اكتشاف سلالة جديدة من فيروس الإيدز أكثر عدوى وأشد ضراوة

4 دقائق
سلالة جديدة لفيروس الإيدز
صورة محسنة رقمياً لفيروس الإيدز.

اكتشف باحثون في جامعة أكسفورد متحوراً جديداً لفيروس نقص المناعة البشرية لم يكن معروفاً من قبل وشديد الضراوة، وينتشر في هولندا منذ تسعينيات القرن الماضي، ونشر الباحثون نتائجهم التي توصلوا إليها في دورية «ساينس». لكن مكتشفي المتحور الجديد يقولون إنه لا يوجد سبب يدعو للقلق: «يبدو أن الفيروس يستجيب للعلاج بطريقة تشبه طريقة استجابة سلالات فيروس نقص المناعة البشرية المماثلة، ولكن من غير الواضح ما إذا كان أكثر فتكاً من تلك السلالات». 

حتى الآن، حدد الباحثون 109 شخصاً مصاباً بهذا المتحور، 107 منهم كانوا من بين 6,706 مشاركاً في مجموعة تقييم علاج الإيدز في هولندا (ATHENA)، والتي تعد جزءاً من مشروع (BEEHIVE) الذي يدرس سبب تأثير بعض أنواع فيروس نقص المناعة البشرية على صحة الناس أكثر من غيرها. كما حددوا فرداً بلجيكياً وآخر سويسرياً كجزء من مجموعات مشروع BEEHIVE الأخرى. 

ينتمي المتغير إلى عائلة من سلالات فيروس نقص المناعة البشرية المعروفة باسم الأنواع الفرعية (B)، ولكن يبدو أنها تنتج المزيد من جزيئات الفيروس وتخفض أيضاً بعض أنواع الخلايا المناعية بشكل أسرع من متغيرات النوع الفرعي B المعروفة سابقاً. وفقاً لكريس وايمانت، الباحث الرئيسي في جامعة أكسفورد والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية، على الرغم من أن هذه السلالة الفرعية لا تمثل سوى ما يقارب 12% فقط من الإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية على مستوى العالم، إلا أنها السلالة الفرعية الأكثر شيوعاً في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، وهي أكثر السلالات الفرعية لفيروس نقص المناعة البشرية التي تمت دراستها من الناحية الجينية.

اقرأ أيضاً: برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز يدعو لإلغاء التفاوت للتخلص من كورونا

ماذا يعني شديد الضراوة؟

تميز الضراوة شدة الفيروس، بعبارة أخرى، مدى سوء تأثيره على صحتك. عند الحديث عن فيروس نقص المناعة البشرية، غالباً ما تُقاس ضراوته من خلال عاملين؛ الحمل الفيروسي، ومعدل انخفاض خلايا الدم البيضاء المعروفة باسم خلايا (CD4+ T). لاحظ الباحثون زيادة في الحمل الفيروسي تتراوح من 3.5 إلى 5.5 ضعفاً وزيادة بمقدار الضعفين في سرعة انخفاض خلايا CD4+ T لدى الأفراد المصابين بالمتحور الجديد، وذلك مقارنةً بالأشخاص المصابين بسلالاتٍ أخرى من النوع الفرعي B من فيروس نقص المناعة البشرية.

الحمل الفيروسي- عند الحديث عن فيروس نقص المناعة المكتسبة- هو تركيز جزيئات الفيروس في بلازما الدم، الجزء السائل من الدم الذي يحمل خلايا الدم والصفائح الدموية إلى جميع أنحاء الجسم. يقول وايمانت: «يعمل الحمل الفيروسي كمؤشر بديل لمدى شدة العدوى لأن الحمل الفيروسي وحده لا يحدد بالضرورة مقدار الضرر الذي يسببه لك».

ويضيف: «كلما زاد عدد الفيروسات في الدم، كان ذلك أسوأ، لأن عددها يميل للارتباط بالقياسات الأخرى السيئة. إنه بمثابة مؤشر يتنبأ بما قد يحدث لاحقاً». ووفقاً لوايمانت، يتوقع الباحثون أيضاً أن المتغير الجديد يمكن أن يكون أكثر عدوى بسبب الحمل الفيروسي العالي الذي ينتجه. 

تعد خلايا CD4+ T ضرورية لتحفيز بدء استجابة الجسم المناعية للعدوى. (لهذا السبب يُشار إليها غالباً باسم الخلايا التائية المساعدة). تهاجم جزيئات فيروس نقص المناعة البشرية خلايا CD4+ T، ما يعيق إلى حد كبير قدرة الجسم على مقاومة العدوى الجديدة. 

