يُعرَّف الإنتان بأنه دخول كائنات تُعرف بالعوامل الممرضة إلى داخل الجسم، ليستقبلها الجهاز المناعي في البداية محارباً إياها، فإن نجح في كبح الإنتان فلا يظهر أي أعراض، أمّا إن لم ينجح بالقضاء عليها بشكلٍ تام فتبدأ أعراض الإنتان بالظهور.
على رأس العوامل الممرضة التي تُصيب الإنسان نذكر الجراثيم والفيروسات والفطور، التي تتباين بين بعضها بعضاً اعتماداً على الشكل والدور والمحتوى الجيني. على سبيل المثال، الفيروسات أصغر من الجراثيم بكثير، وهي تحتاج إلى مضيف حتماً كي تعيش، بينما تكون الجراثيم قادرة على الحياة دون وجود مضيف. وإلى جانب هذه الاختلافات الشكلية والحيوية، يوجد بعض الاختلافات البسيطة التي تُميّز كل نوع إنتان عن سواه، فما هذه الاختلافات؟
اقرأ أيضاً: كيف تحدث الإصابة بالحمى المالطية أو ما يُعرف بـ «داء البروسيلات»؟
العامل الممرض في الإنتانات الجرثومية
الجراثيم أو البكتيريا هي المتسببة بحدوث الإنتانات الجرثومية، تُعرف الجراثيم أيضاً باسم بدائيات النوى، ويُقدّر عدد بدائيات النوى البكتيرية بما لا يقل عن 1 نونيليون، والنونيليون هو الرقم 1 متبوعاً بـ 30 صفراً. تأخذ الجراثيم ثلاثة أشكال رئيسية: إمّا مكورة كالمكورات العقدية وإمّا عصوية كعصية السل وإمّا لولبية كاللولبية الشاحبة المسؤولة عن الإصابة بالإفرنجي.
على عكس الفيروسات، يمكن للجراثيم أن تعيش في أي نوع من البيئة -الحارّة منها أو شديدة البرودة- ويمكن لبعضها العيش في النفايات المشعة. وأكثر الجراثيم التي نألفها تلك التي تعيش بصورة طبيعية في جسم الإنسان والتي يُطلق عليها اسم "الجراثيم النافعة"، والتي لا تشكّل أي تهديد إلّا عندما يختل توازنها، عندئذ قد تتسبب بحدوث إنتان جرثومي.
بماذا تتظاهر الإنتانات الجرثومية؟
على عكس الفيروسات، تكون أعراض الإنتانات الجرثومية أكثر وضوحاً وشدة، فعند مقارنة أعراض مريضين أحدهما مصاب بالتهاب معدة وأمعاء فيروسي وآخر مصاب بالتهاب معدة وأمعاء جرثومي، نجد أن أعراض الأول لا تتجاوز الحرارة الخفيفة وغياب الشهية والإسهال المائي وألم البطن، بينما يتظاهر المريض الآخر بارتفاع حرارة شديد وإقياءات معندة تتطلب إعطاء السوائل الوريدية وألم بطني حاد وانخفاض وزن الجسم.
تشمل الإنتانات الجرثومية كلاً مما يلي:
- الكوليرا وسببها جرثومة الضمة الكوليرية.
- الطاعون والعامل المسبب فيه جرثومة اليرسينية الطاعونية.
- السل والعامل الممرض فيه عصية السل.
- التيفوئيد وسببه السالمونيلا.
- التهاب السحايا الجرثومي ومن الجراثيم التي تسبب الإصابة به النيسيريا السحائية.
- التهابات المسالك البولية وأكثر عواملها المسببة شيوعاً الإشريكية القولونية.
- الالتهابات الجلدية وتسببها العقوديات والمكورات العنقودية.
- الأمراض المنقولة جنسياً.
وتُعالج الإنتانات الجرثومية بالصادات الحيوية المناسبة، والتي تُعطى تحت إشراف الطبيب، لأن استخدامها الخاطئ أو العشوائي يحمل خطر تطوير مقاومة لها.
بماذا يتميز العامل الممرض في الإنتانات الفيروسية؟
تنجم الإنتانات الفيروسية عن الإصابة بأحد أنواع الفيروسات. وعلى الرغم من وجود الملايين منها، فإن العلماء لم يحددوا سوى 5000 نوع لحد الآن. تتركب الفيروسات من مادة وراثية تحيطها طبقة دهنية من البروتين وتحميها، وعندما تغزو الفيروسات خلايا المضيف، فإنها تلتصق بها وتُطلق مادتها الوراثية، ما يجبر الخلية على تكرار نمط الفيروس، فيتكاثر الفيروس ضمن الخلية على هذا الشكل.
ومع ذلك يكون بعض الفيروسات، مثل الفيروس الحليمي البشري وفيروس إيبشتاين بار، قادراً على تغيير وظيفة الخلية، أي يؤدي ذلك إلى إجبار الخلايا على التكاثر بطريقة غير طبيعية لا يمكن السيطرة عليها وينتهي الأمر بحدوث السرطان.
كيف تتظاهر الإنتانات الفيروسية؟
وبما يتعلق بأعراض الإنتانات الفيروسية، فيمكن وصفها بأنها أقل صخباً من الإنتانات الجرثومية، إليك مثالاً يُلخص المقارنة بين التهابين في الرئة أحدهما ناجم عن فيروس والآخر عن جرثومة. تتلخص الإصابة بالتهاب الرئة الفيروسي بالشكوى من تعب ووهن وارتفاع متوسط في درجة الحرارة وبسعال خفيف جاف وضيق متوسط في النفس، بينما يعاني مريض ذات الرئة الجرثومية ارتفاعاً شديداً في الحرارة وتعباً شديداً وسعالاً منتجاً وضيقاً شديداً بالتنفس.
ومن أبرز وأكثر الإنتانات الفيروسية شيوعاً نذكر:
- نزلات البرد الناجمة عن الفيروسات الأنفية والتاجية والغدية.
- التهاب الدماغ والسحايا الفيروسي وسببه الفيروسات المعوية وفيروس الهربس البسيط.
- الثآليل والتهابات الجلد والعامل الممرض فيها فيروس الورم الحليمي البشري وفيروس الهربس البسيط.
- التهاب المعدة والأمعاء وسببه فيروس نوروفيروس.
- التهاب الرئة الفيروسي وأكثر سبب شيوعاً له حالياً فيروس كورونا.
- التهاب الكبد الوبائي.
- شلل الأطفال.
- متلازمة العوز المناعي المكتسب.
وبما يتعلق بالعلاج، تساعد الأدوية المضادة للفيروسات على تخفيف الأعراض مانعةً تكاثر الفيروس ضمن الخلايا، كما يساعد تعزيز الخطوط الدفاعية المناعية على درء الإنتانات الفيروسية. إلا أن المضادات الحيوية ليست فعّالة ضد الفيروسات، ولاستخدامها دور واحد ألا وهو زيادة خطر حدوث مقاومة المضادات الحيوية، إلّا أن ترافق الإنتان الفيروسي مع إنتان جرثومي ثانوي عندئذ تُستخدم الصادات.
اقرأ أيضاً: لماذا يُصاب البعض بفقر الدم المنجلي وما أحدث العلاجات التي توصل إليها العلم؟
ما العامل الممرض في الإنتانات الفطرية؟
الفطور هي العامل الممرض الذي يقف وراء حدوث الإنتانات الفطرية، ويصل عدد الفطور المكتشفة إلى 5 ملايين نوع وسطياً، وغالباً ما تكون الفطور التي تُصيب الإنسان متعددة الخلايا قادرة على إنتاج إنزيمات تحلل المواد العضوية وتمتصها، إلّا أن عدة فطور قد تكون أحادية الخلايا مثل الخمائر.
قد تستوطن الإنتانات الفطرية منطقة مُحددة من الجسم، كأحد القطاعات الجلدية، وعندئذ يُطلق عليها اسم إنتان فطري موضعي، أو قد تنتشر العدوى في كامل الجسم وعندئذ نكون أمام حالة إنتان جهازي.
اقرأ أيضاً: الجائحة الصامتة: كيف نقلل من انتشار ظاهرة مقاومة الصادات الحيوية؟
لا يمكن القول إن هناك أعراضاً نوعية تُميّز الإنتانات الفطرية عن غيرها من الإنتانات والاختلافات لا تتجاوز كونها فردية، حيث يتميز الإنتان بفطور المبيضات البيض بظهور إفرازات جبنية القوام، كما أنها تسبب الحكة. إلّا أن هناك نقطة أخرى مميزة حولها، ألا وهي أن الفطور تميلُ إلى إصابة مجموعة من الأفراد، وهم:
- مستخدمو الصادات الحيوية لفترة طويلة.
- مرضى العلاج الكيماوي.
- المضعفون مناعياً لأي سبب كان من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية إلى الإصابة بمرض السكري.
- المرضى الذين خضعوا لعملية زرع أحد الأعضاء والموصوف لهم أدوية تمنع أجسامهم من رفض العضو الجديد.
ومن أبرز الأمثلة على الإنتانات الفطرية الأكثر انتشاراً نذكر:
- داء المبيضات البيض.
- السعفة وسببها العفن الشائع.
- داء الكروانيات والعامل الممرض فيها الكروانيات المماثلة.
- داء النوسجات وسببه أبواغ النوسجة المغمدة.
وبالنسبة لعلاج الإنتانات الفطرية، فتُعالج الخفيفة منها -كتلك التي تقتصر على إصابة الجلد- بالكريمات الطبية المُضادة للفطور. وأما الحالات الأكثر شدة، فتُعالج بالأدوية المضادة للفطور التي تُعطي عن طريق الفم لتمارس تأثيرها جهازياً وليس موضعياً مثل الكريمات.