ملخص: السمنة هي مشكلة صحية عالمية، قد تسببها عوامل تتجاوز الإفراط في الطعام، وقلة التمارين الرياضية، والعوامل الوراثية. ومن أسباب السمنة الأقل شهرة، والتي قد يجهلها البعض اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء، لأنه يؤدي إلى زيادة تخزين الدهون بسبب عوامل مثل مقاومة الإنسولين، وزيادة قدرة ميكروبات الأمعاء على تحليل الكربوهيدرات الغذائية غير القابلة للهضم إلى أشكال قابلة للامتصاص، أي زيادة استخراج السعرات الحرارية، وزيادة النواتج الاستقلابية المؤيدة للالتهابات. كما يؤثّر نقص فيتامين د في نمو الأنسجة الدهنية، ما يسهم في تراكم الدهون. وتعطل الاختلالات الهرمونية مثل قصور الغدة الدرقية ومتلازمة تكيس المبايض عملية التمثيل الغذائي واستخدام الإنسولين، ما يؤدي إلى زيادة الوزن. ويرفع الإجهاد المزمن من مستوى الكورتيزول، ما من شأنه أن يسبب مقاومة الإنسولين وزيادة الشهية والرغبة في تناول طعام غير صحي (الأكل العاطفي). كما قد تعطل قلة النوم الإيقاعات اليومية، وتزيد من الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة غير الصحية. بالإضافة إلى أن الاستخدام المطول للأجهزة الذكية يعزز نمط الحياة الخامل وعادات الأكل غير الصحية.
السمنة حالة معقدة ومتعددة العوامل تؤثّر في ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم. وفي حين قد تعتقد مثل كثيرين أن أسبابها هي زيادة استهلاك الطعام، وقلة ممارسة الرياضة، والاستعداد الوراثي، فإنه ثمة العديد من العوامل الأقل شهرة والتي تعد اليد الخفية التي يمكن أن تسهم في السمنة.
من خلال التعرف إلى هذه الأسباب الأقل شهرة ومعالجتها، يمكننا تطوير استراتيجيات أكثر شمولاً وفاعلية للوقاية من السمنة وإدارتها، فما هي أسباب السمنة التي يجهلها البعض؟
اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء
تُعدّ أمعاء الإنسان موطناً لتريليونات الكائنات الحية الدقيقة، والمعروفة باسم الميكروبيوم. تؤدي هذه الكائنات الحية الدقيقة دوراً أساسياً في عملية الهضم، والتمثيل الغذائي، ووظيفة المناعة.
وفي مراجعة حديثة نشرتها دورية التقارير الحالية لأمراض الجهاز الهضمي (Current Gastroenterology Reports)، تبين أن اختلال التوازن في ميكروبيوم الأمعاء يمكن أن يسهم في السمنة بعدة آليات، وتشمل:
- استخراج البكتيريا المزيد من السعرات الحرارية من الطعام، أي زيادة قدرة ميكروبات الأمعاء على تحليل الكربوهيدرات الغذائية غير القابلة للهضم إلى أشكال قابلة للامتصاص، ما يؤدي إلى زيادة تخزين الدهون.
- زيادة إنتاج المستقلبات المسببة للالتهابات، مثل عديد الساكاريد، الأمر الذي يؤدي إلى مقاومة الإنسولين وارتفاع مستوياته. عندما تكون مستويات الإنسولين مرتفعة، فإن الجسم يميلُ إلى تخزين الدهون بدلاً من استخدامها مصدراً للطاقة.
اقرأ أيضاً: فريد من نوعه: ميكروبيوم المدن يمكن أن يساعد في الحفاظ على صحتنا
نقص فيتامين د
يؤدي فيتامين د دوراً حاسماً في العديد من وظائف الجسم، بما فيها امتصاص الكالسيوم، وتعزيز المناعة، ومحاربة الالتهابات. وقد أظهرت المراجعة المنشورة في دورية تقارير السمنة الحالية (Current Obesity Reports)، وجود ارتباط بين انخفاض مستويات فيتامين د والسمنة؛ حيث يؤثّر نقص فيتامين د في تمايز الأنسجة الدهنية ونموها، ما يؤدي إلى زيادة تراكم الدهون والسمنة.
