تتطور التكنولوجيا بسرعة كبيرة جداً تفوق سرعة فهمنا لكيفية استخدامها على نحو صحيح، مثلما يقول أستاذ التصميم الصناعي في جامعة ستانفورد، باري كاتز (Barry Katz)، فالأدوات القديمة كانت تستغرق آلاف السنين لتطويرها، ما أعطى الإنسان وقتاً كافياً للعمل على مكامن الخلل فيها وتطويرها واستخدامها على نحو آمن. في حين أن الأجهزة الحديثة من ماوس الكمبيوتر إلى سماعة الأذن اخُترعت من الصفر وبسرعة هائلة، وبات الناس يستخدمونها على نحو كبير جداً دون وعيٍ كاملٍ بآثارها السلبية. وبالطبع، لا يمكن إنكار مقدار الفوائد التي حققتها الثورة التقنية، ولا يمكن أيضاً إنكار قسوة آثارها السلبية في صحتنا الجسدية والنفسية. وإليك بعض أهم الأمراض الناتجة عن استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة.
ما أهم الأمراض المرتبطة باستخدام الإنسان التكنولوجيات الجديدة؟
آلام الرقبة والظهر
عند إمساك الهاتف المحمول أو أي من الأجهزة المحمولة الذكية بطريقة تسبب ميل الرأس للأمام والنظر نحو الأسفل، فإن المنحنى الطبيعي للرقبة يتغير ما يسبب إرهاقاً لعضلات الرقبة والظهر. وبمرور الوقت، قد تتطور حالة صحية يُطلق عليها اسم الرقبة النصية (Text Neck)، وهي ليست تشخيصاً طبياً رسمياً، وإنما هي مصطلح يُستخدم بشكلٍ شائع لوصف الإجهاد المتكرر الناتج عن استخدام الأجهزة المحمولة بشكلٍ مفرط. تتضمن الأعراض الشائعة للرقبة النصية ما يلي:
- ألم في الرقبة وأعلى الظهر و/أو الكتف، وقد يكون ألماً محدداً في مكان محدد على شكل طعن، أو يكون ألماً عاماً يغطي منطقة واسعة تمتدُ إلى أسفل الكتفين.
- وضعية الرأس ممتدة إلى الأمام والكتفين في وضعية مستديرة.
- عضلات العنق والصدر وأعلى الظهر غير متكيّفة وغير متوازنة بسبب طول فترة وضعية الرأس الممدود إلى الأمام.
- صداع.
- زيادة الألم عند ثني العنق.
- خدر أو وخز أو حرقة في الذراعين.
إذا تُركت الرقبة النصية دون علاج فقد تؤدي إلى مزيدٍ من الألم وتقليل الحركة في الرقبة وأعلى الظهر والكتفين. بالإضافة إلى ذلك، قد يصيب أوتار الذراعين والمعصمين بعض الالتهابات نتيجة الأوضاع غير الطبيعية في أثناء استخدام لوحة المفاتيح أو الماوس أو جهاز التحكم في الألعاب.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الهاتف المحمول بشكلٍ صحي وآمن؟
إجهاد العين الرقمي
يمكن أن يسبب التحديق في الأجهزة الذكية المحمولة وأجهزة الحواسيب لمدة طويلة حدوث ما يُسمّى بإجهاد العين الرقمي (Digital eye strain) أو ما تُسمّى بمتلازمة الرؤية الحاسوبية (Computer Vision Syndrome)، وهي مجموعة من الأعراض الناتجة عن التركيز البصري المكثّف على الشاشات الرقمية، وتكون الأعراض الأكثر شيوعاً لها هي:
- إجهاد العين.
- جفاف العين.
- ألم في العين.
- الصداع.
- رؤية ضبابية.
- رؤية مزدوجة.
- احمرار العين وتهيجها.
كما أن التعرض للضوء الأزرق الناتج عن الشاشات الرقمية قد يضر بالبصر نتيجة إلحاق الضرر بشبكية العين.
