التلوث الضوضائي عبارة عن أصوات مرتفعة أو مزعجة تتعارض مع أصوات الأنشطة العادية، وصنّفته منظمة الصحة العالمية من بين أهم المخاطر البيئية على الصحة، حيث يتم فقدان ما يُقدّر بنحو مليون سنة صحية من الحياة كل عام بسبب تأثيرات الضوضاء البيئية، بما في ذلك الانزعاج، واضطراب النوم، وأمراض القلب. وإليك هذه التأثيرات على سمعك وتركيزك، وكيف تتخلص منها.
مصادر التلوث الضوضائي
يمكن أن تأتي الضوضاء من العديد من المصادر المختلفة، سواء في المكاتب والشوارع والمنازل. فعلى سبيل المثال، تصدر الضوضاء في المكاتب من المحادثات بين الموظفين والمكالمات الهاتفية وآلات التصوير والطابعات، والزملاء الذين يتنقلون ويكتبون ويأكلون وينقرون بالأقلام وعلى لوحات المفاتيح، ومن رنين الهواتف والموسيقى.
وقد تكون مصادر الضوضاء من الشوارع وخاصة من حركة مرور السيارات والحافلات والدراجات النارية وأعمال البناء. تسبب أيضاً الأنشطة الترفيهية الكثير من الضوضاء خاصة الحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية والمهرجانات الخارجية.
إن مصادر الضوضاء جميعها تؤثّر في السمع والتركيز بسبب اضطرار الدماغ إلى معالجة الأصوات جميعها، ما يؤدي إلى إرهاقه وعدم راحته.
اقرأ أيضاً: نتيجةً لتراكمية تأثير الضوضاء: حماية السمع ليست أمراً يستهان به
العوامل التي تزيد تأثير الضوضاء
تعتمد كيفية تأثير الضوضاء المحيطة على السمع وتركيز الدماغ على عدد من العوامل، مثل:
الحالات الذهنية
يعاني البعض حالة ذهنية تُسمَّى الميزوفونيا، يتأثر فيها الأشخاص سلباً بالضوضاء الخلفية، بسبب حالة ذهنية تسبب انزعاجهم من الأصوات التي يصدرها الأشخاص أو الأشياء من حولهم. ويتأثر الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب والقلق والغضب بالضوضاء أكثر من غيرهم، كما أن مقدار التحكم في الدوافع الذي يتمتع به الشخص يحدد مدى سهولة تأثره بضوضاء الخلفية من حوله.
الشخصية
عموماً، تؤثّر الضوضاء في الخلفية في الانطوائيين أكثر من المنفتحين، وذلك لأن المنفتحين لا يمكن استثارتهم بسهولة، ويتطلب الأمر منهم مستوى عالياً جداً من الضوضاء لإثارة نظامهم السمعي إلى درجة التهيج أو عدم التركيز أو التوتر. من ناحية أخرى، يتم تحفيز الانطوائيين بسهولة، لذا فإن الضوضاء القليلة قد تثيرهم بسهولة وتزعجهم.
نوع الضوضاء
يؤثّر نوع الضوضاء الموجودة أيضاً في كيفية استجابة الشخص لها، إذ تؤثّر الضوضاء المستمرة والمتقطعة والمنخفضة التردد في مستويات التركيز بشكلٍ مختلف. مثلاً، يختلف تأثر الفرد بصوت الموسيقى بشكلٍ مختلف عن صوت طنين الآلات.
الضوضاء اللفظية
يمكن أن يحدد محتوى الضوضاء مستوى تأثيره على التركيز، فالصوت البشري المألوف الذي يحتوي على كلمات يختلف تأثيره عن الأصوات الأخرى، وعلى مدى الانتباه؛ وذلك لأن العديد من الأشخاص يفكّرون بالكلمات في أثناء عملهم، خاصة في المهام المعرفية للغاية مثل حل مسألة رياضية. إن وجود ضجيج في الخلفية يعني أن العقل يجب أن يستمع إلى أفكار الشخص للمساعدة على فهم المهمة التي يقوم بها بالإضافة إلى ضجيج الخلفية، وعندما يحتوي الضجيج على كلمات، قد يجد الشخص صعوبة في التركيز لأنها تعطل الحوار الداخلي.
طبيعة العمل
يمكن أن تؤثّر الضوضاء في الخلفية في بعض المهام أكثر من غيرها، إذ يختلف الشعور بالانزعاج بسبب الضوضاء بين الأشخاص، اعتماداً على نوع العمل الذي يقومون به.
اقرأ أيضاً: التهاب الأذن الوسطى عند الرضع: أسبابه وعلاجه
كيف يؤثّر التلوث الضوضائي في السمع والتركيز؟
تؤثّر الضوضاء في سمع الشخص وتركيزه وإنتاجيته، وتتجلى هذه التأثيرات في:
فقدان السمع
بالنسبة للسمع، يؤدي التعرض لفترة طويلة للضوضاء المحيطة العالية إلى الإضرار به، خاصة عندما يستخدم الشخص سماعات الأذن لإبعاد الضوضاء المحيطة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدمير الشعيرات الحساسة التي تساعد على نقل الرسائل إلى الدماغ، ما قد يؤدي إلى فقدان السمع.
يمكن للضوضاء المفرطة أن تعطل آلية السمع الدقيقة وتتسبب في تلف هياكل الأذن. عند التعرض لضوضاء عالية، يمكن أن تُجهَد الخلايا الشعرية الحسية في حلزون الأذن (القوقعة)، وتتعرض للإصابة التي قد تؤدي إلى فقدان السمع مؤقتاً أو انخفاض في حساسية السمع.
