عندما يظهر عليك الإجهاد أثناء ممارسة الرياضة في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس الحارقة، فقد تشتبه بأن ما أصابك مرتبطٌ بأمراض الحرارة، هل هو مجرّد إجهادٌ حراري، أم أن الأمر تطوّر لضربة شمس أكثر خطورةً؟ الاختلاف هنا مسألة حياة أو موت؛ لذلك عليك معرفة كيفية التمييز بين الحالتين والتعامل مع كلّ منها.
تحدث الأمراض المرتبطة بالحرارة عندما لا يستطيع الجسم تبريد نفسه جيداً عن طريق آلية التنظيم الحراري، ويعود السبب الأساسي لحدوث ذلك إلى نقص السوائل في الجسم؛ إما بسبب عدم كفايتها في الأساس، أو لأننا نتعرّق بغزارة؛ مما يؤدي إلى جفاف العرق؛ وبالتالي لا يعود بوسع الجسم تبريد نفسه؛ فترتفع حرارته.
يمكن أن تحدث مختلف الأمراض المرتبطة بالحرارة مع ارتفاع الحرارة، لكن هذه الأمراض تشيع أكثر في مناطق العالم الحارّة والرطبة. تعتمد درجة الحرارة التي يمكن أن تتسبب بهذه الأمراض على العديد من العوامل، ولكن إذا كان مؤشر الحرارة النسبي (العلاقة بين درجة الحرارة والرطوبة) أعلى من 91 درجة، تزداد خطورة التعرّض لها.
كيف تميّز بين الإجهاد الحراري وضربة الشمس؟
يحدث الإجهاد الحراري نتيجة ارتفاع درجة الحرارة؛ حيث يصبح الجسم غير قادر على التعامل مع الإجهاد الناجم عن ذلك، وتتجلّى أعراضه بتقلّص العضلات، التعب العام أو الضعف، التعرق الشديد، سرعة ضربات القلب أو ضعفها، الغثيان، والدوخة.
بالمقابل؛ ترتبط ضربة الشمس بالإرهاق، وغالباً ما تكون الإصابة بها خطيرةً وتهدد الحياة، كما يمكن أن تصيب صغار وكبار السن وغيرهم ممن تفقد أجسامهم القدرة على تنظيم الحرارة في الجو الحار. غالباً ما تحدث الإصابة بضربة الشمس لدى الرياضيين، عندما يبذلون جهداً كبيراً في وقتٍ قصيرٍ نسبياً في جوّ مفعمٍ برطوبةٍ عالية؛ كأن يحاول عدّاء الركض لمسافة 5 أميال في 30 دقيقة في جوّ يبلغ فيه مؤشر الحرارة النسبية 90 درجة.
تتجلّى أعراض ضربة الشمس بسرعة نبضات القلب وقوتها، احمرار البشرة وجفافها، الصداع، ارتفاع حرارة الجسم إلى حوالي 40 درجة مئوية، وعلى عكس الاعتقاد السائد؛ ليس بالضرورة أن يتوقّف الجسم عن التعرّق، ولا يُعد ذلك مؤشراً محدداً للإصابة بضربة الشمس.
وعلى العكس من الإجهاد الحراري؛ الذي تقتصر أعراضه على الأعراض الجسدية؛ يمكن لضربة الشمس التأثير على الدماغ أيضاً، وقد تؤدي لأعراض مهددة للحياة؛ مثل تشوش الذهن وفقدان الوعي، والأسوأ من ذلك هو أنه يمكن أن تصاب بضربة الشمس بسرعة ودون أعراضٍ تنذر بها. يقول «تيد شيملفينيغ»؛ مدير مناهج طب الحياة البرية في المدرسة الوطنية للقيادة في الهواء الطلق: «يمكن أن تحدث الإصابة بسرعة كبيرة».