اقرأ أيضاً: أثناء العمل من المنزل: دليلك للوقاية من إجهاد العين الرقمي
اضطرابات النوم
استخدام الشاشات الرقمية المضيئة مساءً أو مشاهدة التلفاز قد يسببان حدوث الأرق؛ إذ يؤثر الضوء الأزرق الناتج عن الأجهزة الرقمية سلباً في دورة النوم، لأنه يمنع إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس وتنظيم دورات النوم والاستيقاظ، فيعطّل بالتالي إيقاع الساعة البيولوجية، ما يؤدي بدوره إلى حدوث العديد من الآثار الصحية السلبية مثل الاضطرابات الأيضية والحالات الصحية النفسية مثل الاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك، قد يسبب استخدام الأجهزة المحمولة قبل النوم أو تركها بالقرب من السرير في أثناء الليل إلى الاستيقاظ المتكرر عند سماع الاشعارات أو الرسائل. وللنوم المتقطع في حال حدث بشكلٍ مستمر الكثير من الآثار السلبية، منها ما هو قصير الأمد مثل زيادة الحساسية للتوتر والألم الجسدي، وتردي نوعية الحياة، والاضطراب العاطفي واضطرابات المزاج، والعجز المعرفي والذاكرة وضعف الأداء. ومنها ما هو آثار طويلة الأمد مثل: ارتفاع خطر الإصابة بضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومشكلات التمثيل الغذائي مثل داء السكري من النوع الثاني، ومشكلات الوزن، وسرطان القولون والمستقيم. وذلك وفقاً لدراسة منشورة في دورية طبيعة وعلم النوم (Nature and Science of Sleep).
اقرأ أيضاً: ما أسباب عدم القدرة على النوم بالرغم من التعب والنعاس؟
مشكلات في السمع أو الصمم
نادراً ما نخرج من منازلنا دون سماعات الأذنين، ويمكنك أن تتخيل حجم الضرر الناتج عن السماعات إذا علمت أننا غالباً ما نستمع إلى الموسيقى عبر السماعات عند مستوى ضوضاء يتراوح بين 85-110 ديسيبلات، والتعرض لمستوى ضوضاء يبلغ 85 ديسيبلاً لمدة تتراوح نحو 8 ساعات متتالية قد يسبب صمماً مؤقتاً، وقد يتحول إلى صمم دائم عند تكرار التعرض لهذا الضجيج. بالإضافة إلى ذلك، يتضاعف مقدار الخطورة عند ارتفاع شدة الصوت بمقدار 3 ديسيبلات إضافية، أي أنه عند ارتفاع شدة الضوضاء إلى 88 ديسيبلاً يكفي التعرض لها لمدة 4 ساعات فقط حتى تؤثر في حاسة السمع.
تؤثّر الضوضاء بشكلٍ رئيسي في الأذن الداخلية (القوقعة)؛ إذ يؤدي التعرض لأصوات عالية جداً لمرة واحدة أو لأصوات عالية لمرات متتالية أو لمدة طويلة إلى الصمم، وذلك إمّا نتيجة تلف الخلايا والأغشية الموجودة في الأذن الداخلية دفعة واحدة، وإمّا إرهاق الخلايا الشعرية (Hair cells) ما قد يؤدي إلى موتها في النهاية. يتطور الصمم في حال استمر التعرض للضوضاء، وقد تستمر التأثيرات الضارة حتى بعد توقف الضوضاء. يُذكر أن الضرر الذي يلحق بالأذن الداخلية أو الجهاز العصبي السمعي يكون دائماً.
