الحرارة قاتل صامت: دليلك للتعرف إلى مخاطرها والحذر منها

5 دقائق
الحرارة قاتل صامت

اقترب الصيف، وبدأت درجة الحرارة في الارتفاع من الآن، والشعور بالحر ومحاولة تخفيض درجة الحرارة أصبح جزءاً من الحياة اليومية، الحرارة قاتل صامت. هنا نساعدك في الاسترخاء خلال أكثر المواسم الحارقة، بمساعدة أحدث الطرق العلمية والمعدّات والأفكار التي يمكنك تطبيقها بنفسك. مرحباً بك في «الشهر الحار».

يبدأ الأمر عندما تتوقّف عن التعرّق؛ إذ أن التعرّق يبرّد جسمك عن طريق تحرير الحرارة إلى الهواء المحيط مع تبخّر العرق. إذا تعرّقت لدرجة معينة، تنفذ كمية الماء التي يمكن لجسمك أن يُخرجها عبر المسام، ويتحرّك الدم تجاه الجلد في محاولة لصد الحرارة بعيداً عن الجزء المتوسّط من جسمك. تتشنّج الأعضاء نتيجة قلّة الأكسجين، ويصبح التفكير مشوّشاً، قد تبدأ بالهلوسة، وقد تتقيّأ حتى تتوقف معدتك عن إضاعة الطاقة في عملية الهضم، يبدأ قلبك بالخفقان بسرعة وتشعر بالصداع، وقد تصيبك النّوبات.

عمل الجسم في درجة الحرارة

عندما يأتي الموت في النهاية بعد بضعة ساعات، فهو يأتي عن طريق نوبة قلبية أو سكتة دماغية. قد تصل درجة حرارتك الداخلية لما يتجاوز 40.5 درجة؛ ولكن ريثما يجدك أحد ما، سيكون جسمك قد أصبح بارداً، ولن يعلم أحد أن سبب الوفاة الحقيقي هو الحرارة.

اقرأ أيضاً: دليلك للحفاظ على برودة جسمك في الصيف

إن الجسم البشري قادر على إنجاز العديد من المهام؛ ولكنه ينهار عندما يسخن كثيراً. يقول «شاين كامبل-ستاتون»؛ عالم أحياء تطوريّ في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس، يدرس تأثير الحرارة على البشر والحيوانات الأخرى: «يجب علينا أن نُبقي أجسامنا ضمن مجال محدد جداً من درجة الحرارة».

يكون معظمنا في حالة جيدة عندما تكون درجة حرارة الهواء من حولنا حوالي 21 درجة؛ مما يسمح لأجسامنا بالحفاظ على درجة حرارة تساوي 36.6 درجة مئوية تقريباً. عندما تزداد درجة الوسط المحيط، يبدأ التوازن الدقيق للتفاعلات الكيميائية التي تبقينا على قيد الحياة بالتأرجح؛ مما يؤدّي إلى عدد من الآثار السلبية التي يمكن أن تصبح مميتةً بسرعة.

الحرارة قاتل صامت

وفقاً للخبراء الذين يدرسون هذه الظاهرة؛ فالتعرّض لدرجات حرارة عالية جداً قد يكون السبب وراء آلاف حالات الوفاة في الولايات المتّحدة سنوياً، ولعدد أكبر بكثير من ذلك عالمياً، إلّا أنه من الصعب تحديد هذا الرقم بدقة؛ لأن معظم الحالات لا تُسجّل؛ ولكن مهما بلغ عدد الوفيّات، فنحن نعلم شيئاً واحداً بشكلٍ مؤكّد: يمكننا توقّع ازدياد هذا العدد في المستقبل.

تشير النماذج المناخية إلى أن درجات الحرارة سترتفع بشكل هائل عبر الولايات المتّحدة بحلول منتصف القرن؛ مما سيعرّض نسبةً مئويّةً أكبر من السكان إلى حرارة عالية بشكلٍ خطير (وفقاً لخدمة الطقس الوطنية الأميركية؛ قد تصل درجات الحرارة لما يتجاوز 37.7 درجة أو ما بين 32.2-37.7 مئوية مع الرطوبة). يمكننا أن نحمي أنفسنا بتغيير نمط حياتنا ليوافق هذا الطقس؛ ولكن الأمر سيتطلّب تركيز الجهود محلّياً وعالمياً لإيقاف الحر من التسبب بخسائر كبيرة.

