كيف نستطيع مجابهة المعلومات الصحية المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي؟

5 دقيقة
كيف نستطيع مجابهة المعلومات الصحية المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/JRdes
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يبدو أن الحركة العالمية المناهضة للقاحات تتراجع، وكذلك الأمر بالنسبة لتردد الناس في قبول اللقاحات، الذي ازداد خلال جائحة كوفيد-19.

وفقاً لاستقصاء لآراء البالغين في الولايات المتحدة، كان احتمال اعتبار الأميركيين اللقاحات المعتمدة آمنة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أقل من نظيره في أبريل/نيسان 2021. مع تراجع الثقة باللقاحات، تستمر المعلومات المضلّلة المتعلقة بالصحة بالانتشار كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الحياة الواقعية.

أنا خبيرة في الصحة العامة متخصصة في مجال المعلومات الصحية المضللة وربط العلم بالمجتمع وتغيير السلوكيات الصحية.

أعتقد أنه يجب ألا نستخف بمخاطر انتشار المعلومات الصحية المضللة، كما أظن أنه يجب علينا أن نكتشف سبب انتشارها ونتوصل إلى حلول للتعامل معها. المعلومات الصحية المضللة هي أي ادعاءات خاطئة تتعلق بالصحة تَبيّن خطؤها بناءً على الإجماع العلمي الحالي.

الادعاءات الخاطئة حول اللقاحات

موضوع اللقاحات هو الموضوع الذي ينتشر حوله العدد الأكبر من الادعاءات الصحية المضللة. ويتضمن بعض الأفكار الخاطئة الرائجة حول اللقاحات ما يلي: علاقتها المزعومة باضطراب طيف التوحد لدى البشر.دحض العديد من الدراسات هذا الادعاء، كما فنّدته بصرامة منظمة الصحة العالمية والأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب والأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ومراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها.

اقرأ أيضاً: 9 خرافات خطيرة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي عن السرطان والأجوبة الدقيقة عنها

تأثير المعلومات الصحية المضلّلة

أدى الاعتقاد بهذه الأفكار الخاطئة إلى الكثير من الأضرار.

وفقاً للوحة معلومات أصدرتها كلية الصحة العامة في جامعة براون، كان من الممكن الوقاية مما يقدر بنحو 319 ألف حالة وفاة بسبب كوفيد-19 وقعت بين يناير/كانون الثاني 2021 وأبريل/نيسان 2022 في الولايات المتحدة لو تلقّى هؤلاء الأشخاص اللقاحات. كلّفت المعلومات المضللة والمعلومات المزيّفة حول لقاحات كوفيد-19 وحدها الاقتصاد الأميركي ما يقدر بنحو 300-50 مليون دولار أميركي يومياً في التكاليف العلاجية المباشرة في المستشفيات والتكاليف المتعلقة بالحالات المرضية الطويلة الأمد والوفيات، والخسائر الاقتصادية الناجمة عن التغيّب عن العمل.

على الرغم من أن الأفكار الخاطئة حول اللقاحات تمثّل الموضوع الأهم في المحادثات حول الصحة، انتشر أيضاً الكثير من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الأنظمة الغذائية واضطرابات الأكل والتدخين أو تعاطي المخدرات والأمراض المزمنة والعلاجات الطبية.

تبيّن الأبحاث التي أجراها فريقي وغيرها من الأبحاث أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصادر المعتمدة للحصول على المعلومات الصحية، خاصة بين المراهقين والبالغين الصغار السن. مع ذلك، لا يتمتّع الكثيرون بالقدرة على التمييز بين المعلومات الصحيحة وتلك المضللة في هذه المنصات.

