ما مخاطر شرب الحليب غير المبستر؟

4 دقيقة
ما مخاطر شرب الحليب غير المبستر؟
ارتفعت مبيعات الحليب الخام (غير المبستر) على الرغم من أن خبراء الصحة حذروا من أن هذا الحليب قد يحتوي على كميات كبيرة من فيروس إنفلونزا الطيور، إلى جانب العديد من مسببات الأمراض الأخرى. ديبوزيت فوتوز

أثارت التقارير الأخيرة التي أبلغت عن العثور على فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1) في حليب البقر تساؤلات حول أمان إمدادات الحليب في الولايات المتحدة. وفقاً لإدارة الغذاء والدواء الفيدرالية، الحليب آمن ما دام مبستراً. مع ذلك، ارتفعت مبيعات الحليب الخام (غير المبستر) على الرغم من أن خبراء الصحة حذروا من أنه قد يحتوي على كميات كبيرة من الفيروس، إلى جانب العديد من العوامل الممرضة الأخرى. بصفتي عالمة في مجال التغذية الإرشادية في ولاية يعد بيع الحليب الخام فيها قانونياً، فأنا أقدم الدعم الفني لمساعدة المعالجين على إنتاج الأغذية الآمنة والعالية الجودة من الحليب. أود أيضاً أن أساعد الناس على فهم التعابير الغامضة المتعلقة بطرق البسترة التي توجد على ملصقات عبوات الحليب، وعلى فهم الأسباب التي تدفع الخبراء إلى التوصية بشدة بتجنّب استهلاك الحليب الخام والمنتجات المصنوعة منه.

اقرأ أيضاً: فوائد لا تتوقعها لإضافة الحليب إلى فنجان قهوتك اليومي


تشمل مصادر الحليب المختلفة عن مصادر البيع بالتجزئة المزارع التي تبيع الحليب للزبائن وتلك التي تسلّمه إلى العملاء مباشرة، ويمكن أن يُستخدم الحليب الخام على أنه علف تجاري. الخريطة: ذا كونفرنسيشن، حقوق الملكية الفكرية المشتركة (CC BY). المصدر: حقائق عن الحليب الخام، احصل على البيانات ونزّل الصورة التي أُنشئت عبر داتا رابر (Datawrapper).

ما العوامل التي تجعل الحليب غير آمن؟

هناك مخاطر كامنة لاستهلاك منتجات الحليب، مثل العديد من الأطعمة، التي يمكن أن تتسبب بمجموعة متنوعة من الأمراض وحتى الموت. نحصل على الحليب الذي نستهلكه من الحيوانات التي ترعى في أماكن مفتوحة وتعيش في الحظائر. يُنقل الحليب من المزارع إلى مصانع المعالجة في شاحنات الصهاريج. هناك الكثير من الطرق التي يمكن أن يتلوّث بها الحليب في هذه الأوساط بالعوامل الممرضة التي تتسبب بالأمراض والكائنات الحية التي تفسد الطعام. على سبيل المثال، توجد الليستيريا المولدة للوحيدات في مصادر بيئية مثل التربة والمياه. تتسبب الالتهابات الخفيفة المترافقة مع داء الليستريات بأعراض تشبه أعراض الإنفلونزا. للأسف، الحالات الأخطر من هذه الالتهابات رائجة للغاية ويمكن أن تتسبب بالإجهاض لدى النساء الحوامل وحتى الوفاة في الحالات المتطرفة.

تشمل مسببات الأمراض الأخرى المرتبطة عادة بالحيوانات المنتجة للحليب والحليب الخام الإشريكية القولونية التي يمكن أن تتسبب بالتهابات حادة في الجهاز الهضمي وقد تؤدي إلى تلف الكلى، والبكتيريا المنثنية التي تعد السبب الأكثر شيوعاً لمرض الإسهال في الولايات المتحدة، والسالمونيلا التي تتسبب بآلام البطن والإسهال وأعراض أخرى.

اقرأ أيضاً: كيف تُستخدم الروبوتات المغناطيسية الصغيرة في بسترة الحليب؟

الحفاظ على أمان المشروبات بالحرارة

اكتشف عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي، لويس باستور، في ستينيات القرن التاسع عشر أن تسخين بعض المشروبات الروحية يقتل الكائنات الحية التي تتسبب بفسادها، وكانت مشكلة فساد هذه المشروبات كبيرة في فرنسا خلال ذلك الوقت. اعتُمدت عملية التسخين هذه، التي أُطلق عليها اسم "البسترة"، في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، في الفترة التي كان الحليب فيها يتسبب بنسبة 25% من حالات تفشي الأمراض المنقولة بالغذاء في البلاد. فرضت الحكومة الأميركية الفيدرالية في عام 1973 بسترة الحليب الذي يُباع عبر حدود الولايات، وحظرت بيع الحليب الخام بين الولايات في عام 1987.

