اضطراب شحميات الدم هو خلل في توازن الدهون مثل الكوليسترول والبروتين الدهني المنخفض الكثافة (LDL-C) والغليسيريد الثلاثي والبروتين الدهني المرتفع الكثافة (HDL). يمكن أن ينتج هذا الاضطراب عن النظام الغذائي أو استهلاك التبغ أو العوامل الجينية، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين التي لها مضاعفات خطيرة.
اتبع مؤلفو الدراسة التي نشرت في مجلة بي إم سي للطب والعلاجات التكميلية (BMC Complementary Medicine and Therapies) مراجعة منهجية وتحليلاً تجميعياً للتجارب المنضبطة العشوائية، واكتشفوا أن الاستهلاك المستمر لحليب الإبل يمكن أن يخفض مستويات الكوليسترول لدى المصابين بمرض السكري بدرجة ملحوظة، ما يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب.
وفقاً لما كتب العلماء في الدراسة: "أجرينا بحثاً في 9 قواعد بيانات حتى تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2022 لتحديد التجارب المنضبطة العشوائية ذات الصلة (RCTs). حسبنا حجم التأثير لكل من الكوليسترول الكلي (TC) والغليسيريد الثلاثي (TG) والبروتين الدهني المنخفض الكثافة (LDL) والبروتين الدهني المنخفض الكثافة للغاية (VLDL) والبروتين الدهني المرتفع الكثافة (HDL)، وعبّرنا عن هذه القيم باستخدام الفروق الوسطية ومستويات الثقة".
اقرأ أيضاً: ما مضاعفات مرض السكري على المفاصل والعظام؟ وكيف يتم علاجها؟
حليب الإبل الطازج يؤدي إلى انخفاض كبير في مستويات الكوليسترول
يقول العلماء إنهم توصلوا للنتائج التي توصلوا إليها بعد مراجعة مئات التجارب السريرية العشوائية التي أجريت على المرضى المصابين بمرض السكري من النوعين الأول والثاني، بالإضافة إلى دراسة قواعد البيانات السابقة الذكر. فوفقاً للدراسة أدى استهلاك مرضى السكري لحليب الإبل الطازج إلى انخفاض كبير في مستويات الكوليسترول الكلي والغليسيريد الثلاثي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة، كما أدى إلى زيادات كبيرة في نسب البروتين الدهني المرتفع الكثافة. شهد المصابون بمرض السكري من النوع الأول انخفاضاً مفيداً أكثر في نسب الكوليسترول الكلي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة والغليسيريد الثلاثي وارتفاعاً مفيداً أكثر في نسب البروتين الدهني المرتفع الكثافة مقارنة بالمصابين بالسكري من النوع الثاني.
يقصد المؤلفون بكل من الكوليسترول الكلي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة والغليسيريد الثلاثي أحجام التأثير لهذه المواد.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أشهر 11 خرافة حول داء السكري
حسب العلماء أيضاً نسب البروتين الدهني المنخفض الكثافة للغاية والبروتين الدهني المرتفع الكثافة باستخدام الفروق الوسطية ومجالات الثقة.
حسم مسألة تأثير حليب الإبل على محتوى الجسم من الدهون
تمثّل هدف مؤلفي الدراسة الجديدة في حسم الجدل الدائر حول تأثيرات تناول حليب الإبل في محتوى الجسم من الدهون لدى المصابين بمرض السكري. ويأمل مؤلفو الدراسة الآن أن تساعد مراجعاتهم وتحليلاتهم التجميعية المنهجية للتجارب المنضبطة العشوائية الهادفة إلى قياس حجم تأثير تناول حليب الإبل في دهون الدم بين المصابين بمرض السكري من النوعين الأول والثاني في تسليط الضوء على القضايا التي أثارت الجدل حول حليب الإبل في الأدبيات العلمية.
مع ذلك، تؤكد هذه الدراسة أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من التجارب والأبحاث لوضع حد للجدل بين العلماء حول الفوائد الطبية لحليب الإبل والناجم عن التباين الكبير في الدراسات المشمولة في التحليل الجديد، ما يبيّن الحاجة إلى إجراء المزيد من التجارب العشوائية الأطول على عينات أكبر وفترات تدخّل أطول، وذلك لتعزيز رصانة الأدلة المتاحة.
تشير النتائج التي توصل إليها الباحثون إلى أن حليب الإبل يمكن أن يكون علاجاً تكميلياً مفيداً في التحكم باضطراب شحميات الدم بالنسبة للمرضى المصابين بمرض السكري من النوعين الأول والثاني، وذلك لأنه يتمتع بالقدرة على خفض نسب الكوليسترول الكلي والغليسيريد الثلاثي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة ورفع نسبة البروتين الدهني المرتفع الكثافة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لمرضى السكري أن يصوموا شهر رمضان بشكل آمن؟
حليب الإبل كعلاج مساند
قد يمثّل الاستهلاك الطويل الأمد لحليب الإبل (أكثر من 6 أشهر) علاجاً مسانداً مفيداً في تحسين محتوى الدهون في الجسم بالنسبة للمصابين بمرض السكري، وذلك عند تناوله إلى جانب الأدوية الموصوفة، وينطبق ذلك على المصابين بمرض السكري من النوع الأول بصورة خاصة.
