النوم هو أحد أكثر الأنشطة الضرورية لصحة الإنسان أساسيّةً، ولكنه أيضاً أحد أكثر الأنشطة المهملة. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها؛ يعاني 14.5% من البالغين صعوبة في النوم من حين لآخر. يمكن أن يؤدي السهر، سواء كان ناجماً عن العمل أو استخدام الهاتف دون تفكير في وقت متأخر، إلى اضطراب الساعة البيولوجية؛ وهي الساعة الداخلية التي تشير للجسم بموعد النوم والاستيقاظ.
فما الطرائق التي يمكن تطبيقها لإعادة ضبط دورة النوم؟ اقترح البعض في المجموعات على الإنترنت الاستيقاظ طوال ليلة واحدة على أنه طريقة سريعة "لإعادة ضبط" الساعة البيولوجية. تكمن الفكرة من هذه الطريقة في أن إجبار نفسك على الاستيقاظ يزيد ضغط النوم؛ أي الرغبة في النوم مدة أطول التي تزداد كلما طالت مدة الاستيقاظ؛ ما يتيح لك النوم في الوقت الذي تفضّله. على الرغم من أن هذه الطريقة ربما نفعت البعض، فإنها ليست من الطرائق الموصى بها.
اقرأ أيضاً: النوم في الساعة التاسعة مساءً سيغيّر حياتك الصحية للأفضل: إليك السبب
يقول عالم النفس السريري المعروف بلقب "طبيب النوم"، مايكل بروس، إن السهر طوال الليل سيفاقم المشكلات المتعلقة بالنوم. إذا كان جدول النوم الذي تتبعه مضطرباً بالفعل، يمكن أن يؤدي حرمان الجسم من النوم أكثر إلى تراجع الوظيفة الإدراكية؛ ما يخفض القدرة على حل المشكلات ويضعف الذاكرة ويتسبب بتراجع مهارات التفكير الإبداعي. يؤدي ذلك أيضاً إلى انخفاض زمن الاستجابة بمقدار كبير؛ ما قد يزيد خطر وقوع الحوادث الناجمة عن النعاس في أثناء القيادة.
وفقاً لمدير معهد طب النوم في شبكة نورثويل هيلث للرعاية الصحية في مدينة نيويورك، توماس كيلكيني؛ يعد الحرمان من النوم من أنواع التعذيب، وهو محظور وفقاً لاتفاقيات جنيف (المعاهدات التي تُدرج بروتوكولات التعامل الإنساني في أثناء الحرب). يقول كيلكيني: "اتباع هذه الطريقة طواعية ليس محبذاً، ويجب تجنّبها قدر المستطاع".
لا توجد طريقة لتغيير توقيت الساعة البيولوجية في ليلة واحدة. ويقول بروس إن إعادة الضبط الكليّة لهذه الساعة تستغرق في الواقع نحو 28 يوماً. الخبر السار هو أنه على الرغم من أن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً، فهناك طرائق أخرى فعالة لتنظيم جدول النوم. شارك أطباء النوم مع بوبيولار ساينس عدداً من الاستراتيجيات التي يمكن تطبيقها للعودة إلى جدول النوم الطبيعي.
طرائق تنظيم جدول النوم
الاستيقاظ في الوقت نفسه كل يوم
إذا كنت تستيقظ عادة قرابة الساعة الثامنة صباحاً، يوصي كيلكيني بالاستيقاظ في الموعد الذي اعتدت على الاستيقاظ فيه حتى إذا خلدت إلى النوم في الساعة الثالثة صباحاً في ليلة ما. على الرغم من أنك قد تُضطر إلى أن تعاني الترنح خلال هذا اليوم، فإن ما ستكسبه هو أنك ستزيد احتمال الحفاظ على مواعيد النوم الطبيعية التي اعتدت عليها. يقول كيلكيني: "إذا تأخرت في النوم في ليلة معينة، تجاهل هذه الليلة وحافظ على روتينك".
قد تشعر بالرغبة في النوم بضع ساعات إضافية أو النوم في عطلة نهاية الأسبوع؛ لكن بروس يقول إن الحفاظ على اتساق جدول النوم الطبيعي يحافظ على استقرار الساعة البيولوجية ويرسّخ نمطاً للنوم واليقظة. يتطلب ذلك أيضاً تجنّب أخذ القيلولات في اليوم التالي للتأخر عن موعد النوم. يقول كيلكيني إن أخذ قيلولة سيؤدي إلى اضطراب دورة النوم ويقلل احتمال أن يشعر الجسم بالتعب في الليل على نحو طبيعي.
