يمكن للأشخاص الذين يتمتّعون بصحة جيّدة أن يموتوا نتيجة لشرب كميات زائدة من الماء، فما هي كمية المياه التي نحتاجها؟
أنا عالمة في فيزيولوجيا التمرين، ويُركّز بحثي على فرط السوائل في الجسم والطريقة التي يؤثّر فيها شرب كميّات زائدة من الماء على الجسم. بما أن توازن الماء -والصوديوم- هو أمر ضروري للبقاء على قيد الحياة، فمن النادر جداً أن يموت البشر نتيجة لشرب كميّات زائدة -أو ناقصة- من السوائل. في معظم الحالات، تحافظ العمليات الجزيئية الدقيقة في الجسم على هذه التوازنات بشكلها السليم.
يُذكرنا الطقس شديد الحرارة والأيام طويلة النهار بأن نحافظ على تناول كمية المياه التي نحتاجها للحفاظ على صحتنا، وعلى ترطيب جسدنا دائماً عن طريق شرب 8 أكواب من المياه -لترين تقريباً- يومياً.
اقرأ أيضا: ما هي أسباب كثرة التبول.
الماء الداخل لجسدنا، والماء الخارج منه
مع انتهاء الربيع، تتجذّر «تحدّيات الترطيب» في المدارس وأوساط الرياضيين وأماكن العمل. هذه الصعوبات التي يروّج لها كثيراً تساهم في خلق ثقة بين المنتجين والمستهلكين، وتنافساً وديّاً لضمان أن نشرب كميات من الماء خلال النهار بشكلٍ قسري.
الترطيب وتحدّيات «شرب غالون» من الماء تدعم الاعتقاد السائد أن استهلاك الماء الذي يزيد عن الحاجة الفسيولوجية -أو العطش- هو أمر صحّي، ولكن هذا ليس صحيحاً. كمية المياه التي نحتاجها واحتياجات الجسم من الماء مبيّنة بشكلٍ أساسي على كمية الماء التي يفقدها. أما كمية الماء التي يجب أن يشربها كل شخص يجب أن تعتمد بشكلٍ أساسي على 3 عوامل:
- وزن الجسم. الأشخاص الأكثر وزناً يحتاجون كميّات أكبر من الماء.
- درجة الحرارة. عندما يكون الطقس شديد الحرارة؛ يتعرّق البشر ويفقدون الماء.
- مستويات النشاط الجسدي. زيادة شدّة التمارين تزيد كمية الماء المفقودة عن طريق التعرّق.
ولهذا، طرق استبدال السوائل التي يُدّعى أنّها تنطبق على كل الحالات، مثل شرب 8 أكواب من الماء يومياً (حوالي 236 مليليتر من الماء لكل كوب)، هو ليس أمر مناسب للجميع.
ليس من الواضح ما هو مصدر قاعدة الـ 8 أكواب السابقة. ربما تم استنتاجها من إساءة تفسير الإرشادات التي أصدرها «مجلس الطعام والتغذية» الأميركي عام 1945، وإرشادات وكالة «سلطة أمان الطعام الأوروبية» التي أصدرت في 2017. تنص هذه الإرشادات أن الكمية اليومية التي يُنصح بها من الماء تشمل المشروبات والرطوبة الموجودة في الأطعمة.
هذا يعني أن الرطوبة الموجودة في الأطعمة، وخصوصاً الفواكه الطازجة والمشروبات الغازية والعصائر والحساء والحليب والقهوة والجعة، كلّها تساهم في المدخول اليومي الذي يُنصح به من الماء. الإرشادات سابقة الذكر تشير إلى أن معظم مدخول الماء الذي يُنصح به يمكن تحصيله دون شرب أكواب إضافية من الماء.
ومن الضروري الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الكحول له آثار مدرّة للبول -إذ أن الإيثانول يؤثر مباشرة على الكلى مما يدفع الشخص للتبول أكثر- إلّا أن المشروبات الحاوية على الكافيين مثل الشاي والقهوة لا تزيد كمية الماء في البول بمقدار يتجاوز كمية الماء الموجودة في هذه المشروبات.
الكلى هي الأساس
والآن قد تتساءل عن سبب ذلك. في النهاية، سمعت من الكثير من الأشخاص يقولون أنه يجب أن تشرب المزيد من الماء.
