تُعد كلمة "الشفاء" أحد المفاهيم الطبية التي يُساء فهمها إلى حد كبير. بالنسبة لمرض السرطان، يمكن أن يكون لكلمة "الشفاء" تأثير قوي بشكلٍ خاص، إذ يمكن أن تدفع الناس لزيارة المريض وتهنئته بـ "الشفاء"، وإذا سمعها المريض من الطبيب، يمكن أن تكون بمثابة مصدرٍ للهدوء والسكينة لقلبه والأمل في المستقبل.
لكن من غير المرجح أن يسمع مريض السرطان هذه الكلمة من طبيب. يقول جيسون أبودي موابي، الأستاذ المساعد في طب الأورام العام وطب أورام الثدي في مركز إم دي أندرسون للسرطان بجامعة تكساس: «من النادر جداً بالنسبة لنا كأطباء سرطان أن نقول للمريض "لقد شفيت". في الوقت الحالي، إن أفضل ما يمكننا إخبار مرضانا به هو أن مرضهم في حالة سكون أو هجوع».
اقرأ أيضاً: باحثون يطورون عدسة مجهر خاصة ترصد نمو الخلايا السرطانية
وفقاً للمعهد الوطني للسرطان، يحدث سكون المرض عندما تختفي جميع علامات وأعراض السرطان تماماً، حيث لا يمكن اكتشاف الخلايا السرطانية عن طريق عمليات المسح والفحوصات وتحريات الدم وغيرها من الاختبارات.
ويضيف موابي: «لكن ذلك لا يعني أن مريض السرطان قد شُفي تماماً، إننا فقط غير قادرين على اكتشافه، لذلك علينا افتراض أنه اختفى ببساطة. لكننا لا نستخدم كلمة "شفاء" إلا بعد مضي 5 سنوات على سكون المرض».
وحتى علامة السنوات الخمس معيارٌ غير مثالي، فقد يكون التقدير أقل دقة لبعض الأمراض، مثل سرطان الثدي. في الواقع، ليس من السهل أن تُشفى تماماً من السرطان أو القول بأنك "خالٍ من السرطان" كما تعتقد، فهذه العبارة تتجاوز مفهوم سكون المرض؛ إنها تعني أنه لا يوجد في جسمك أية خلايا سرطانية متبقية مطلقاً. فهي مثل "الشفاء"، من المستحيل تحقيق ذلك في الأساس. على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يعود السرطان بعد خمس سنوات، لكن هناك دائماً فرصة لظهوره مجدداً لأن الخلايا الخبيثة يمكن أن تظل كامنة دون أن يتم اكتشافها.
عندما يجلس شخص في مكتب الطبيب، حابساً أنفاسه وممسكاً بيد أحبائه، فإن هدفه ليس الشفاء تماماً. عليه التركيز على القيام بكل ما يتطلبه الأمر للتحسن على الرغم من العديد من المشكلات مثل تكلفة الرعاية الطبية العالية. الأمر مرتبط بدفع المرض إلى السكون بعد أسابيع وشهور عدة من العلاج. فيما يلي الاستراتيجيات المختلفة التي يستخدمها أطباء الأورام اليوم لتحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: بروتينات حرير العناكب قد تلعب دوراً حاسماً في علاجات السرطان المستقبلية
أحدث الخيارات لعلاج السرطان
علاج السرطان التقليدي هو العلاج الكيميائي طبعاً. بالإضافة إلى ذلك، هناك خيارات رئيسية أخرى، مثل العلاج الموجه والإشعاع والجراحة والعلاج المناعي. تتضمن قائمة العلاجات في المكتبة الوطنية للطب أيضاً العلاج بالحرارة والعلاج الهرموني والعلاج بالليزر وبالضوء الديناميكي والعلاج بالتبريد.
العلاج الكيميائي
العلاج الكيميائي أقدم استراتيجية متبعة لمعالجة مجموعة متنوعة من السرطانات، وقد تطورت استراتيجيات هذا العلاج في الآونة الأخيرة. تقول كارين كنودسن، المديرة التنفيذية لجمعية السرطان الأميركية في هذا الصدد: «تستهدف العديد من العلاجات الآن إحداث تغييراتٍ جينية داخل الخلايا السرطانية، مع ذلك، فإنها تظل تندرج تحت فئة العلاج الكيميائي». على سبيل المثال، يمكن للعلاج الكيميائي أن يهاجم بشكل مباشر أورام القولون والمستقيم وسرطان الجلد المرتبطة بطفرة في جين يُدعى (BRAF).
