لولا الشهية لما كنا نندفع نحو تناول الطعام ببعض الشعف، فهي أساسية ومهمة لعلاقة صحية مع الطعام. يعد فقدان الشهية أمراً شائعاً عند كبار السن؛ حيث يؤثّر في 27% ممن تزيد أعمارهم على 65 عاماً حول العالم. ولفقدان الشهية عواقب لا يُستهان بها كسوء التغذية والتراجع المتسارع للكتلة العضلية، وارتبط هذا الأخير بشكلٍ وثيق بميكروبيوم الأمعاء لدى كبار السن، وذلك حسب دراسة نُشرت في دورية وايلي أونلاين ليبراري (Wiley Online Library)، ترأستها الطبيبة ناتالي كوكس، وهي أخصائية في أمراض الشيخوخة في جامعة ساوثهامبتون الإنجليزية.
اقرأ أيضاً: ميكروبيوم فريد يمتلكه الرضّع المولودون بعملية قيصرية
دراسة تربط بين ميكروبيوم الأمعاء وضعف الشهية عند كبار السن
يعد فقدان الشهية الناتج عن الشيخوخة أمراً مهماً وسبباً رئيسياً لحدوث الدنف المرتبط بالشيخوخة، المعروف بـ "ساركوبينيا" (Sarcopenia)، ويتمثل بالضعف العضلي الهيكلي الناجم عن تراجع الكتلة العضلية مع التقدم بالعمر، الذي يتحكم فيه الوارد الغذائي بالدرجة الأولى.
اقترح باحثو الدراسة وجود رابط بين ميكروبيوم الأمعاء والدنف الناجم عن سوء الشهية عند كبار السن، وتم البحث في ذلك من خلال دراسة تحرّت الفروق التركيبية لميكروبيوم الأمعاء بين مجموعة من كبار السن الأصحاء والذين يتمتعون بشهية جيدة أو ضعيفة، واختلافات الصحة البدنية المرتبطة بالدنف المترتبة على ذلك.
شارك في الدراسة التي تمت عن طريق إجراء استبيان شمل 2183 فرداً متوسط أعمارهم 65 عاماً، وقُيّمت الشهية من خلال استبيان الشهية الغذائية المبسط وتحديد مؤشر كتلة الجسم والنظام الغذائي، كما قِيست الكتلة العضلية لمتابعة الدنف لديهم. من جهة أخرى، تمت دعا المشاركين إلى مراكز صحية معينة لجمع عينات براز لجمع بيانات حول ميكروبيوم الأمعاء الخاصة بكل منهم، وفي نهاية المطاف تمكن الباحثون من جمع بيانات 776 مشاركاً كاملةً ودُرست بياناتهم ومقارنة النتائج.
تبين من خلال مقارنة البيانات وجود ضعف في تنوع الميكروبيوم عند كبار السن ممن أبدوا شهية ضعيفة للطعام، بينما كانت أنماطها أثرى وأكثر تنوعاً عند كبار السن الأصحاء ذوي الشهية الجيدة للطعام.
وبالوقت نفسه عانى هؤلاء الأفراد من انخفاض في القوة العضلية مقارنة بالمجموعة الثانية التي يتمتع أفرادها بشهية جيدة والذين أبدوا قوة عضلية أفضل، الأمر الذي يرجّح احتمال حدوث الدنف العضلي المرتبط بالتقدم في العمر عند ذوي الشهية الضعيفة بشكلٍ أكبر من كبار السن ذوي الشهية الجيدة للطعام.
اقرأ أيضاً: قد يكون بالإمكان إعادة تشكيل الميكروبيوم عند الأطفال الرضع
أبرز النصائح لتحسين رغبة كبار السن في تناول الطعام
بالنظر إلى الدراسة السابقة نجد أن ضعف الشهية عند كبار السن قد يكون ناجماً عن نقص ميكروبيوم الأمعاء الذي يحدث بشكلٍ طبيعي عند نسبة من كبار السن، إلّا أن هناك مجموعة من الأسباب التي قد تقف وراء ذلك وعلى رأسها الإصابة بالأمراض أو الآثار الجانبية للأدوية أو مشكلات الأسنان، لهذا من المهم البحث في الأسباب التي تقف وراء ضعف الشهية عند كبار السن بالدرجة الأولى لتدبير ما يسعنا تدبيره نوعياً وعكس اضطراب الشهية؛ ومن ثَمَّ يمكننا تطبيق النصائح التالية التي تُحسّن من شهية كبار السن للطعام إلى حد كبير.
1. وضع جدول منتظم للوجبات
اتباع روتين يومي منتظم وتقديم الطعام في الوقت نفسه قريباً من كل يوم كفيلٌ بمساعدة الجسم على الاستعداد لتناول الطعام في تلك الأوقات، خاصةً أن الشعور بالجوع لدى كبار السن يتراجع بشكلٍ واضح، فلا يمكن الاعتماد على ذلك كمعيارٍ لتحديد وقت تقديم الطعام.