اقرأ أيضاً: نتيجةً لتراكمية تأثير الضوضاء: حماية السمع ليست أمراً يستهان به
حوادث السيارات
يقول أستاذ علم النفس وخبير تشتت انتباه السائق في جامعة يوتا ديفيد ستراير (David Strayer)، إن التحدث في الهاتف المحمول في أثناء قيادة السيارة يزيد خطر التعرض لحادث سير بمقدار 4 مرات أكثر من الحالة الطبيعية. جدير بالذكر أن الخطورة لا تنتج عن إمساك الهاتف أو كبس الأزرار، وإنما نتيجة أن المحادثة نفسها تشغل أجزاءً من الدماغ تركِّز بشكلٍ أفضل على الطريق. وإذا كان التحدث في الهاتف في أثناء القيادة يزيد خطر التعرض لحادث سير بمقدار 4 مرات، فإن إرسال الرسائل النصية يضاعف هذه المخاطر مرة أخرى إلى نحو 8 أضعاف.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر قيادة السيارة لمدة طويلة في صحة السائقين؟
السمنة
ثمة علاقة مباشرة بين السمنة ونمط الحياة الذي انتشر بعد ثورة التكنولوجيا الرقمية؛ إذ غالباً ما يمضي الناس كثيراً من الوقت في الجلوس ومشاهدة التلفاز أو استخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة. لنمط الحياة هذا وقلة النشاط البدني العديد من الآثار الصحية السلبية بالإضافة إلى زيادة الوزن والسمنة، فقد تسهم في تطور أمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري من النوع الثاني بالإضافة إلى الموت المبكر أيضاً.
اقرأ أيضاً: الوقاية من السمنة: خطواتٌ بسيطة لتحمي جسمك
أمراض الخصوبة
وجدت مراجعة منشورة في مجلة العلوم الإنجابية عند البشر (Journal of Human Reproductive Sciences) عام 2020، أن الأشعة الكهرومغناطيسية الصادرة عن الهواتف والحواسيب المحمولة وأجهزة الواي فاي تتفاعل مع الجهاز التناسلي الذكري إمّا بطرق حرارية أو غير حرارية. حيث يسبب التعرض لهذه الأشعة لمدة طويلة رفع حرارة كيس الصفن وزيادة الإجهاد التأكسدي في الخصيتين، ما قد يؤثّر في حركة النطاف ويزيد شذوذها البنيوي.
اقرأ أيضاً: ما علاقة الخصوبة عند الرجال بالمهن التي يزاولونها؟
دوار الحركة الناتج عن العالم الافتراضي
قد يعاني الأشخاص الذين يستخدمون الواقع الافتراضي من أعراض مشابهة لدوار الحركة التي تشمل الاستفراغ والغثيان والتعرق البارد والدوخة والصداع والتعب. ينتج دوار الحركة في الواقع الافتراضي نتيجة إحساس الأذن الداخلية بأن الحركة الافتراضية تحدث في كل مكان حول الشخص، لكن إحساس العينين ومفاصل الجسم يفيد بأن الشخص جالس ولا يتحرك، بالتالي ونتيجة الرسائل المتناقضة التي تصل إلى الدماغ في وقتٍ واحد، يُصاب الدماغ بالارتباك والتشويش ما يتسبب في حدوث دوار الحركة.
اقرأ أيضاً: ما سبب الشعور بالدوار بعد الزلزال؟
المشكلات النفسية
قد تكون للإفراط في استخدام التكنولوجيا والاعتماد عليها آثارٌ سلبية في الصحة النفسية، مثل العزلة الاجتماعية؛ إذ وُجد أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و32 عاماً يكونون أكثر عرضة بـ 3 مرات للإصابة بالعزلة الاجتماعية من أولئك الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي استخداماً معقولاً. بالإضافة إلى ذلك، قد تسهم منصات التواصل الاجتماعي في تطور أمراض الاكتئاب والقلق، وهذا يتعلق بنوع التفاعلات الاجتماعية التي تحدث عبر الإنترنت.
لا يمكننا أن نحارب التكنولوجيا، لكن لا يعني ذلك أن نستخدم أدواتها وأجهزتها دون وعي. راقب طريقة استخدامك لهذه الأدوات، وعدّلها في حال اكتشفت خللاً أو عرضاً غير صحي.