على سبيل المثال، توصّل تحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع موقع ذي إكزاميشن (The Examission) الإخباري غير الربحي لمنشورات موقعي إنستغرام وتيك توك المنشورة بين عامي 2022 و2023 إلى أن قطاعات الأغذية والمشروبات والمكملات الغذائية دفعت المال للعشرات من المؤثرين المسجّلين في مجال التغذية مقابل نشر المحتوى الذي يروج للصودا المخصصة للحمية والسكر والمكملات الغذائية، وأن هذا المحتوى وصل إلى ملايين المشاهدين. لم يصرّح خبراء التغذية هؤلاء دائماً بعلاقتهم بقطاع التغذية للمشاهدين.

اقرأ أيضاً: خدعة الادخار الاجتماعي لاكتساب عادات صحية في إدارة وقتنا أمام الشاشات

تبين الدراسات أن انتشار المعلومات الصحية المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات، كما أنه يمكن أن يزيد احتمال التعرض لمخاطر صحية أخرى مثل اضطرابات الأكل والممارسات الجنسية غير الآمنة والأمراض المنقولة جنسياً. انتشرت أيضاً المعلومات الصحية المضللة المتعلقة بصحة الحيوانات؛ إذ اكتشفت دراسة أجريت عام 2023 أن 53% من مربي الكلاب الذين استُقصت آراؤهم وينتمون إلى عينة ممثلة على المستوى الوطني أبلغوا عن أنهم يشككون في فعالية لقاحات الحيوانات الأليفة.

المعلومات الصحية المضلّلة آخذة في الانتشار

يتمثّل أحد الأسباب الرئيسة لانتشار المعلومات الصحية المضللة في تراجع الثقة في العلم والحكومة. يؤدي تزايد الاستقطاب السياسي، إلى جانب انعدام الثقة القديم في الطب ضمن المجتمعات التي عانت عدم المساواة من ناحية الوصول إلى الرعاية الصحية وما زالت تعانيه، إلى تفاقم الانقسامات الموجودة مسبقاً.

يعزز انعدام الثقة هذا وانتشار المعلومات المضللة حالياً بعضهما. تتيح منصات الوسائل الاجتماعية للأشخاص تشكيل مجموعات معزولة من المعلومات بسهولة؛ إذ يستطيع المستخدمون تنظيم شبكاتهم والمنشورات التي تظهر لهم من خلال إلغاء متابعة الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر مختلفة أو كتم منشوراتهم، بالإضافة إلى الإعجاب بالمحتوى الذي يتوافق مع معتقداتهم وأنظمة القيم الحالية الخاصة بهم ونشره.

تحدّ خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، عن غير قصد، من تعرض المستخدمين لوجهات النظر المتنوعة وتولد لديهم فهماً مجزأً وغير كامل للمعلومات، وذلك لأنها تصمم المحتوى المعروض بناءً على التفاعلات السابقة. ما يثير القلق أكثر هو أنه اكتشفت دراسة حول المعلومات المضللة المنتشرة على موقع إكس (تويتر سابقاً) حلّل فيها الباحثون البيانات التي تعود للفترة بين عامي 2006 و2017 أن احتمال مشاركة الأكاذيب كان أكبر بنسبة 70% من احتمال انتشار الحقائق، وأن انتشار الأكاذيب كان “أوسع من انتشار الحقائق وأسرع وأعمق منه” عبر مختلف أنواع المعلومات.

اقرأ أيضاً: علامات مبكرة على الخَرَف يجب الانتباه إليها

كيفية محاربة المعلومات المضلّلة

تقع المسؤولية الكبيرة المتمثّلة في التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة على المستخدمين، وذلك بسبب غياب التنظيم الفعال الذي يتبع معايير موحّدة للمعلومات المضلّلة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما كتبنا أنا وأحد زملائي سابقاً، يمكن لكل من العلماء والكيانات البحثية أيضاً أن يسهم في محاربة هذه المعلومات من خلال التوصل إلى طرق أكثر فعالية لإيصال العلوم إلى المجتمع وإعادة بناء ثقته بالعلم. نشرتُ أيضاً توصيات خضعت لمراجعة الأقران تتعلق بالدور المهم الذي يمكن أن يؤديه كل من الآباء ومقدمي الرعاية وصانعي السياسات وكذلك شركات التواصل الاجتماعي.

فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن للمستهلكين اتخاذها لكشف المعلومات الصحية المضللة والحد من انتشارها:

  • تحقق من المصدر. يمكنك التأكّد من مصداقية المعلومات الصحية من خلال التحقق إن كان مصدرها مؤسسة أو وكالة ذات سمعة طيبة مثل منظمة الصحة العالمية أو المعاهد الوطنية للصحة أو مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها. تشمل المصادر الموثوقة الأخرى المؤسسات الطبية أو العلمية المعتمدة والدراسات التي خضعت لمراجعة الأقران والمنشورة في المجلات الأكاديمية. كن حذراً عند الاطلاع على المعلومات التي توفرها المصادر غير المعروفة أو المنحازة.
  • اطلع على مؤهلات المؤلّف. ابحث عن مؤهلات المؤلفين الذين يقدّمون المعلومات وخبراتهم والجهات المهنية التي ينتسبون إليها. كن حذراً إذا كانت المعلومات عن المؤلفين مفقودة أو إذا كان التحقق منها صعباً.
  • انتبه لتاريخ النشر. تتطور المعلومات العلمية بطبيعتها مع اكتشاف الأدلة الجديدة. وقد لا تكون المعلومات القديمة هي الأدق. ابحث عن البيانات والمعلومات الجديدة الحديثة التي تضع النتائج المعروضة ضمن سياق المجال الأوسع الذي تنتمي إليه.
  • احرص على إجراء عملية المطابقة المرجعية للتحقق من الإجماع العلمي. يجب عليك إجراء عملية المطابقة المرجعية للمعلومات في عدد من المصادر الموثوقة. يدعم الإجماع الصريح بين الخبراء وبين الدراسات العلمية المتعددة صحة المعلومات الصحية. إذا تعارض ادعاء صحي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي مع الإجماع العلمي المقبول على نطاق واسع، وكان مصدره غير معروف أو غير موثوق، فمن المرجّح أنه نفسه غير موثوق.
  • شكك في الادعاءات المثيرة للمشاعر. تُصاغ المعلومات الصحية المضللة غالباً بلغة مثيرة تهدف إلى إثارة مشاعر قوية لجذب الانتباه. قد تبيّن العبارات مثل “العلاج المعجزة” أو “العلاج السري” أو “النتائج المضمونة” إلى وجود المبالغات. انتبه لتضارب المصالح والمحتوى المرعيّ.
  • امنح الأهمية للأدلة العلمية بدلاً من الشهادات الشخصية. امنح الأولوية للمعلومات المستندة إلى الدراسات العلمية التي طبّقت طرق البحث الصارمة، مثل التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية ومراجعة الأقران والتحقق من الصحة. توفّر العملية العلمية أساساً موثوقاً لتقديم التوصيات الصحية مقارنة بالشهادات الشخصية، وذلك عندما تُنفَّذ بالطريقة الصحيحة وتعتمد على عيّنات ممثّلة. على الرغم من أن القصص الشخصية قد تكون مقنعة، يجب ألا تعتمد عليها وحدها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة.

اقرأ أيضاً: اكتشف المرض الذي تعاني منه بسبب استخدام التكنولوجيا

  • استشر المتخصصين في الرعاية الصحية. إذا كانت المعلومات الصحية مربكة أو متناقضة، تُمكنك استشارة مقدمي الرعاية الصحية الموثوقين الذين يمكنهم تقديم مشورة شخصية بناءً على خبرتهم واحتياجاتك الصحية الخاصة.
  • لا تشارك المعلومات التي تشك في صحتها. تسهم مشاركة الادعاءات الصحية دون التحقق من صحتها في انتشار المعلومات المضلّلة وتعزز الضرر الناجم عنها الذي يمكن الوقاية منه.

بوسعنا جميعاً أن نؤدي دوراً في استهلاك المعلومات ومشاركتها بمسؤولية بطريقة تؤدي إلى انتشار المعلومات الصحيحة بمعدل أسرع من تلك الخاطئة.