العلاجات المستهدفة
يقول موابي: «حتى خلايانا لها مدة صلاحية. في النهاية، يجب أن تموت وينبغي أن تحل مكانها خلايا جديدة. ولكن عندما يحاول الجسم تجديد الخلايا بشكلٍ غير طبيعي، تستمر الهياكل المجهرية بالانقسام. فإذا لم يتوقف ذلك، عندها يتطور السرطان. تحاول علاجات السرطان المستهدفة إصلاح تلك الأخطاء على المستوى الجيني، وخاصة الطفرات».
تركز العلاجات المستهدفة التي تُدعى «جسم مضاد- دواء متقارن»، ADCs اختصاراً، على الخلايا السرطانية مع ترك باقي خلايا الجسم وشأنها. على عكس العلاج الكيميائي، فإن هذا العلاج يسمح للخلايا السليمة بالبقاء سليمة بهذه الطريقة. يقول موابي: «عندما يستهدف هذا العلاج البروتين الموجود على الخلية السرطانية، يتم تحرير حمولة تلك الخلايا التي يرتبط بها الجسم المضاد فقط». ويضيف موابي أن هذا العلاج أحدث ثورة في علاج سرطان الثدي، ويتم حالياً استكشاف فعاليته في علاج أنواع أخرى من السرطان.
يُعد دواء «تراستوزوماب» (Trastuzumab)، والذي يُسوق تجارياً تحت اسم «هيرسيبتين» (Herceptin)، أحد العلاجات الموجهة الأخرى التي تعتمد على بيولوجيا المريض. تفرز بعض الخلايا السرطانية فائضاً من بروتين يسمى (HER2)، ويركز هذا العلاج على هذا البروتين، والذي يتسبب بشكلٍ عدواني من سرطان الثدي على وجه الخصوص فضلاً عن نوع معين من سرطان المعدة وسرطان المريء.
اقرأ أيضاً: كار تي-سل: دواء «حي» لعلاج السرطان ساعد مريضين في التخلص من السرطان لعقد من الزمن
العلاج الإشعاعي
وافقت إدارة الغذاء والدواء مؤخراً على علاج إشعاعي مبتكر يستهدف سرطان البروستاتا، والذي يعتبر مسؤولاً عن 5.7% من إجمالي الوفيات بسبب مختلف أنواع السرطان. تشير التقديرات إلى أن هذا السرطان سيفتك بنحو 34 ألف شخص هذا العام، أي ما يقرب من عدد سكان بيفرلي هيلز في كاليفورنيا.
وجدت دراسة أُجريت عام 2020 على نحو 1500 مريض أميركي أن العلاج بالبروتونات هو أحد العلاجات الإشعاعية الواعدة، وقد يكون أكثر أماناً من العلاج بالفوتونات. على الرغم من أن كلا النهجين يعتمدان على الإشعاع، إلا أن آلية عملهما مختلفة: ينطوي العلاج بالفوتونات على إرسال أشعة سينية عالية الطاقة أو أشعة جاما إلى داخل الجسم، بينما يعتمد العلاج بالبروتونات على جسيماتٍ موجبة الشحنة لتدمير الحمض النووي للخلايا السرطانية. وتقول كنودسن إن العلاج بالبروتونات يساعد في تقليل الضرر الذي يلحق بالأنسجة الطبيعية المحيطة (لا تزال التجارب جارية للتأكد من هذا الأمر).
العلاج الجراحي
تقول كنودسن أن جراحات السرطان، والتي تنطوي على إزالة الورم من الجسم، تتطور باستمرار. ينصب تركيز الباحثين الطبيين بشكلٍ رئيسي على تقليل الآثار الجانبية عن طريق اختيار الوقت الملائم للعلاج الكيميائي قبل الجراحة. وتضيف كنودسن: «بالنسبة لبعض أنواع السرطان، يمكن أن يؤدي إجراء العلاج الكيميائي مسبقاً إلى تقليص الورم، ما يجعل الجراحة أسهل ويقلل من النتائج السلبية على المريض».
