم في طرح ثمار أكبر حجماً وأكثر احمراراً وحلاوة، فإنها تُظهر أيضاً مستويات أقل بصورة متزايدة من جينات القلويدات السكرية الستيرويدية. هكذا يمكننا حتى أن نقلي الطماطم الخضراء ونستمتع بأكلها دون أن نخاف من الموت بسبب تلك "التفاحات السامة" الأسطورية.

ومع ذلك، فإن مدى تقبّلك لتناول الأجزاء اللبّية للطماطم اليوم، يظل مسألة تتعلق بالذوق فحسب.

المحتوى محمي