نظراً لأن توازن الماء الكلّي في الجسم، أو ما يدعوه علماء التمرين «الاستتباب الداخلي»، هو أمر معقّد، فتبقى الثدييات على قيد الحياة عن طريق تعديلات لحظية في الكلى. ولهذا عندما يتعلّق الأمر بالترطيب، فالكلى هي الأعضاء الأساسيّة.
داخل كل كلية -نحن نحتاج كلية واحدة فقط (أي أننا نولد مع كلية احتياطية)- توجد شبكة تحتية من قنوات بروتين أكوابورين-2 المائية التي تستجيب لهرمون اسمه «أرجينين فاسوبريسين»، وهو الهرمون الأساسي المضاد لإدرار البول. يفرز هذا الهرمون عن طريق الغدّة النخامية الخلفية كاستجابة لإشارات عصبية تُرسل من حسّاسات دماغية متخصّصة تتحسس التغيّرات الطفيفة في توازن الماء. تدعى هذه الحساسات «الأعضاء المحيطة بالبُطينات».
تقوم الكلى بتعديلات جزيئية على حالتي قلّة الترطيب وفرط الترطيب خلال 40 ثانية كاستجابة لأي اضطراب في توازن الماء. تنتج هذه التعديلات عن طريق تفعيل العديد من قنوات بروتين أكوابورين-2 المائيّة، والتي يصل عددها إلى حوالي 12 مليون في كل خليّة أنبوبية جامِعة.
لهذا عندما نشرب أكثر من حاجة جسمنا من الماء، نشعر بسرعة برغبة في التبوّل لإخراج أية كمية زائدة من الماء. أو عندما ننسى أن نشرب خلال التمرين، فلن نتبوّل حتى نحافظ على الماء في الجسم. هذه التفاعلات السريعة والمتناسقة بين الدماغ والأعصاب القحفيّة والكلى هي أكثر كفاءة ودقّة بكثير من أي تطبيق هاتفيّ، أو جهاز أو إرشاد خاص متوفّر.
هل هناك إيجابيات لشرب كميّات كبيرة من الماء؟
تشير البيانات إلى أن شرب حوالي لترين من الماء يومياً يقلل تشكّل الحصى الكلوية عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الإصابة بها، كما يقلل عدد عدوات المثانة عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الإصابة بها.
تحسين لون ومظهر البشرة وتحسين وظائف الكلى والإمساك مع زيادة استهلاك الماء هي ادّعاءات لم تثبت علمياً. شرب كميات زائدة من الماء لا يساعد الأطفال على تخفيف الوزن إلّا إذا استبدَل مدخول الماء تناول المشروبات عالية السعرات الحرارية مثل المشروبات الغازية، أو إذا جعل الاشخاص يشعرون بالشبع قبل تناول الوجبات.
شرب الماء يمكن أن يؤثّر على الحالة العقلية لبعض الناس. تبلّغ بعض الدراسات عن تحسّن في الأداء الإدراكي بعد زيادة مدخول الماء، بينما تبلّغ النساء المصابات بالقلق أن شرب الماء بشكلٍ القسري يشعرهم بشعور جيّد (على الأرجح بسبب تفعّل دارات المكافأة التي تزيد نسب الدوبامين). العديد من المصابين بالفصام يشربون الماء بشكلٍ قسري، ويقولون أن «أصواتاً» تدفعهم للشرب وأن شرب الماء يكبح هذه الأصوات.
الجدير بالذكر أن دراسات تصوير الدماغ تؤكّد أن الشرب الزائد مزعج ويتطلّب جهداً عضلياً أكبر من الشرب عند العطش. يحاول الدماغ أن يعيق إفراط الشرب المزمن، أو ما يدعى بـ «العُطاش»، وذلك لأن «العُطاش الاجتماعي» يتسبب بالتبوّل المزمن (غزارة البول) والذي يمكن أن يتسبب بحالات مثل توسّع المثانة، وتمدد الحالبين وموه الكلى وقصورها.
لذلك، هل أنت بحاجة فعلاً لأن تشرب 8 أكواب من الماء يومياً؟ إلّا إذا كنت عطشاً، فشرب الماء الزائد لن يقدّم لك أي فوائد صحيّة إضافية، ولكنه ليس مضرّاً على الأرجح أيضاً. مع ذلك، يبدو أن تحدّيات الترطيب ليست أكثر من منافسات للتبوّل يتم التسويق لها بشكلٍ مبالغ به.
اقرأ أيضاً: هل تناول المشروبات الرياضية أفضل من شرب الماء؟
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من «ذي كونفيرسيشن» عبر بوبيولار ساينس من هنا.