العلاج المناعي
ينطوي هذا النوع من العلاج على تدريب جهاز المناعة على اكتشاف وتحديد الخلايا السرطانية، حيث ينطوي ذلك على توجيه العلاج للدخول إلى الجسم وإثارة استجابة دفاعية تفتك به. تتمثل وظيفة الجهاز المناعي في العثور على الخلايا السرطانية بعد ذلك، لكنه في بعض الأحيان لا يقوم بذلك بشكل مثالي.
أحد أنواع العلاجات المناعية الرائدة هي العلاج بالخلايا التائية CAR (مستقبل المستضد الخيمري)، والتي تحفز الجهاز المناعي على محاربة السرطان، حيث يتم تدريب الخلايا التائية في الدم بشكل أساسي على مهاجمة الخلايا السرطانية. في تجربة سريرية اكتملت المرحلة الثالثة منها مؤخراً ودرست 180 مريضاً في الولايات المتحدة على مدار عامين تقريباً، تبين أن العلاج بالخلايا التائية CAR فعال في معالجة المصابين بلمفومة (سرطان) الخلايا البائية الكبيرة (النوع الأكثر شيوعاً من اللمفوما اللاهودجكينية). ووفقاً لتجربة سريرية أخرى ما تزال في بداياتها، عندما يقترن بجرعة من لقاح الرنا المرسال، قد ينجح العلاج بالخلايا التائية CAR في معالجة المرضى الذين يعانون من أنواعٍ أخرى من السرطان يوماً ما.
اقرأ أيضاً: لترك العلاج الكيميائي: فقاعات دقيقة تحمل الدواء إلى السرطان مباشرة
هناك علاج آخر يساعد في كشف الخلايا السرطانية المتخفية عن جهاز المناعة. تقول كنودسن في هذا الصدد: «تمنع مثبطات نقاط تفتيش المناعة عملية التخفي هذه، لذلك من المحتمل أن تسمح لجهاز المناعة الخاص بك بكشف السرطان ومدى تطوره».
منع تطور السرطان
بالطبع، أفضل طريقة لمحاربة السرطان هي عدم تركه يتطور وينتشر في المقام الأول. بالإضافة إلى خيارات نمط الحياة مثل النظام الغذائي والتمارين الرياضية، هناك طرق لتقليل خطر الإصابة بالأمراض باستخدام اللقاح.
تقول كنودسن: «لدينا فرصة حقيقية للتخلص من سرطان عنق الرحم من خلال التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري، فضلاً عن 50% من سرطانات الرأس والرقبة. إنه أمر يمكننا التحكم فيه».
توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن يتم تطعيم جميع المراهقين بين سن 9 و12 عاماً -وليس الفتيات فقط- ضد فيروس الورم الحليمي البشري، والذي يُعتبر من أكثر الأمراض المنقولة بالجنس شيوعاً. تقول كنودسن: «إنه لقاح ضد السرطان. لا أحد يرغب في أن يرى طفله أو أي شخص يحبه مصاباً بهذا المرض في النهاية لأنه لم يتلقَّ اللقاح».
في غضون ذلك، يعمل الباحثون في جامعة ديوك على نوع مختلف من لقاح السرطان القائم على الرنا المرسال-على غرار لقاحات فيروس كورونا- للوقاية من نوعٍ شائع من سرطان الثدي (سرطان الثدي إيجابي البروتين HER2). بدلاً من استهداف عامل معدي مثل فيروس الورم الحليمي البشري أو فيروس كورونا، فإن تقنية لقاح العلاج المناعي هذه، والتي ما تزال في المرحلة الثانية من التجارب السريرية، ستحمي الأشخاص الذين يعانون من طفرات جينية تزيد من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. سيغطي هذه اللقاح مجموعة أخرى من السرطانات غير سرطان الثدي، بما في ذلك سرطان الرئة والبروستات والقولون.
اقرأ أيضاً: إليك أحدث ما توصل إليه العلم في علاج السرطان
يقول الباحث الرئيسي هربرت كيم ليرلي، عالم المناعة في جامعة ديوك: «لن نكون مقيدين فعلاً إذا ما تمكنا من إثبات المفهوم. الأمر أشبه بأن يكون لديك سيارة كهربائية واحدة يمكن أن تكون سيارة صغيرة أو شاحنة أو سيارة رياضية. وبالمثل، يمكن تصميم نسخٍ مختلفة من اللقاح لتناسب مختلف أنواع السرطان بعد أن نحقق النجاح مع النماذج الأولية التي نعمل على تطويرها».