تشهد الولايات المتحدة زيادة حادة في عدد الإصابات بعدوى فيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، ما شكل ضغطاً كبيراً على مستشفيات الأطفال، حيث تمتلئ الأسرّة في المراكز الطبية بالمصابين، ما اضُطر العديد منها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية بسبب طاقتها الاستيعابية المحدودة. على سبيل المثال، طلب مستشفى كونيتيكت للأطفال الأسبوع الماضي من الحرس الوطني المساعدة في نصب الخيام في ساحة انتظار السيارات لتكون بمثابة وحدات عناية مؤقتة. وفي مستشفى "رينبو بيبيز أند تشيلدرين" في أوهايو، رفض الموظفون تقديم خدمات مراجعة الطوارئ التي تتطلب دخول المستشفى بعد وصول المستشفى إلى طاقته الاستيعابية القصوى.
الفيروس المخلوي التنفسي
الفيروس المخلوي التنفسي هو فيروس تنفسي يسبب أعراضاً تشبه الزكام، وهو موجود منذ قرون. لكنه يُعد اليوم السبب الرئيسي لأمراض الجهاز التنفسي الحادة عند الأطفال والرضّع. أثار التفشي الأخير قلقاً شديداً في الأوساط الطبية بالنظر إلى أن معظم الأطفال الذين تم إدخالهم إلى المستشفى كانت أعمارهم أكبر من عامين.
تقول رئيسة قسم الأمراض المعدية للأطفال في مستشفى ستوني بروك للأطفال، شارون ناكمان: "نشهد حالياً موجة قوية من حالات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي. لم نعد نشاهد تلك الحالات بين الأطفال دون عمر السنتين فقط كما نتوقع عادة، بل بتنا نشاهدها عند الأطفال في عمر المدرسة أيضاً، والذين من المفترض أنهم تعرضوا سابقاً لهذا الفيروس". يحذر خبراء طب الأطفال من أن الاضطرابات التي تسببت بها جائحة كوفيد-19 فاقمت من شدة موسم الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي هذا العام.
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تصاب الخلايا بفيروسين تنفسيين في الوقت نفسه؟
لماذا كان موسم الفيروس المخلوي التنفسي سيئاً جداً هذا العام؟
يقع اللوم على جائحة كوفيد-19. يقول طبيب الأطفال في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي، دانيال جانجيان، إنه من الضروري تعرض الأطفال في وقت مبكر من حياتهم إلى الفيروس المخلوي التنفسي لتدريب جهاز المناعة على مقاومته لاحقاً. تحدث معظم حالات عدوى الفيروس المخلوي التنفسي بين الرضع الذين لا تزال أجهزتهم المناعية في طور التشكّل، وقد يعاني هؤلاء الأطفال من الصفير والسعال لمدة أسبوعين، ولكن معظمهم يتعافون تماماً. تشير التقديرات إلى أن الفيروس المخلوي التنفسي وراء 7% من وفيات الرضّع، وتحدث معظم هذه الحالات بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 3 سنوات.
يمكن لجهاز المناعة، من خلال تذكر الفيروس، بناء الدفاعات اللازمة لتدمير العامل الممرض على الفور في المرة التالية التي يواجهه فيها. لكن التدابير الاحترازية التي فُرضت أثناء جائحة كوفيد-19 في أوائل عام 2020 حالت دون ذهاب الأطفال إلى دور الحضانة أو المدرسة شخصياً، ما قلل من فرصة الإصابة بالعدوى وإنشاء مناعة دفاعية ملائمة. يقول جانجيان موضحاً: "لم يتعرض هؤلاء الأطفال، والذين كانت أعمارهم بين عام وعامين أثناء الجائحة، إلى الفيروس المخلوي التنفسي، وبالتالي لم تتكون لديهم أي أجسام مضادة. إنهم يتعرضون الآن للفيروس للمرة الأولى ويظهرون ردة فعل مناعية شديدة".
ولكن ماذا عن الأطفال الذين تعرضوا للفيروس في الماضي وأصبحوا مرضى الآن؟ تقول ناكمان إن ذلك يرجع إلى أن استجابتنا المناعية للفيروس قصيرة العمر ويمكن أن يتم نسيانها بسهولة. وتشير إلى أن استجابتنا المناعية لا يمكنها تذكر الفيروس إلا إذا تعرضت له بشكل متكرر، وبالنظر إلى أن هؤلاء الأطفال لم يتعرضوا للفيروس في السنوات القليلة الماضية، فقد نسيت أجهزتهم المناعية كيف تستجيب له.