كيفية التعامل مع ضربة الشمس والإجهاد الحراري
بمجرد تحديد نوع إصابتك الحرارية، سيكون بوسعك التحرّك بسرعة ومعالجتها، وينطوي علاج كلتا الحالتين على التبريد، ولكن السرعة مهمة أكثر عند معالجة ضربة الشمس، لأنها تعتبر حالةً طبيةً طارئةً، كما ينبغي العمل على خفض حرارة جسم المصاب بأسرع ما يمكن. إذا كنت بمفردك؛ خصوصاً إذا كنت في البرية، احرص على طلب المساعدة بمجرد شعورك أنك لست على ما يرام؛ فقد تتدهور حالتك العقلية بعد ذلك إلى درجة ربما لن يكون بمقدورك حينها طلب المساعدة.
إذا أصيب شخصٌ آخر برفقتك بضربة شمس، فسارع إلى رشّه بكمياتٍ وفيرة من الماء البارد، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، يمكنك رشّ ملابسه وشعره بمياه الشرب، ونقله إلى مكانٍ مظلل وبارد. حاول تهوية المصاب (استخدام الورق في عمل مروحة صغيرة مثلاً)، واستمر في ترطيبه بالماء واطلب المساعدة، لأنه قد لا يتمكّن من الحركة، وستحتاج إلى من يساعدك على نقله.
تُعد سرعة التصرف في هذه الحالة عاملاً حاسماً لإنقاذ المصاب؛ فإذا بقيت درجة حرارة جسمه مرتفعة لفترةٍ طويلة جداً، فقد يتضرر جهازه العصبي المركزي، وتتعطل وظائف المخ، وربما يؤدي ذلك إلى فشل بعض أعضاء جسمه. يقول شيملفينيغ في هذا الصدد: «يتغير شكل البروتين الخلوي ويتفكك عندما تصل حرارة الجسم إلى 40 درجة، ثم تبدأ أغشية الخلايا بالانهيار؛ وهذا ما قد يحصل لجدار القناة الهضمية؛ حيث يمكن أن يصاب بالعدوى وتغزوه البكتيريا والسموم، وقد تتأذى حتى خلايا الدماغ وتتغير طبيعتها».
بالمقابل؛ فإن التعامل مع الإجهاد الحراري أسهل؛ فبمجرد استبعاد إصابتك بضربة شمس، عليك تحديد سبب الإرهاق الذي يظهر عليك. يقول شيملفينيغ: «من المحتمل أن جسمك يعاني من الإجهاد الحراري وغير قادرٍ على التخلّص من الحرارة، لذلك سيكون عليك تبريد نفسك بسرعة».
توقف عن النشاط الذي تمارسه، وانتقل إلى مكانٍ مظلل يتوّفر به تيار هواء بارد، أو استلقِ بعيداً عن الشمس، ثم قم بترطيب نفسك بالماء، وانتظر قليلاً. قد يستغرق تبرّد جسمك وقتاً أطول مما تظن؛ لذلك ضع في اعتبارك الاستراحة لمدةٍ قد تصل إلى ساعة في بعض الحالات».
عندما تعتقد أنك أصبحت على ما يرام، قف وتحرّك قليلاً، وانتبه إلى لون بولك للتأكّد من أنك لم تعد تعاني من الجفاف. إذا لاحظت أن لون البول داكن ورائحته كريهة، فهذا دليلٌ على أنك ما زلت تعاني من الجفاف. إذا لم تشعر بالدوار أو الغثيان وكان معدل ضربات قلبك طبيعياً، يمكنك متابعة نشاطك بأمانٍ مجدداً، ولكن احرص على عدم إرهاق نفسك مرةً أخرى، واشرب كمياتٍ أكبر من الماء في المرّات القادمة.
هل يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى الإصابة بضربة شمس؟ يقول شيملفينيغ في هذا الصدد: «لا يزال هناك بعض الجدل في المجتمع الطبي حول ذلك؛ ففي حين أن الإجهاد الحراري قد يؤدي للإصابة بسكتةٍ دماغية إذا تم تجاهله، لكن لا علاقة له بضربة الشمس، ويحدث غالباً بشكلٍ منفصل»، إلا أن ذلك لا يزال ممكناً؛ لذلك تجب معالجة أية أعراضٍ للإجهاد الحراري على الفور لمنعها من التفاقم.