إذا كان تدهور خلايا CD4+ T شديداً إلى حد معين، أقل من 200 خلية لكل ميليمتر مكعب من الدم، أو إذا أصيب شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية بعدوى انتهازية مثل الالتهاب الرئوي، فإن فيروس نقص المناعة البشرية لديه سيكون قد تطور إلى الإيدز. ووفقاً لموقع (HIV.gov)، عادة ما يكون لدى مرضى الإيدز ثلاث سنواتٍ للعيش ما لم يخضعوا للعلاج. هذا هو السبب في أن الأدوية الوقائية مثل أدوية ما قبل التعرض (PrEP) وإجراء اختبار الكشف والتدخلات المبكرة باستخدام العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية، مهمة للغاية في محاربة فيروس نقص المناعة البشرية وعلاجه. 

اقرأ أيضاً: بعد عقود من الأبحاث: لماذا لا يوجد لدينا لقاح الإيدز؟

كيف تطور هذا المتغير؟

باستخدام التسلسل الجيني، يفترض الباحثون أن المتغير قد نشأ نتيجة سلسلة من الطفرات بمرور الوقت كما يقول وايمانت. لم يكن الباحثون قادرين على تحديد أي من الطفرات التي حدثت تحديداً في النوع الفرعي B قد أدت لنشوء هذا المتغير الجديد. هذا المتغير الجديد مختلف تماماً عن جميع المتغيرات الأخرى من النوع الفرعي B وفقاً لوايمانت، إذ يحتوي على نحو 250 تغيراً في الأحماض الأمينية ونحو 500 تغييراً في النيوكليوتيدات، الأمر الذي يحدث عندما تتحول إحدى الكتل البنائية الأساسية للحمض النووي- المعروفة بالأحرف A وT وG وC- إلى أحرف مختلفة.

يقول وايمانت: «بالنظر إلى أن هذه الطفرات حدثت معاً في نفس الوقت، لا نعرف أي منها هو المسؤول عن ضراوتها». ويأمل وايمانت أن تتمكن الأبحاث المستقبلية من تحديد الطفرات التي حدثت وجعلت من هذا المتغير أشد ضراوة. ويضيف قائلاً: «إن معدل تدهور خلايا CD4+ T سريع حتى بالنسبة لمتغير ينتج مثل هذا الحمل الفيروسي العالي. 

ربما يعود ذلك إلى حدوث شيءٍ مختلف قليلاً على المستوى الجزيئي أو الخلوي». 

اقرأ أيضاً: التعديل الجيني يمكن أن يساعد في القضاء على فيروس الإيدز

لا داعٍ للقلق 

وفقاً لوايمانت، طالما أن الناس يعاملون هذا المتغير بنفس اليقظة على غرار سلالات فيروس نقص المناعة البشرية الأخرى، فلا ينبغي أن يثير القلق. لقد وجد الباحثون أنه إذا بدأ العلاج بالعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية مبكراً، كما هو موصى به عند التعامل مع جميع سلالات فيروس نقص المناعة البشرية، فإن المتغير الجديد يستجيب بشكل مشابه مقارنة بسلالات النوع الفرعي B الأخرى.

ويقول وايمانت: «يمكن لهذه الأدوية أن توقف، وإلى حد ما، تعكس تدهور خلايا CD4+T الذي يسببه المتغير الجديد». لم يلاحظ الباحثون أيضاً أي فروق ذات دلالة إحصائية في معدلات الوفيات بين المصابين بالمتغير الجديد وسلالات النوع الفرعي B الأخرى، لكنهم كانوا قادرين على اكتشاف فروق كبيرة في معدلات الوفيات ضمن مجموعة البيانات الخاصة بهم فقط. 

ومع ذلك، يشدد وايمانت على أن هذا الاكتشاف، مثل اكتشاف متغيرات فيروس كورونا، يُظهر أهمية وقف انتشار العامل الممرض قبل أن يتحور. 

حيث يقول في هذا الصدد: «يمكن للفيروسات والبكتيريا أن تفاجئنا بتطورها. ويمكن أن تتحول إلى شيء أشد خطورة علينا. في كل مرة تمنع فيها العامل الممرض من الانتقال من شخص إلى آخر، فأنت لا تنقذ هذا الشخص من العدوى التي كان سيصاب بها وحسب، بل إنك تحرم هذا العامل الممرض من فرصة التطور إلى شيء آخر».

المحتوى محمي