اقرأ أيضاً: ما هي العلاقة الجينية بين فيروس الإنفلونزا العادي وفيروس إنفلونزا 1918 القاتل؟
هل تفشي الفيروس المخلوي التنفسي مرتبط بالإنفلونزا؟
لا تسبب الإنفلونزا عدوى الفيروس المخلوي التنفسي، فالفيروسات المختلفة تسبب أمراضاً مختلفة في النهاية. لكن الإصابة بكلا الفيروسين في نفس الوقت قد تعقد الحالة أكثر. فبينما ينشغل الجهاز المناعي بمحاربة أحدهما، يمكن أن يتسلل الآخر ويسبب العدوى. تقول ناكمان موضحة: "تعبّر بعض العائلات عن قلقها من أن طفلها كان مريضاً طوال الشهر بالإنفلونزا، ولكن ذلك ليس صحيحاً. من الممكن أن يبدو الأطفال مرضى طوال الشهر، ولكن من المرجح أنهم لم يصابوا بالفيروسين في نفس الوقت. وحتى لو أصيبوا بكلا الفيروسين، وبالنظر إلى أن أعراض المرضين متشابهة كثيراً، فقد يبدو الأمر كما لو أن تعافيهم يأخذ وقتاً طويلاً".
تاريخياً، نادراً ما يتداخل موسم الإنفلونزا وموسم الفيروس المخلوي التنفسي. قبل جائحة كوفيد، كان موسم الفيروس المخلوي التنفسي يمتد من أواخر أكتوبر/ تشرين الأول وحتى ديسمبر/ كانون الأول، بينما يبلغ موسم الإنفلونزا ذروته في ديسمبر/ كانون الأول وينتهي في فبراير/ شباط. ولكن منذ أن تراجعت حالات أغلب الفيروسات التنفسية خلال جائحة كوفيد-19، حدثت انقطاعات في انتشارها الموسمي. تقول ناكمان في هذا الصدد: "لكن هذه الفيروسات لم تختفِ أبداً. مع عودة الناس إلى العمل والمدرسة، ازدادت فرصة انتقال الفيروسات من شخص إلى آخر".
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تصاب بفيروس كورونا والإنفلونزا في الوقت نفسه؟
كيف يمكن التمييز بين عدوى الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي؟
في الواقع، لا يمكن تمييز ما إذا كان شخص ما مصاباً بالإنفلونزا أو بالفيروس المخلوي التنفسي من خلال الأعراض التي تظهر عليه فقط. يمكن أن يصاب البالغون والأطفال الأكبر سناً بالفيروس المخلوي التنفسي، ولكن الأعراض غالباً ما تكون خفيفة في الأشخاص الأصحاء. تتشابه أعراض كلا الفيروسين، وتشمل الاحتقان والسعال وسيلان الأنف. ومع ذلك، لا تظهر جميع الأعراض في نفس الوقت عند الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي، وقد يعاني الأطفال الصغار جداً من التهيج وصعوبة في التنفس. تقول ناكمان: "إذا كان الطفل يعاني من صعوبة في الكلام أو كان يتنفس بشكل أسرع ويصدر صوت صفير، يجب مراجعة طبيب الأطفال ليتم إجراء الاختبارات اللازمة له".
إذا كنت تشتبه بإصابة طفلك بالفيروس المخلوي التنفسي، يمكنك إجراء اختبار سريع لمستضد الفيروس في عيادة الأطفال أو في مركز الرعاية الطارئة. يكشف اختبار مستضد الفيروس المخلوي التنفسي عن وجود البروتينات الفيروسية النشطة في مسحة الأنف، وتظهر نتائجه في غضون دقائق.
لا يوجد علاج أو دواء محدد لعدوى الفيروس المخلوي التنفسي- على الرغم من وجود تجارب سريرية تُجرى حالياً لتطوير لقاح له. ومع ذلك، هناك طرق لتخفيف الأعراض. بما أن الرضّع يتنفسون غالباً من أنوفهم، يوصي جانجيان باستخدام بخار ملحي أو أداة شفط لإزالة المخاط من الأنف وتخفيف الاحتقان. يجب أيضاً الحرص على أن يشرب الطفل الكثير من السوائل واستخدام الباراسيتامول والإيبوبروفين لإدارة الحمّى والألم، ويجب تجنّب استخدام الأسبرين.
كيف يمكنك حماية عائلتك من الفيروس المخلوي التنفسي؟
لتجنب التهابات الجهاز التنفسي في الخريف والشتاء، يوصي الخبراء بأن يتبع الأطفال العادات الصحية مثل غسل الأيدي قبل تناول الطعام أو بعد العودة من الخارج، وكذلك الاستحمام وتغيير الملابس بمجرد عودتهم إلى المنزل من المدرسة. يجب أيضاً تقوية مناعة الطفل من خلال النوم بشكل كافٍ، والحرص على تناوله الأطعمة الصحية مثل البروكولي والبطاطا الحلوة.
اقرأ أيضاً: مع اقتراب الشتاء، تعرف على الفرق بين الزكام والأنفلونزا
إذا ظهرت على طفلك علامات المرض، يوصي الأطباء بإبقائه في المنزل وتجنب الأماكن المزدحمة، وبذلك تساعد في الحد من انتشار الفيروس وتقلل من خطر إصابة طفلك بعدوى ثانية في نفس الوقت. ونظراً لعدم قدرة الرضع والأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين على وضع الكمامات، توصي ناكمان أيضاً بأن يرتديها الآباء أنفسهم عند خروجهم لتجنب جلب أي فيروسات إلى المنزل، ونقلها إلى أطفالهم.