تُسخّن في عملية البسترة جزيئات الطعام إلى درجة حرارة معينة خلال فترة زمنية وعلى نحو متواصل بهدف قتل العوامل الممرضة الأكثر مقاومة للحرارة المعروفة بأنها توجد في المنتج. تختلف استجابة الكائنات الحية للحرارة باختلاف نوعها، ما يولّد الحاجة إلى إجراء دراسات علمية مضبوطة لتحديد مدة التسخين اللازمة ودرجة الحرارة المطلوبة لقتل كل كائن حي. أجريت عملية البسترة في الولايات المتحدة منذ عام 1924 وفقاً لما نص عليه مرسوم الحليب المبستر من الدرجة أيه (Grade “A” Pasteurized Milk Ordinance)، وهو وثيقة توجيهية فيدرالية تُحدّث كل عامين لتتوافق مع أحدث الأدلة العلمية التي اعتمدتها الولايات الأميركية جميعها. يجب أن تستوفي معدات البسترة في الولايات المتحدة متطلبات صارمة تشمل التصميم الصحي وضوابط السلامة ومعايير المواد.

مزارع يفرّغ علب الحليب لمعالجتها في معمل ألبان تعاوني في شرق بلدة بيركشير في ولاية فيرمونت الأميركية بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1941. جاك ديلانو، وكالة الخدمات الزراعية/مكتبة الكونغرس

طرق البسترة

يستطيع مصنّعو منتجات الحليب اتباع عدة طرق مختلفة للبسترة. تؤدي هذه الطرق جميعها إلى النتيجة نفسها عند تنفيذها على النحو الصحيح، وهي حليب خالٍ من العوامل الممرضة. قد يعالَج الحليب عند درجات حرارة أعلى أو خلال فترات أطول لتوفير درجة أعلى من الأمان، أو لتقليل كمية البكتيريا التي يمكن أن تتسبب بتلف الحليب، ما سيزيد مدة صلاحية المنتج. تُستخدم أحواض البسترة، التي تسمى أيضاً "أجهزة البسترة على دفعات"، غالباً في المعامل الصغيرة الحجم التي تعالج كميات محدودة.

اقرأ أيضاً: قريباً: اللحوم المستزرَعة مستقبل الصناعات الغذائية المستدامة

يضخ الخبراء الحليب إلى خزان ذي درجة حرارة مضبوطة يحتوي على أداة تحريك ويسخّنونه إلى درجة حرارة لا تقل عن 63 درجة مئوية، ثم يخزّنونه في هذه الخزانات مدة 30 دقيقة. بعد ذلك، يُبرَّد الحليب ويُضخ خارج الخزانات. الطريقة الأكثر شيوعاً المستخدمة لبسترة الحليب التجاري هي البسترة المرتفعة الحرارة القصيرة المدّة، التي تمكن وفقها معالجة كميات كبيرة من الحليب. يُضخ الحليب وفق هذه الطريقة عبر سلسلة من الصفائح الرقيقة بسرعة مرتفعة حتى تصل درجة حرارته إلى 71 درجة مئوية على الأقل. بعد ذلك، يمر الحليب عبر أنابيب احتجاز مدة 15 ثانية، ويُبرّد وتُضبط درجة حرارته تلقائياً لضمان سلامته.

أجهزة البسترة الفائقة وأجهزة البسترة ذات درجة الحرارة المرتفعة للغاية هي من الأنظمة الأعقد والأكثر تكلفة، ويمكن باستخدامها بسترة الحليب في ثوانٍ معدودة عند درجات حرارة أعلى من 140 درجة مئوية. يؤدي اتباع هذه الطرق إلى القضاء على العديد من الكائنات الحية المُفسدة، ما يزيد مدة صلاحية الحليب بمقدار أكبر من الطرق الأخرى، لكن المنتجات التي تُعالج وفقها تتمتع بنكهة الحليب المطبوخ أحياناً. تُطبّق البسترة عند درجات الحرارة المرتفعة للغاية في وسط معقم وتُعبّأ منتجاتها في عبوات معقمة، مثل الصناديق الكرتونية والحافظات المبطّنة. يمكن تخزين هذه المنتجات مدة تصل إلى سنة قبل فتح عبواتها، وتجعل هذه العبوات استهلاك الأطفال للحليب في وجبات الغداء يومياً في المدرسة آمناً.

فيروس إنفلونزا الطيور في الحليب

يمثّل اكتشاف أجزاء من فيروس إنفلونزا الطيور في الحليب مشكلة جديدة بالنسبة لقطاع منتجات الحليب. لا يعلم العلماء بعد المخاطر جميعها التي يتعرض لها البشر، ولكنهم يعملون على اكتشافها.

اقرأ أيضاً: 5 علامات تكشف الغذاء المجمد الفاسد دون تذوقه

بيّنت الأبحاث التي أجريت حتى الآن أن جزيئات الفيروس تصل إلى حليب الأبقار المصابة به، لكن البسترة تؤدي إلى تعطيل نشاط هذا الفيروس. مع ذلك، تنصح إدارة الغذاء والدواء المستهلكين بعدم شرب الحليب الخام بسبب النقص في المعلومات حول احتمال أنه ينقل إنفلونزا الطيور. تحثّ الوكالة المنتجين على عدم تصنيع الحليب الخام المأخوذ من الأبقار التي تظهر لديها أعراض المرض أو بيعه، وكذلك منتجات الحليب الخام مثل الجبن. الأمراض المنقولة بالغذاء ضارة دائماً، وهذا الوقت من العام هو موسم المثلجات. تبدو نصائح إدارة الغذاء والدواء التي تنص على أن الحليب الخام خطير لدرجة توجب تجنّبه منطقية، وذلك بالنظر إلى أن مرض إنفلونزا الطيور يظهر في أنواع جديدة وما يزال العلماء يتعرفون على طرق انتقاله.

المحتوى محمي