إن التعرض المتكرر أو المطول للضوضاء العالية يمكن أن يؤدي إلى ضرر دائم، ما يؤدي إلى فقدان دائم للقدرة على السمع.
طنين الأذن
يمكن أن يسبب التلوث الضوضائي مشكلة طنين الأذن، وهو الشعور بوجود صوت رنين أو طنين أو أصوات وهمية دون وجود محفزات خارجية. وينتج الطنين أيضاً عن أذية الخلايا الشعرية والنهايات العصبية في الحلزون، والذي قد يكون مؤقتاً أو دائماً.
اقرأ أيضاً: ما أسباب طنين الأذن عند النوم أو الاستلقاء؟
تشتيت الانتباه
كل صوت يصل إلى الأذن، سواء كان عالياً مثل محادثة تجري قريباً من الشخص أو ضعيفاً مثل صوت إشعار الهاتف، يشغل جزءاً مما يُعرف باسم النطاق الترددي العقلي ويترك الباقي ليستخدمه الشخص في إنجاز العمل المطلوب. هذا النطاق الترددي محدود، لذا كلما زاد الضجيج قل التركيز والقدرة على التعبير عن الأفكار اللازمة لإنجاز العمل.
ضعف الإنتاجية
غالباً ما تسبب الضوضاء تقليل الإنتاجية، وعندما يتعرض الموظفون لمحادثة قريبة، يمكن أن يصبحوا أقل إنتاجية بنسبة تصل إلى 66%.
وتمثّل كل محادثة قريبة في مكان العمل أو الدراسة إلهاءً لجزء من الدماغ الذي يتحكم في التفكير وإكمال المهام المعقدة. يتطلب ضبط هذه المحادثات درجة كبيرة من الجهد العقلي، ويسبب إهداراً لآلاف الساعات سنوياً، ويؤدي أيضاً إلى خسارة ملايين الدولارات من العمل الإنتاجي كل عام.
زيادة الإرهاق في العمل
يمكن أن يؤدي التعرض لفترة طويلة للضوضاء إلى زيادة وقت العمل، ويصبح إنجاز المهام أكثر إرهاقاً، ويزيد الشعور باستنزاف الطاقة والتعب؛ أي أن الضوضاء ستؤدي إلى بذل المزيد من الوقت والجهد لإنجاز المهام.
زيادة التوتر
بالإضافة إلى السمع والتركيز، تؤدي الضوضاء إلى ارتفاع مستوى التوتر. فالتعرض لفترات طويلة ومتقطعة للضوضاء الصاخبة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في مستويات هرمونات التوتر، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وسرعة ضربات القلب، وتعطيل الأداء الطبيعي لنظام القلب والأوعية الدموية.
اضطراب النوم
يمكن أن تسبب الضوضاء إزعاجاً ملحوظاً واضطراباً في النوم، ما يؤدي بدوره إلى صعوبة التركيز على المهام.
التسبب في حوادث مكان العمل
قد يكون من الصعب فهم التعليمات في بيئة صاخبة، ما يمكن أن يؤدي إلى ضعف التواصل في مكان العمل، ووقوع حوادث.
إن هذه التأثيرات جميعها مجتمعة تؤدي إلى مشكلة مالية عندما تُترك دون معالجة، فهي تعني ساعات عمل ضائعة وتكاليف رعاية صحية أكبر.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك تجنب الآثار الضارة للتلوث الضوضائي؟
كيفية التخلص من التلوث الضوضائي
لتجنب الآثار الضارة للتلوث الضوضائي، يمكنك فعل ما يلي:
تحديد مصدر الضوضاء
الخطوة الأولى في حل المشكلة هي تحديد مصدر الضوضاء، وذلك عبر فهم مصدر الأصوات المختلفة ومساهمتها في الضوضاء المحيطة، لتحديد أفضل طريقة للتحكم فيها وتعزيز التركيز.
تركيب أرضيات وأثاث مقاوم للضوضاء
يؤدي بعض مواد البناء المستخدمة في المبنى إلى تضخيم الصوت، ويؤدي بعضها الآخر إلى امتصاصه. من المهم التفكير أثناء إنشاء المبنى باستخدام المواد العازلة للصوت والضوضاء في الأرضيات والجدران.
استخدام سماعات عزل الضوضاء
تتوفر في الأسواق أجهزة لحماية السمع تمنع الضوضاء وتحجب الضجيج بطريقة فعّالة، وتعمل عن طريق إنتاج موجات صوتية عكسية داخل الأذن. من هذه الأجهزة سماعات منع الضوضاء وسدادات الأذن وأغطية الأذن.
اقرأ أيضاً: هل يؤثر صوت التشجيع والضوضاء في الملعب على الأذن وكيف تحمي نفسك منه؟
تشغيل الموسيقى
قد يكون من المفيد الاستماع إلى الموسيقى المحيطة لتغطية الضوضاء المزعجة، لكن يفضّل ألّا تحتوي الموسيقى على كلمات، وأن تكون مثل صوت الشلالات أو الضوضاء البيضاء أو المؤلفات الكلاسيكية، وبذلك تختفي ضوضاء الخلفية المشتتة للانتباه عن طريق استبدالها بخيارات أكثر متعة.
زراعة النباتات
تمتلك النباتات أيضاً قدرة على تقليل الضوضاء وذلك عند زراعة جدار نباتي في المكان. وكلما زاد عدد النباتات كان تقليل الضوضاء أفضل.
التصميم المناسب
قد تفيد إعادة ترتيب الأثاث في المكتب أو الغرفة، وتخصيص مكان التركيز بعيداً عن مصادر الضوضاء التي لا يمكن التخلص منها.