لا شك أن مصطلح "مادة مُسرطنة" يستوقفنا جميعاً في القصص الإخبارية وعند تصفحنا وسائل التواصل الاجتماعي، مُحركاً بعض المخاوف الفطرية داخلنا، ومن الطبيعي أن نتساءل عما يعنيه هذا المُصطلح وفيما إذا كان يُسبب لنا السرطان حقاً.
ما هي المادة المُسرطنة؟ وهل يرتبط التماس معها بالإصابة بالسرطان حتماً؟
المادة المُسرطنة بالتعريف البسيط هي مادة تؤثر في الحمض النووي لبعض الخلايا مُحدِثةً السرطان، فالسرطان ينتج من الانقسام العشوائي غير المنظم الذي يحدث نتيجة خلل في جينات الحمض النووي للخلايا. وقد تكون هذه المواد موجودة في الهواء أو في أحد المنتجات التي نستخدمها مثل المواد الكيميائية في الأطعمة والمشروبات أو مستحضرات العناية بالشعر والتجميل.
اقرأ أيضاً: إلى أي مدى يجب أن نقلق من المواد المُسرطنة؟
ولحسن الحظ، لن تُصاب بالسرطان لمجرد لمسك لأحد المواد المُسرطنة، فالسرطان يتحدد بالعاملين البيئي والجيني، والعامل البيئي بدوره يتحدد بنوع المادة التي تتعرض لها بالإضافة إلى كثافة مقدار التعرض.
أما الدور الذي تؤديه الجينات فلا يقل أهمية عن التعرض للعوامل البيئية المُسببة للسرطان، فعلى سبيل المثال؛ يمكن لباحثي المختبر إعطاء جرعات متساوية من المواد المُسرطنة لفئران التجارب ولكن هذا لا يعني أنها جميعها ستطور السرطان، وهنا يأتي دور التأهب الجيني للإصابة.
ما أكثر المواد المُسرطنة التي قد نتعرض لها في حياتنا اليومية شيوعاً؟
نورد إليك أكثر المواد المُسرطنة انتشاراً والتي نتعرض لها على نحوٍ شبه يومي تقريباً حتّى تتجنبها قدر المُستطاع:
1. التبغ
أصدرت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان أكثر من 35 دراسة منذ عام 2012 تختص بالبحث في ماهية المواد المُسرطنة الموجودة في التبغ وعددها، سواء كان التبغ غير المحترق الذي يُمضغ أو دخان التبغ؛ كما أنه لا يهم إذا كنت مدخناً حقيقياً أو مدخناً سلبياً -أي تتنفس دخان شخص آخر- ففي كلتا الحالتين أنت تتعرض إلى أكثر من 70 مادة كيميائية تسبّب السرطان وتُتلف الحمض النووي الخاص بك.
2. غاز الرادون
ينبعث غاز الرادون بكميات صغيرة في الطبيعة، عن طريق سلسلة من التحولات الإشعاعية التي تطرأ على اليورانيوم، وهذا لا يُعتبر ضاراً إلا أنه إذا تراكم داخل المنزل واستُنشِق فعندئذ يكون الرادون قادراً على أذية بطانة الرئتين؛ لهذا السبب يُعتبر السبب الأول لسرطان الرئة لدى غير المدخنين. يمكن أن تكون مواد البناء وإمدادات المياه والغاز الطبيعي مصادر لغاز الرادون في المنزل، وكذلك فإنه يكون ذا كثافة أعلى في الطوابق السفلية منه في الطوابق الأعلى.
3. الأسبستوس
يُستخدم الأسبستوس في بناء ألواح الأسقف وبعض أنواع البلاط وقطع السيارات، ويتميز بتركيبته الفريدة من الألياف المتينة والصغيرة التي تساعد على تقوية هذه المنتجات وتمكينها. ومع ذلك، في حال تحررت هذه الألياف وقمت باستنشاقها، فيمكن لها أن تستقر داخل رئتيك وتسبب أذيتها؛ ولهذا السبب على العاملين في أي مجال يتطلب استخدام الأسبستوس استخدام الأقنعة الوجهية الواقية وارتداء ملابس واقية في أثناء العمل.
اقرأ أيضاً: حكومة ولاية كاليفورنيا تتهم مبيداً عشبياً شائعاً بأنه مادة مُسرطنة
4. الأطعمة المُحمَّصة بإفراط
تنتج من تسخين الأطعمة إلى درجات حرارة عالية مادة كيميائية تسمَّى "الأكريلاميد"، يُشك بأنها تزيد فرص إصابة البشر بالسرطان؛ إذ أُجري العديد من الدراسات للبحث وإثبات تأثير هذه المادة إلا أن النتائج غير مُثبتة بعد لتعميمها.
توجد مادة الأكريلاميد في دخان التبغ أيضاً، ويمكن تقليل التعرض لها عن طريق تجنب التدخين ومحاولة تجنب تحميص الأطعمة أو قليها إلى أن تصبح باللون البني الغامق، وعوضاً عن ذلك تحميصها إلى اللون الذهبي.
5. الفورمألدهيد
يوجد الفورمألدهيد في مواد البناء مثل الخشب الرقائقي وفي بعض أنواع الأقمشة، وتُستخدم هذه المادة الكيميائية في العديد من المنتجات المنزلية مثل مواقد الغاز ومدافئ الكيروسين وفي دخان التبغ أيضاً. لهذا السبب؛ قبل شراء أي منتجات خشبية أو أثاث لمنزلك، ابحث فيما إذا كانت تحتوي على الفورمألدهيد، ويُنصح كذلك بتهوية منزلك كل يوم والحفاظ على مستويات الرطوبة منخفضة.
6. الأشعة الفوق البنفسجية
الأشعة الفوق البنفسجية هي أحد أهم أسباب الإصابة بسرطان الجلد؛ إذ تمتص الخلايا الجلدية هذه الأشعة التي تتلف الحمض النووي الخاص بها مُحدثةً سلسلة من التفاعلات المرضية التي تنتهي بحدوث الأورام.
ولا نعني بالأشعة الفوق البنفسجية تلك التي نحصل عليها من أشعة الشمس وحسب؛ بل لسرير التسمير التأثيرات الضارة نفسها وأكثر. لهذا؛ يُنصح دائماً بحماية الجلد من التعرض غير الضروري لهذه الأشعة عن طريق البقاء في المنزل في أثناء ساعات ذروة الحر، وارتداء قبعة حماية وتطبيق الواقي الشمسي بانتظام.
7. الكحول
يزيد استهلاك كميات كبيرة من الكحول خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان مثل سرطان الرأس والعنق وسرطان المريء وسرطان الكبد وسرطان القولون والمستقيم، ويعود ذلك إلى تفكك الإيتانول الموجود في المشروبات الكحولية إلى أست ألدهيد المعروف بأنه مادة مُسرطنة تدمر الحمض النووي وتمنع الخلايا من إصلاح الضرر، الأمر الذي يسمح للخلايا السرطانية بالنمو.
8. اللحوم المصنَّعة
هل تساءلت كيف تحافظ اللحوم المصنَّعة على لونها الوردي ورائحتها؟ إنه النتريت الذي يحافظ على اللحوم المصنعة طازجة لأطول فترة ممكنة، ويكمن الخطر بأن النتريت يتحول إلى مركبات النتروز التي تؤدي دوراً بوصفها أحد المواد المُسرطنة، وهي التي تجعل اللحوم المصنَّعة عامل خطر للإصابة بالسرطان أكثر من اللحوم الحمراء الطازجة. الأمر سيان فيما يتعلق باللحوم المدخَّنة أو المخمَّرة أو المملَّحة؛ إذ تمتلك هذه الأنواع شيئاً من الخطورة الكامنة للتسبب بالسرطان أكثر من اللحوم الطازجة.
اقرأ أيضاً: لمَ ترتفع إنزيمات الكبد عند الإصابة بالسرطان؟
9. دخان عوادم المحركات
تعمل الشاحنات والحافلات والقطارات وحتى بعض السيارات على وقود الديزل، الذي يُصدر غازاً وسخاماً يؤدي دوراً مهماً في أذية الجهاز التنفسي ويتسبب في حدوث سرطان الرئة وأنواع أخرى من السرطان. لهذا؛ يُنصح بتجنب قضاء الوقت بجوار المركبات التي تعمل على وقود الديزل، وإن كانت وظيفتك تتطلب تماساً دائماً معها، فمن المهم أن تحرص على اتباع إرشادات السلامة في مكان العمل حفاظاً على صحتك.
10. التلوث
إلى جانب التلوث الهوائي الذي تسببه عوادم السيارات، يحتوي الهواء الخارجي بطبيعة الحال على ملوثات وغبار ومعادن ومذيبات تتسبب بحدوث إصابة من كل 10 إصابات بالسرطان. قد لا يكون تجنب ذلك ممكناً؛ إلا أنه بالطبع يسعنا أن نقي أنفسنا من هذا الخطر عن طريق البقاء داخل المنزل في الأيام التي تكون فيها جودة الهواء سيئة، والتنزه في الهواء الطلق بين الحين والآخر للسماح للرئتين بتنفس الصعداء.