قديماً، كان يُقال إن الآلام الطمثية الشديدة دليلٌ على الخصوبة العالية، فهي تشير إلى أن الرحم والمبيضين يقومان بعملهما على أكمل وجه. إلا أنه تم التوصل إلى أن آلام الدورة الشهرية الشديدة غير الطبيعية قد تخفي حالة صحية مستبطنة، قد تحد وتقلل من فرص خصوبة الأنثى في المستقبل.
بالطبع لا يمكن تعميم هذه القاعدة على جميع الإناث، فبعضهن ببساطة يرتكسن للألم بشكل أعلى من قريناتهن، إذ تكون عتبة الألم منخفضة لديهن لذلك تشعرن بالآلام البسيطة والمتوسطة على أنها عظيمة الشدة.
في حين أن فترات الألم نفسها ليست مرتبطة بقضايا الخصوبة، إلّا أنه أُثبت ارتباط بعض الأسباب وراء الألم بحدوث العقم. تسوء هذه الأمراض مع مرور الوقت إن لم تُعالج، الأمر الذي يشير إلى أهمية التشخيص المبكر لعلاج هذه الأسباب باكراً قدر ما يمُكن، حيث يساعد العثور على العلاج المناسب في التقليل من الألم، كما يساعد في زيادة احتمال علاج الخصوبة في المستقبل.
اقرأ أيضاً: ما مدى تأثير داء السكري على الخصوبة والإنجاب عند الذكور والإناث؟
عسر الطمث: ما الذي يسبب تقلصات الدورة الشهرية؟
تحدث التقلصات الرحمية أثناء الطمث نتيجة لإفراز "البروستاغلاندينات"، وهي مواد كيميائية تُفرز بشكل طبيعي في الحالات الالتهابية في أنسجة الجسم كافة ومن بينها الرحم. يلعب البروستاغلاندين دوراً في تنظيم درجة حرارة الجسم وفي الحدثية الالتهابية ونمو الخلايا وانقباض العضلات الملساء وتمددها. كما أنه يحفز عضلات الرحم على الانقباض، ما يساعد في تسليخ بطانة الرحم وطرحها لخارج الجسم، ودوره أساسي في إحداث تقلصات المخاض أثناء الولادة.
تتسبب مستويات البروستاغلاندين المرتفعة في إحداث انقباض عالي الشدة في العضلة الرحمية، هذا الانقباض الشديد يؤدي إلى منع وصول الأوكسجين عن أجزاء من البطانة الرحمية بشكل مؤقت، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالألم بشكل متوافق مع حدوث كل تقلص.
تعاني بعض المراهقات، في سنوات حيضهن الأولى، من آلام طمثية غير محمولة، والسبب هو أن مستويات البروستاغلاندين تكون مرتفعة بشكل طبيعي لديهن خلال هذه الفترة. ومع تقدمهن في السن ونتيجةً لانخفاض مستويات البروستاغلاندينات، تعود هذه التقلصات لتصبح أقل ألماً.
المصطلح الطبي المُستخدم لوصف آلام الدورة الشهرية هو "عسر الطمث"، وإن كانت هذه الآلام تحدث بشكل طبيعي دون وجود أي سبب واضح عندئذ يُطلق على الآلام الطمثية اسم "عسر الطمث البدئي". أمّا في حال إيجاد سبب قابل للعكس يتسبب بزيادة شدة هذه الآلام عندئذ تُسمى بـ "عسر الطمث الثانوي".
اقرأ أيضاً: بالأدوية والأعشاب: إليكِ طرق التخلص من ألم الدورة الشهرية
عسر الطمث الأولي والثانوي
تسمى تقلصات الدورة الشهرية التي يسببها النشاط الطبيعي للبروستاغلاندين بعسر الطمث الأولي، ولا يؤثر هذا النمط من عسر الطمث سلباً على خصوبة الأنثى. بينما يرتبط عسر الطمث الثانوي بحدوث نقص في الخصوبة نظراً لأن هذه الآلام تكون ناجمة عن بعض الأمراض النسائية غير المُشخصة، إذ يوجد عدد من الحالات الصحية التي يمكن أن تؤثر على القدرة الإنجابية للأنثى، وبالتالي يجب على كل أنثى تعاني من آلام طمثية غير طبيعية أن تراجع طبيبها نفياً لوجود الأمراض التي سنأتي على ذكرها.
الأندومتريوز أو البطانة الرحمية الهاجرة
يتلخص الأندومتريوز بحدوث دورات طمثية مؤلمة مترافقة مع عقم محتمل. وهو أشيع مسببات العقم عند النساء حيث تعاني 50% من النساء اللواتي يواجهن صعوبة بالحمل من الأندومتريوز. إن علاج الأندومتريوز الفعال والناجح يعيد الخصوبة لهؤلاء النساء، ويمكن معالجته بالأدوية أو الجراحة وذلك بالاعتماد على شدته.
اقرأ أيضاً: اختبار جديد يستخدم اللعاب للكشف عن داء بطانة الرحم الهاجرة خلال أيام
العضال الغدي
يحدث العضال الغدي عندما تنغرس بطانة الرحم داخل عضلة الرحم، فيُسبب العضال الغدي آلاماً طمثية شديدة مترافقة مع غزارة في دم الطمث. وعلى الرغم من أن دوره المؤثر على الخصوبة غير واضح، إلّا أن النزف المتكرر للبطانة ضمن العضلة الرحمية يسبب حدوث بؤر نزوف دموية تتكلس وتسبب تراجع حيوية الرحم.
الأورام الليفية
هي عبارة عن نمو عضلي يمكن أن يحدث ضمن الرحم أو على سطحه، وحتّى قد تنمو هذه الأورام ضمن عنق الرحم. عادةً ما تكون هذه الأورام حميدة وتميل إلى النمو خلال سنوات الإنجاب نظراً لأنها تتأثر بالهرمونات الأنثوية الجائلة في الدم كالأستروجين والبروجسترون، لهذا السبب تتراجع بعد سن اليأس بسبب انخفاض مستويات هذه الهرمونات.
تسبب الأورام الليفية تراجع الخصوبة عندما تنمو ضمن بطانة الرحم في الأماكن التي يُفترض أن تكون أماكن انغراس البيضة الملقحة، الأمر الذي يُعرقل عملية الانغراس والتعشيش. كما قد تضغط على محصول الحمل في المراحل المتقدمة متسببةً في حدوث إجهاضات متكررة.
اقرأ أيضاً: دليلك إلى هرمون الإستروجين المتهم في أمراض النساء
الداء الحوضي الالتهابي
تعاني جميع النساء في مرحلة ما من حدوث الالتهابات النسائية، وهو أمر طبيعي للغاية. إلّا أن الالتهابات غير المُعالجة بشكل صحيح قد تتسبب في حدوث إنتان صاعد من الأعضاء التناسلية ليصل إلى التجويف الرحمي والبطانة الرحمية والملحقات النسائية وحتّى تجويف البطن. تكمن الخطورة في أن الإنتانات غير المُعالجة تتسبب في حدوث التصاقات حوضية وأنسجة ندبية والتي بدورها تسد أنبوبي فالوب معيقةً انتقال البيضة الملقحة من المبيض للرحم.
إذاً، ما هي الخطوة التالية؟
يؤدي التشخيص المبكر إلى اجتياز نصف الطريق نحو العلاج. لكل حالة صحية سابقة عدد من الخيارات العلاجية بعضها دوائي وآخر جراحي، وذلك بالاعتماد على شدة الحالة وعلى القرار والرغبة بالإنجاب.
يستجيب الأندومتريوز والأورام الليفية لـ "موانع الحمل الفموية" نظراً لأن هذه الأدوية تتغذى على الهرمونات الجنسية الأنثوية. وبالمقابل، تعالج الأورام الليفية الكبيرة والالتصاقات جراحياً.
اقرأ أيضاً: هذا ما يجب أن تعرفيه عن العلاج الهرموني لانقطاع الطمث
يُوصى بإزالة الرحم والملحقات في حال فشل العلاجات التقليدية وإن أكملت السيدة حياتها الإنجابية. أمّا إذا كانت لا تزال تحاول الحمل فقد لا يكون هذا خياراً تريد التفكير به.