2. تقديم وجبات صغيرة غنية بالمغذيات
يشعر كبار السن بالإرهاق بمجرد رؤية أطباق كبيرة مليئة بالطعام أمامهم، وبدلاً عن الوجبات الكبيرة يُنصح بتقديم وجبات أصغر حجماً ذات قيمة غذائية أعلى، ويمكن جعل تقديم 5 وجبات صغيرة يومياً عوضاً عن 3 وجبات كبيرة روتيناً مناسباً لنمط حياة كبار السن.
من جهةٍ أخرى، من المهم تعزيز المغذيات والسعرات الحرارية في الوجبات هذه، ويتم ذلك عن طريق الحرص على تضمين الأفوكادو واللحوم البيضاء والجبن والبيض وزيت الزيتون والفول السوداني.
اقرأ أيضاً: لماذا يشيع الإعياء بين كبار السن؟
3. اعتماد تقديم العصائر الطبيعية والعصائر المخفوقة
شيء من ضعف الشهية لدى كبار السن يعود لضعف قدرتهم على المضغ، حيث تكون هذه العملية مرهقة، فمثلاً يعاني 17-28% من كبار السن في الولايات المتحدة الأميركية من التجفاف، ، ويساعد تقديم أطعمة أكثر ليونة على علاج ذلك، لهذا تعتبر إضافة العصائر المعززة للترطيب خطوة تخدم هدفين معاً، خاصةً أن التجفاف يؤدي دوراً في زيادة ضعف الشهية سوءاً بدوره.
ولا يُقصد بالعصائر المخفوقة عصائر الفاكهة وحسب، وإنما يمكن تحضير الشوربات الصحية الغنية باللحوم والخضار وزيت الزيتون في الخلاط وتحويلها إلى طعام ذي قوام سهل المضغ.
4. تدوين الأطعمة المُحببة
متابعة تدوين الملاحظات تساعد على تتبع الأطعمة التي يستمتع بها كبار السن وتلك التي لا يحبذونها، وهذه نقطة جوهرية تجعل من وقت الطعام وقتاً يتطلع إليه كبار السن عوضاً عن جعله وقتاً يجبرون فيه على تناول طعام بدافع الواجب لا أكثر.
5. الاهتمام بالناحية الجمالية للأطعمة
من أسهل الطرق لجعل الوجبة أكثر جاذبية ومتعة لدى كبار السن إضفاء بعض الألوان إليها، والحرص على تقديم الوجبات في أوانٍ ذات ألوان دافئة تفتح الشهية كالبرتقالي والأحمر والوردي. وبما يتعلق بالغذاء، الأفضل صحياً هو تضمين الأغذية ذات اللون الأخضر، كما أنه يعتبر آخر لون يفقد المرضى كبار السن قدرتهم على رؤيته وهذه نقطة إضافية لصالحه، إضافة للأطعمة ذات الألوان الزاهية مثل الجزر والتوت والبروكلي والطماطم والمانجو والمشمش.
6. الحرص على تناول الطعام في مجموعات
لا أفضل من الجمع بين تناول الطعام والصحبة الجيدة، لهذا يعتبر تحويل موعد تناول الطعام إلى موعد للأوقات الاجتماعية طريقة رائعة لزيادة الشهية لدى كبار السن، فأفضل نصيحة توجه لأي شخص يعاني من فقدان الشهية هي "تناول طعامك مع الأصدقاء"، حيث تُتبر هذه النصيحة جزءاً كبيراً من الطريق نحو تحسين الشهية وجعل أوقات الوجبات أكثر جاذبية.
7. إعطاء كبار السن مجموعة من خيارات الأطعمة
الجميع يحب أن يتحكم بدفة القيادة ويختار حسب هواه، وربما يكون كبار السن أكثر الأفراد حساسية لهذا الموضوع لأنهم فقدوا شيئاً كبيراً من استقلاليتهم. لهذا السبب، طريقة جيدة لجعل كبار السن يشعرون بأنهم يستعيدون شيئاً من السيطرة تتجلى بتقديم خيارات متنوعة من الأطعمة المختلفة والسماح لهم بالاختيار، أو مشاركتهم في عملية تحضير الطعام، إذ تعتبر هاتان الخطوتان ممتازتين لتحفيز الشهية لديهم.
اقرأ أيضاً: 5 طرق لتشجيع كبار السن على تناول البروتين
8. تشجيع الحركة
تصب نصيحتنا الأخيرة حول تحفيز الشهية لدى كبار السن في تشجيع الحركة لديهم، على الرغم من أنها تبدو صعبة قليلاً لكننا لا نعني بذلك تشجيعهم على ممارسة التمارين عالية الكثافة، وإنما فقط البقاء نشطين والالتزام بالمشي أو القيام بأي نشاط يشمل الحركة، فالتمرين والحركة يحفّزان معدل الاستقلاب والذي بدوره يحفّز الشهية.