اقرأ أيضاً: علاج نقص فيتامين د: هذه أهم المصادر الطبيعية الغنية به
اختلال التوازن الهرموني
يمكن أن تسهم حالات اختلالات التوازن الهرموني بالجسم في زيادة الوزن، مثل:
- قصور الغدة الدرقية: هي حالة تفرز فيها الغدة الدرقية كميات كبيرة من هرمونات الغدة الدرقية. عندما تكون مستويات هرمونات الغدة الدرقية منخفضة، ينخفض معدل التمثيل الغذائي في الجسم، ما يسبب حرق عدد أقل من السعرات الحرارية في حالة الراحة وفي أثناء النشاط. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الوزن حيث يخزن الجسم المزيد من السعرات الحرارية على شكل دهون. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤثّر قصور الغدة الدرقية في الشهية وتفضيلات الطعام، فيزداد تناول المصاب للسعرات الحرارية.
- متلازمة تكيس المبايض (PCOS): هي اضطراب هرموني يُصيب النساء، يجعل من الصعب على الجسم استخدام الإنسولين بشكلٍ فعّال، ما يسبب مقاومة الإنسولين، وزيادة الوزن بسبب تخزين الدهون بدلاً من استخدامها مصدراً للطاقة. كما يمكن أن تؤدي مستويات الإنسولين المرتفعة إلى زيادة إنتاج الهرمونات الذكرية (الأندروجينات)، والتي ترتبط بدورها زيادة الدهون وخاصة حول البطن.
التوتر والإجهاد
يؤدي التوتر والإجهاد المرتبط بضغوطات الحياة اليومية إلى تحفيز استجابة الكر والفر، ما يدفع الجسم إلى زيادة إفراز هرمون التوتر (الكورتيزول). يزيد الكورتيزول مستويات السكر في الدم مؤقتاً، لكنه يعود لمستوياته بمجرد زوال التوتر، لكن التعرّض المزمن للإجهاد لا يسمح للجسم بالتعافي، ما قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الإنسولين المنظِم لنسبة سكر الدم بشكلٍ مستمر، وهو ما قد ينجم عنه مقاومة الإنسولين، وزيادة الدهون في الجسم.
وفقاً للمراجعة المنشورة في المجلة الدولية للطب الوقائي (International Journal of Preventive Medicine)، يمكن أن يسبب التوتر زيادة الوزن بآليات مختلفة، مثل:
- زيادة مستويات الهرمونات والمواد الكيميائية التي تشارك في الجوع، مثل اللبتين والغريلين.
- دفع الشخص إلى الإفراط في تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية والدهون والسكر (الأكل العاطفي).
- مستويات الكورتيزول المرتفعة تعوق إفراز الجسم هرمون الكورتيكوتروبين الذي يساعد على التحكم في الشهية، ما يدفع إلى تناول الطعام أكثر من المعتاد.
- استنزاف مستويات الطاقة وإجبار الفرد على تخفيف النشاط البدني.
قلة النوم
يمكن وصف العلاقة بين قلة النوم وزيادة الوزن بالحلقة المفرغة، إذ عندما تعاني الحرمان من النوم تعمل في اليوم التالي بطاقة منخفضة، وقد تلجأ إلى استعادتها بقطعة من الحلويات أو رقائق البطاطس، وعندما تجد نفسك عائداً إلى سريرك، تكون متوتراً للغاية بحيث لا تستطيع النوم. كما أشارت مؤسسة النوم الأميركية (Sleep Foundation) إلى أن أنماط النوم المضطربة تؤثّر في الإيقاعات اليومية، التي تؤدي دوراً في تنظيم عملية التمثيل الغذائي وتخطي وجبة الإفطار في الصباح، وزيادة تناول الأطعمة الحلوة والمالحة والدهنية والنشوية.
اقرأ أيضاً: 9 أمراض وحالات صحية ناتجة عن قلة النوم
الاستخدام الطويل للأجهزة الذكية
أفادت دراسة قدمها مؤتمر الكلية الأميركية لأمراض القلب فرع أميركا اللاتينية (ACC Latin America) بأن طلاب الجامعات الذين يستخدمون هواتفهم الذكية مدة 5 ساعات أو أكثر معرضون لخطر الإصابة بالسمنة بنسبة 43%، مقارنة بالذين يستخدمون هواتفهم الذكية لمدة أقل من 5 ساعات.
ووضحت مختصة إعادة تأهيل القلب والرئة والأوعية الدموية، والمؤلفة الرئيسية للدراسة، ميراري مانتيلا مورون، أن قضاء الكثير من الوقت أمام الهاتف الذكي أدى إلى انخفاض نشاطهم البدني بمقدار الضعف، وزيادة استهلاك الأطعمة غير الصحية، مثل المشروبات السكرية والوجبات السريعة والحلويات، مقارنة بأولئك الذين تصفحوا الهواتف الذكية وقتاً أقل.