كيفية الوقاية من الأمراض المرتبطة بالحرارة
لحسن الحظ، يمكن الوقاية من ضربة الشمس أو الإجهاد الحراري من خلال بعض الخطوات البسيطة:
1. ارتدِ قبّعة واسعة الحواف، وملابسَ فضفاضةً رقيقةً مع أكمام طويلة، لمنع أشعة الشمس من الوصول إلى بشرتك.
2. احرص دائماً على توفّر كمياتٍ كافية من المياه العادية، أو مياه «الغاتوريد» الغنيّة بالإلكتروتيتات، لتعويض الأملاح والماء اللذان يفقدهما الجسم بالتعرّق.
3. ابتعد عن أشعة الشمس كلما أمكنك ذلك.
4. استرح في الظل إذا كان متاحاً.
5. ضع في اعتبارك ممارسة الرياضة خلال ساعات النهار الباردة؛ بدلاً من ممارستها في ساعات الظهيرة الحارّة.
6. لا تنسَ التحقق من الرطوبة النسبية في الجو، لأنها إذا كانت عالية؛ فإنها تجعل الجوّ حاراً أكثر مما يشير إليه ميزان الحرارة.
7. امنح نفسك بعض الوقت للتأقلم مع الأجواء الحارة إذا انتقلت إلى مكانٍ جديد للمشاركة بنشاطٍ خارجي مكثّف في الهواء الطلق؛ خصوصاً إذا لم تعتد عليها؛ على سبيل المثال، قد يُصاب شخصٌ من ولاية مينيسوتا الباردة بسهولةٍ أكبر بأمراض الحرارة عند ممارسة النشاط في ولاية تكساس الحارة؛ مقارنةً مع شخصٍ آخر من ولاية أريزونا؛ التي يشبه مناخها مناخ ولاية تكساس. يقول شيملفينيغ: «يحتاج الجسم إلى 10-14 يوماً للتأقلم مع مناخٍ جديد، وبمجرّد أن يعتاد الجسم على المناخ الدافئ، فإنه يطرح كمياتٍ أقل من الإلكتروتيتات الثمينة من الجسم في العرق للمساعدة على الحفاظ على رطوبته».
8. من المهم أيضاً مراعاة المخاطر الأخرى؛ فكما ذكرنا سابقاً، يُعد الأطفال دون سن 4 سنوات، والبالغون الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، أكثر عرضةً للإصابة بأمراض الحرارة، لأن أجسامهم لا تستطيع تنظيم درجة الحرارة بكفاءة، كما أن وجود دهونٍ زائدةٍ في الجسم يعرّضك لخطرٍ أكبر؛ نظراً لأنها تحتفظ بالحرارة أكثر؛ مما يجعل عملية تبريد الجسم صعبةً أكثر.
يمكن أن تفاقم الملابس السميكة والثقيلة أمراض الحرارة، كما يلعب الإجهاد وإذا ما كنت قد استهلكت الكحول مؤخراً، دوراً في قدرة جسمك على تنظيم حرارته الداخلية بكفاءة، لكنك بشكلٍ عام، مع ذلك، ستكون أقل عرضةً للإصابة بالإجهاد الحراري تلقائياً إذا أُصبت به سابقاً.
اقرأ أيضاً: قد تؤدي الرطوبة إلى موتك حقيقةً وليس خيالاً
لذلك؛ وعند التخطيط لرحلةٍ للاستجمام في الطقس الدافئ، أو القيام بأي نشاطٍ آخر خلال الصيف المقبل، احرص على معرفة علامات الإصابة بأمراض الحرارة، وكيفية علاج ضربة الشمس والإجهاد الحراري، ومتى يجب عليك طلب المساعدة؟ احرص على ارتداء الملابس المناسبة، وحمل كمياتٍ وفيرة من المياه والغاتوريد. يقول شيملبفينيغ: «يمكنك الوقاية من معظم الأمراض المرتبطة بالحرارة من خلال التحضّر الجيد ببساطة».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً