بعد إصابتها بسكتة دماغية، استيقظت سيدة صينية عاشت في الصين طوال حياتها ودرسّت الإنجليزية فترة طويلة لتجيب عن أي سؤال يُطرح عليها باللغة الإنجليزية فقط. حدث أمر مماثل لرجل إنجليزي بدأ يتحدث الإنجليزية بلكنة "ويلز" بعد تعرضه لسكتة دماغية، على الرغم من أنه لم يعش في ويلز منذ 70 عاماً.
اقرأ أيضاً: معالجة النطق وحده قد لا تكون كافيةً لعلاج التلعثم
وفي مثالٍ آخر، وجدت ألمانية من الجزء الشرقي من البلاد نفسها تتحدث الألمانية السويسرية بعد إصابتها بسكتة دماغية، علماً أنها لم تزر سويسرا على الإطلاق، كما بدأت سيدة أسترالية بالتحدث بلكنة فرنسية بعد تعرضها لحادث سيارة، واستيقظت سيدة أميركية ذات يوم بعد ليلة من الصداع الحاد لتتحدث مزيجاً من اللهجات الأسترالية والبريطانية والأيرلندية.
هذه الأمثلة كلها التي ذُكِرت أعلاه تُشير إلى حالة واحدة وهي "متلازمة اللهجة الأجنبية" (Foreign Accent Syndrome) والتي تحدث بعد الحوادث والرضوض الرأسية أو الإصابة بسكتة دماغية أو أي نوعٍ آخر من تلف الدماغ. وعلى الرغم من ندرتها، فإنها حالة صحية مُثبتة، وشُخِّص 100 شخص بهذه المتلازمة، وأول حالة معروفة كانت عام 1907.
كيف يمكن أن تتغير اللغة أو اللكنة بعد السكتة الدماغية؟
الحالات العصبية التي تؤثّر في منطقة بروكا، الموجودة في القسم الأيسر من الدماغ والمسؤولة عن توليد الكلام، هي التي تقف وراء حدوث متلازمة اللكنة الأجنبية. سواء السكتة الدماغية التي تقطع تدفق الدم إلى الدماغ أو الرضوض الدماغية الشديدة أو تمدد الأوعية الدماغية التي تضعف وتتمزق مُسببة حدوث نزيف داخلي، بالإضافة إلى التصلب المتعدد وفيه قد تتشكل لويحات ضمن باحة بروكا مؤثرةً في وظيفتها.
الأمثلة التي ذُكِرت أعلاه يمكن التعمق فيها بشكلٍ أكبر وتقسيمها إلى نوعين؛ النوع الأول يتحدث فيه البشر لغة أجنبية مختلفة تماماً عن اللغة الأم والذي يُدعى بـ "الحبسة ثنائية اللغة"، أمّا بالنسبة للحالات التي يُحافظ فيها الأفراد على لغتهم الأم وإنما تتبدل لهجتهم ولكنتهم لتشابه لكنات لغات أخرى، فهذا مثال أدق لمتلازمة اللكنة الأجنبية.
ومن المهم أن نسلّط الضوء على أن فهم اللغات لا يتأثر في كلتا الحالتين، فباحة بروكا التي تُصاب هي المسؤولة عن الكلام، بينما توجد باحة حسية أخرى مسؤولة عن استقبال وفهم الكلام وهي باحة فيرنكا. وفي متلازمة اللكنة الأجنبية، يتأثر النظام الصوتي بشكلٍ عام، حيث تظهر التبدلات التالية:
- مشكلة في نطق مجموعات من الأصوات مثل أحرف S وT وR.
- مشكلة في الأصوات التي تتطلب "النقر" باللسان خلف الأسنان الأمامية العلوية كحرفي T وD.
- تكرر إضافة أصوات أو إزالتها أو استبدالها، والأكثر شيوعاً استخدام حرف R بدل حرف I.
- اختلاف درجة الصوت أو النغمة في بعض الأصوات.
اقرأ أيضاً: وراء السبب وراء ازدياد حدوث النوب القلبية بين الشباب؟
هل يمكن للفرد أن يتحدث لغة أجنبية جديدة كُلياً؟
يوجد نمطان مختلفان لمتلازمة اللكنة الأجنبية، وأكثرهما تعقيداً "الحبسة الثنائية اللغة" التي يتحدث فيها الأفراد لغة مختلفة تماماً عن اللغة الأم. وفي هذا الحالة ينبغي أن تكون اللغة قد تعلمها من قبل، حيث تعتبر اللغات مُكتَسبة وقابلة للتعلم وليست فطرية، ومن غير المنطقي أن يتحدث الشخص لغة جديدة كلياً بشكلٍ مفاجئ.
وفي الحبسة الثنائية اللغة، لا يزال الأفراد قادرين على التحدث باللغات جميعها التي تعلموها -إلّا أن هذه اللغات كلها تكون متأثرة بالإصابة إلى حد ما- ولكن يميلون للتحدث بإحدى اللغات المكتسبة عوضاً عن اللغة الأم. وبالنسبة للمرضى الذين أُصيبوا بالسكتة الدماغية، قد يكون الأمر مؤقتاً أو متبدلاً، إذ يمكن للمرضى التحدث بلغة واحدة فقط في يوم واحد واللغة ثانية في اليوم التالي، الأمر لا يمكن توقعه ببساطة وكل فرد مُصاب هو حالة نوعية واستثنائية.
كيف تُعالَج متلازمة اللكنة الأجنبية؟
تُعالج متلازمة اللكنة الأجنبية بعلاج العامل المُسبب، حيث تُعالج السكتة الدماغية بالأدوية المضادة للتخثر لمنع حدوث المزيد من تجلطات الدم، أو تُزال الجلطة جراحياً لإعادة التدفق الدموي لمناطق الدماغ. أمّا بالنسبة لإصابات الدماغ فتُعالج الناجمة منها عن النوب الاختلاجية بالأدوية المضادة للاختلاج أو مدرات البول لتقليل الضغط في الدماغ، ويبقى العمل الجراحي الخيار الأخير للإصلاح.
يُعتبر العمل الجراحي وربط الأوعية الدموية النازفة والسيطرة على النزيف الخيار الأول بالنسبة لمرضى تمدد الأوعية، ويعتمد علاج مرض التصلب العصبي المتعدد على الحالة، وعادةً ما يُعالج دوائياً لإبطاء تقدم أعراض، وبعد تقديم العلاج النوعي لكل حالة صحية كامنة وراء حدوث متلازمة اللكنة الأجنبية.
اقرأ أيضاً: تحد من التوتر والاكتئاب: إليك فوائد القراءة للدماغ والجسم
يمكن تدعيم العلاج بتدريبات علاجية للنطق لتوجيه المريض لكيفية إعادة إنشاء لهجته السابقة من خلال التمارين الصوتية التي تستهدف نطق الأصوات، ويُدعم ذلك بالعلاج السلوكي أيضاً، حيث يشعر بعض المرضى بأنهم فقدوا جزءاً من هويتهم، ويُساعد العلاج السلوكي على تنمية عادات إيجابية وصحية لمكافحة الأفكار أو المشاعر أو العادات السلبية الناجمة عن هذا التغير في الحياة والهوية.