يشعر الأستاذ المشارك في جامعة الشارقة والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، معز الإسلام عزّت فارس، بالتفاؤل بسبب النتائج وآثارها، لا سيما في بلدان الخليج العربي (الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين)، حيث توجد أعداد كبيرة من الإبل التي ما يزال حليبها عنصراً أساسياً في النظام الغذائي لبعض السكان.
يقول الدكتور فارس: "قد يمثّل الاستهلاك الطويل الأمد لحليب الإبل علاجاً مسانداً مفيداً في تحسين محتوى الدهون وخفض خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين بالنسبة للمصابين بمرض السكري، وذلك عند تناوله إلى جانب الأدوية التقليدية".
قال فارس إنه وزملاءه لاحظوا أن المصابين بمرض السكري الذين تناولوا حليب الإبل تمتعوا بمستويات منخفضة على نحو ملحوظ من الكوليسترول الكلي والغليسيريد الثلاثي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة مقارنة بالمرضى الذين لم يتناولوا هذا الحليب.
وأضاف أن النتائج كانت أوضح لدى المرضى الذين تناولوا حليب الإبل الطازج فترة تتجاوز 6 أشهر، وخصوصاً المصابين بالسكري من النوع الأول.
اكتشف الباحثون أيضاً في الدراسة أن المرضى تمتعوا بمستويات أعلى من البروتين الدهني المرتفع الكثافة، الذي يعد النوع "الحميد" من الكوليسترول من الناحية الطبية.
اقرأ أيضاً: متى يمكن أن يسبب السكر مرض السكري؟
يرتبط ارتفاع نسب كل من الكوليسترول الكلي والغليسيريد الثلاثي والبروتين الدهني المنخفض الكثافة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، في حين يرتبط ارتفاع نسب البروتين الدهني المرتفع الكثافة بانخفاض هذا الخطر.
الإبل كقيمة رمزية وصحية في الخليج العربي
يمكن شراء حليب الإبل من أغلبية متاجر البقالة في دول الخليج، بالإضافة إلى أنه متوافر في مراكز التسوق في المنطقة. يعد هذا المشروب فاخراً بالنسبة للكثيرين، ويبلغ سعره ضعف سعر حليب البقر. ويبلغ عدد الإبل في منطقة الخليج نحو 1.3 مليون، ويوجد نصف مليون منها في دولة الإمارات. يُعرف العرب، خاصة الخليجيين، بتعلّقهم وارتباطهم التاريخي بالإبل.
تقام فعاليات خاصة بالإبل في المناسبات الملكية، ويعد سباق الإبل نشاطاً رياضياً مهماً في المنطقة. يأمل الدكتور فارس أن تعزز الدراسة ونتائجها قيمة الإبل وتزيد التعلق فيها، مع تحوّل حليبها إلى غذاء أساسي بسبب فوائده العلاجية.
وفقاً للدكتور فارس، يمكن أن يقلل الاستهلاك المنتظم لحليب الإبل خطر الإصابة بمرض السكري لدى المصابين بمرض مقدمات السكري. وقد أشاد العلماء بحليب الإبل في دراستهم بسبب محتواه المنخفض من الدهون المشبعة وفوائده الطبية. ويعتقدون أن شرب هذا النوع من الحليب "هو بديل أفضل لتنظيم محتوى الجسم من الدهون".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: هذا الصيام يخفض خطر الإصابة بالسكري
إذا انتشرت النتائج المذهلة لهذه الدراسة، سيتمكّن مربو الإبل، سواء في دول الخليج أو أي مكان آخر، من الاستفادة من هذا الحليب الذي يتمتع بقيمة غذائية عالية. يُستخدم حليب الإبل حالياً بالفعل بديلاً لعلاجات اضطراب نسب الدهون والكوليسترول. يتلقّى المصابون بمرض السكري غالباً حقن الإنسولين لتنظيم مستويات هذا الهرمون في الجسم، ويقول الدكتور فارس إن الاستهلاك المنتظم لحليب الإبل يمكن أن يساعد على تقليل جرعة الإنسولين التي يحتاج إليها المرضى.
المصابون بالسكري أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية بمقدار الضعف مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون الأمراض المزمنة.ووفقاً للدركتور فارس، تفتح هذه الدراسة الباب أمام جراء المزيد من الأبحاث لتحديد المواد النشطة بيولوجياً في حليب الإبل وتطوير علاجات مخصصة لمرض السكري.