تخصيص الوقت للقلق الهادف
ينتج الأرق غالباً عن ارتفاع مستويات التوتر. يعجز الجسم في هذه الحالة عن خفض نشاطه خلال الليل لأن الأفكار مثل وجود تهديد محتمل، سواء كان تهديداً مباشراً مثل وجود حيوان مفترس في الجوار أو مصادر التوتر مثل إيجار الشهر المقبل، تسود الدماغ.
ينصح كيلكيني باتباع أسلوب يحمل اسم القلق الهادف. ينطوي القلق الهادف، كما يتّضح من اسمه، على تخصيص فترة تتراوح بين 5 دقائق و15 دقيقة يومياً للتفكير في أي أمر مزعج وتحفيز الشعور بالقلق بشأنه. سيساعدك تخصيص وقت محدد للقلق بشأن المشكلات التي تواجهك على التحكم في التوتر دون استنزاف قدر كبير من الطاقة، علاوة على أنه يوفّر لك فرصة للتفكير والتخطيط للحلول بعمق للتغلب على هذه المخاوف.
لن يبقى القلق الذي كنت تشعر به في البداية مخيفاً إذا توصلت إلى خطة واقعية للتغلب على المشكلة. يقول كيلكيني: "يميل الدماغ إلى تجنّب إعادة التفكير بمشكلة سبق أن حلّها. وبهذا، ستصبح أقل عرضة للتفكير مجدداً بالأمور المقلقة في وقت النوم".
اقرأ أيضاً: 5 أعراض لانقطاع التنفس في أثناء النوم وعلاجه
ممارسة التمرينات الرياضية في الصباح أو فترة ما بعد الظهر
يساعد الخلود إلى النوم في حالة من التعب الجسدي على تحسين جودة النوم. من المحبّذ أن تحاول ممارسة التمرينات الرياضة يومياً حتى لو اقتصرت على المشي مدة 20 دقيقة في المنتزه. وإذا مارست التمرينات، ينصح بروس بفعل ذلك قبل النوم بفترة تتجاوز 4 ساعات.
ترتفع درجة حرارة الجسم عادة في أثناء النهار وتنخفض ببطء خلال الليل. ترتفع درجة حرارة أعضاء الجسم الداخلية عند ممارسة التمرينات في وقت قريب للغاية من موعد النوم؛ ما قد يوهم الساعة البيولوجية بأن الجسم بحاجة إلى أن يكون مستيقظاً. يقول بروس إن منح جسمك الوقت الكافي لتنخفض درجة حرارته سيجعلك تشعر بالنعاس أكثر.
تحضير الجسم للنوم
يجب أن تضمن أن جسمك جاهز للنوم. يوصي كيلكيني بتجنب التعرض إلى الأضواء الساطعة لأنها قد تتسبب باضطراب الساعة البيولوجية وتخفض مستويات الميلاتونين. يتضمن ذلك إيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية جميعها قبل النوم بساعة أو ساعتين وتخفيف سطوع الأضواء في غرفة النوم أو إيقاف تشغيلها تماماً. حاول استغلال الوقت في التأمل أو القراءة لتُدخل جسمك في حالة من الاسترخاء.
ينصح بروس أيضاً بعدم شرب القهوة بعد الساعة الثانية ظهراً. يبلغ متوسط عمر نصف الكافيين 5 ساعات؛ ما يعني أن نحو نصف كمية الكافيين التي تتناولها سيُطرح من جسمك بحلول الساعة السابعة مساءً. يجب أيضاً الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية؛ إذ إن ذلك يرتبط بانخفاض جودة النوم والاستيقاظ المتكرر طوال الليل.
اقرأ أيضاً: هل تواجه صعوبة في النوم؟ قد يكون فراشك هو السبب
قد يستغرق تعديل جدول النوم بعد التأخّر في النوم بضع ليالٍ بعض الوقت؛ ولكنه ليس مستحيلاً. مع ذلك، هناك أيضاً حالات قد تتسبب فيها المشكلات الصحية بالأرق المزمن. إذا تفاقم الأرق واستمرت مشكلات النوم لديك، خذ في الاعتبار استشارة معالج أو متخصص في النوم أو استشارة طبيبك لكشف سبب المشكلة.