بعض الأشخاص أكثر عرضةً للحرارة من غيرهم؛ مثل كبار السن، الرضّع، والأشخاص الذين يتناولون أنواعاً محدّدة من الأدوية؛ فجميعهم ليسوا قادرين على تنظيم درجة حرارة أجسامهم الدّاخلية. المشرّدون والأشخاص الذين ليس لديهم فرصة للجلوس في مكانٍ مكيَّف، لا يمتلكون أماكن آمنةً يمكنهم تبريد أجسامهم فيها، عمّال البناء والعمال الآخرون ليس لديهم خيار إلّا أن يعملوا تحت أشعة الشمس، وغالباً في أكثر الأوقات حرّاً من النهار.

التعرض لخطر المرض

الحرارة قاتل صامت كل البشر عرضة لخطره، ويُبيّن مؤشّر الحرارة الخاص بخدمة الطقس الوطنية الأميركية أن درجات الحرارة ما بين 26.6 و 32.2 درجة تُعرّضك لخطر المرض إذا طال تعرّضك للحرارة، أو إذا انخرطت في نشاطٍ خارجي مجهد، كما يزيد الخطر بازدياد الرطوبة ودرجات الحرارة. وفقاً لـ «ماريوم هوساين»؛ طبيبة في مركز السرطان التابع لجامعة ولاية أوهايو تدعو لاتّباع سياسات متعلّقة بالصحّة أكثر تأثّراً بالوعي المناخي؛ فمن الضروري أن يفهم الجميع المخاطر المتعلّقة بالتعرّض للحرارة.

اقرأ أيضاً: دليلك لمعرفة الفرق بين ضربة الشمس والإجهاد الحراري

يصح هذا بشكلٍ خاص مع بدء سكان أميركا الشمالية بقضاء الوقت في الهواء الطلق والاستمتاع بالنشاطات الصيفيّة، النشاطات مثل الرحلات مشياً على الأقدام، أو قضاء نهار في الحديقة، يمكن أن تكون خطيرةً إذا كان الطقس حارّاً للغاية. يقول كامبل-ستاتون: «أحياناً، فرط الحرارة يمكن أن يكون خفيّاً لدرجة أن الشخص لن يُدرك حتّى أنه يدخل في حالة من الاضطراب الفيزيولوجي».

بشكلٍ رسمي؛ يموت حوالي 700 شخص فقط سنوياً نتيجة التعرّض للحرارة العالية، ومعظم هذه الضحايا هي من الجماعات المستضعَفة من المشرّدين وكبار السن؛ ولكن وفقاً لـ «سكوت غرين»؛ عالم جغرافيا في جامعة أوكلاهوما يبحث في الموضوع منذ تسعينيّات القرن الماضي؛ يعتقد الباحثون أن العدد الفعلي للضحايا أكبر بكثير. بدلاً من البحث عن حالات الوفاة التي سُجّلت تحت عنوان «فرط الحرارة» أو «متعلّق بفرط الحرارة»؛ ينظر غرين وآخرون في مجاله البحثي في عدد الأشخاص الذين ماتوا في منطقة معيّنة خلال فترة غير اعتياديّة من الطقس الحار، ويبحث هؤلاء فيما يُعرف بـ «حالات الوفاة الزائدة»، بكلمات أخرى؛ حالات الوفاة التي تتجاوز الرقم النموذجي لمنطقة سكان محددين خلال فترة محددة من السنة (معدّل الوفيّات الزائدة كان أحد المؤشّرات المبكّرة لمدى تهديد مرض كوفيد-19 للحياة).

الحرارة قاتل صامت

الحرارة قاتل صامت

تشير تحليلات مشابهة أجراها باحثون آخرون، إلى أن الحرارة هي إما سبب مباشر أو غير مباشر لآلاف الوفيّات في الولايات المتّحدة سنوياً؛ والتي يتجاوز عددها الرقم الرسمي بكثير. الظروف مناسبة لجعل هذا الرقم يزداد باستمرار، والبيانات الحديثة من منظّمة «اتّحاد العلماء المهتمّين» تتنبّأ أنّه بحلول منتصف القرن؛ ستعاني أكثر من ثلث المدن الأميركية، وسيعاني أكثر من 90 مليون شخص من 30 يوماً أو أكثر بدرجات حرارة تتجاوز 40.5 درجة كل سنة، وتقع أغلب هذه المدن في «حزام الشمس» والسهول الجنوبية الكبرى. ستصل درجات الحرارة في الشمال الشرقي من البلاد إلى 32.2 درجة بشكلٍ متكرر أكثر من الوقت الحالي، كما ستصل لما يتجاوز 37.7 درجة في الغرب الأوسط.

هذه التنبّؤات المستقبليّة مرعبة؛ ولكن الكارثة وصلت سلفاً؛ إذ أن الحرارة هي السبب الأول المتعلّق بالطقس للوفيّات في الولايات المتّحدة، وفي بعض مناطق العالم، وهي تتجاوز عواصف الشتاء والأعاصير والفيضانات وغيرها.

مع ذلك؛ لا يزال لدينا الوقت للحد من الوفيّات الناتجة عن ضربات الشمس، عندما بدأ غرين في البحث ضمن مجاله في تسعينيّات القرن الماضي؛ كانت التنبؤات عن طقس العقد الأول من القرن الواحد والعشرين رهيبة؛ لكن فترةً من الطقس الحار المميت خلال تلك الفترة دفعت المدن عبر البلاد إلى البدء بالتخطيط للمستقبل، والاحتياطات التي اتُّبعت أنقذت بالفعل الآلاف من البشر. وفقاً لغرين؛ فالتجديد الأكثر أهميّةً كان التبنّي واسع النطاق لأنظمة التنبيه؛ التي تجعل السكان مدركين لدرجات الحرارة المتطرفة ومخاطرها على الصحة، كما لعبت مراكز التبريد التي سمحت للسكان بالهروب من الحرارة- بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي- دوراً مهمّاً.

اقرأ أيضاً: كم شجرة نحتاج إليها لتبريد شارع في المدينة؟

التكيّف مع الحر

وفقاً لغرين؛ فمدن مثل فينيكس أو لاس فيغاس -والتي تمر الآن بموجات الحر بشكل اعتيادي- تعلّم الكثيرين أن يتكيّفوا مع آثار الحر، كما أن إدراك المخاطر لوحده يمكن أن يكون له أثر كبير في إنقاذ الأرواح. يقول غرين: «عدد الوفيّات الناتجة عن الحر في 2020 أقل بكثير من العدد الذي توقّعناه». في 1997، تنبّأ غرين وزملاؤه أن الوفيّات الزائدة المرتبطة بالأيام الحارّة في 44 مدينة كبيرة، قد تتجاوز 2000 وفيّة في كل صيف بحلول سنة 2020.

الحرارة قاتل ضامت

لكن لا يزال غرين قلقاً حول موجات الحر في الأماكن غير المتوقّعة؛ أي التي تظهر فجأةً في بعض المواقع- وخصوصاً المدن. يمكن أن تتسبب ظاهرة اسمها «أثر جزيرة الحرارة المدنيّة»، بارتفاع درجات الحرارة في المدن بضعة درجات مقارنةً بالأرياف المحيطة؛ مما يعني أن المدن المزدحمة يمكن أن تصبح مناطق خطر في الوقت الذي قد لا يشعر به سكان الضواحي بأي شيء.

وعلى الرغم من أن شبكات المراقبة الحديثة والبنى التحتيّة تؤدّي وظائفها؛ إلّا أنه هناك المزيد من العمل الذي يجب أن يُنجز. يموت الأشخاص المستضعفون في مناطق مختلفة نتيجة التعرض للحرارة، وسواء كان عدد الوفيّات 700 أو أكثر بكثير؛ فهي حالات وفاة يمكن تلافيها. يقول كامبل-ستاتون: «الشيء الأساسي الذي يميّزنا عن باقي الكائنات هو قدرتنا الفريدة على مقاومة الظروف القاسية».

لكن القليل منا فقط لديهم وصول للمصادر التي تبقيهم في مأمن من الحرارة، ووفقاً لغرين؛ من أجل الحفاظ على انخفاض عدد الوفيّات الناتجة عن الحر -حتى مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة؛ فالتنسيق بين المدن والولايات والحكومات الفدرالية هو أمر ضروري. يرغب غرين ببذل جهود أكثر مركزية وجودة للتنبؤ بالطقس بهدف التنبّؤ بالارتفاعات الفجائية لدرجات الحرارة، كما يرغب بوجود أنظمة استجابة أكثر فعاليةً، بهدف تخصيص موارد للمناطق التي ستتعرض للحر. يقول غرين أن هذه الجهود ستزيد من رواج الحر كمشكلة حقيقية، وستساعد في إنقاذ الأرواح؛ ولكن في الوقت الحالي؛ من الضروري معرفة عدد الأشخاص المعرّضين لخطر الموت بسبب الحرارة الشديدة، ومدى معرفة قلةٍ منهم بذلك.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي