الناعور أو "الهيموفيليا" هو أحد الأمراض الدموية التي تنتقل بالوراثة المرتبطة بالصبغي "X"، وهو لا يعد من الأمراض الشائعة إذ يصيب مولوداً واحداً بين كل 100 ألف ولادة، حيث يولد كل سنة نحو 400 طفلاً مصاباً بهذا المرض في المملكة المتحدة.
تم وصف هذا المرض للمرة الأولى في القرن العاشر من قبل أبو قاسم الزهراوي، وكان الوصف الأولي محدوداً، فقد وصف الحالة الطبية للذكور الذين توفوا بعد تعرضهم لرضوض طفيفة. ومع بداية القرن التاسع عشر تم وضع أول تفسير علمي دقيق للناعور وكان "ازدياد خطر النزيف المميت في بعض العائلات"، وكان أول وصف يحدد ماهية المرض بكونه وراثيّاً.
سُميّ الناعور سابقاً بـ "نزف الدم الملكي" نظراً لأنه كان سائداً في بعض العائلات الحاكمة، إذ نقلت الملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا العظمى وإيرلندا، هذا المرض إلى ابنها، وبعد ذلك انتقل إلى العائلات الحاكمة في إسبانيا وروسيا وألمانيا عبر بناتها.
اقرأ أيضاً: لأول مرة استخدام كريسبر لتحرير الجينات في علاج مرضٍ وراثي
ما هو الناعور؟
هو اضطراب نزيف وراثي لا يتخثر فيه الدم بشكل صحيح، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نزوف بعد رضوض خفيفة، أو بعد العمليات الجراحية، أو حتّى نزوف عفوية بدون أي رضوض في الحالات الأكثر شدة.
يوجد في الدم مجموعة من البروتينات الدموية، يُطلق عليها اسم "عوامل التخثر"، تساعد في تخثر الدم عند الإصابة بالجروح، الأمر الذي يؤدي لتوقف النزيف وعدم خسارة الدم. يكون للأشخاص المصابين بالناعور مستويات منخفضة من عوامل التخثر وخاصةً العامل الثامن، وعندئذ يُسمى الناعور نمط "أ" أو يُسمى الناعور نمط "ب" حين تكون المستويات منخفضة بالعامل التاسع، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تخثر الدم بشكل كافٍ لإيقاف النزيف ما يتسبب في خسارة كميات كبيرة من الدم.
تتعلق شدة النّاعور بنسبة مستويات العاملين الثامن والتاسع التي تجوب الدم، فكلما قلّت كمية هذه العوامل كلما كان تخثر الدم أضعف وبالتالي ازدادت شدة الإصابة بالناعور.
اقرأ أيضاً: ما هي فصائل الدم؟
كيف ينتقل الناعور وراثياً؟
سبب حدوث الناعور هو طفرة أو تغيير في أحد الجينات التي تنظم تصنيع بروتينات عوامل التخثر اللازمة والتي توجد على الصبغي "X". تتسبب هذه الطفرة في منع عوامل التخثر من أداء وظيفتها بشكل صحيح، وقد تثبط عملها بشكل تام في الحالات الشديدة.
يحتاج الذكور طفرة واحدة فقط على الصبغي "X" لتشخيص الإصابة بالناعور، نظراً لأن صيغتهم الصبغية هي "XY"، بينما تمتلك الإناث ذوات الصيغة الصبغية "XX" نسختين من هذه الجينات. ولذلك يصاب الذكور بمرض الناعور إذا ورثوا الصبغي "X" الحامل لطفرة الناعور من الأم، بينما تحتاج الإناث لأن ترثن طفرة الناعور من الصبغي "X" الخاص بالأم وطفرة أخرى على الصبغي "X" من الأب لكي تُصَبن، الأمر الذي يُفسر إصابة الإناث النادرة بالناعور مقارنة بالذكور. وإن ورثت الأنثى طفرة واحدة للناعور سواء من الأب أو الأم، عندئذ نطلق عليها اسم "حاملة للمرض"، وليست مصابة به.
اقرأ أيضاً: كيف تتسلل الجينات القافزة إلى الجيل الثاني من الأطفال
أعراض الناعور
للناعور نوعين، الأشيع هو الناعور "أ" والذي يحدث فيه نقص في العامل الثامن، والأقل شيوعاً هو الناعور "ب"، والذي يُسمى أيضاً بـ "داء كريسمس"، وهو ناجم عن نقص العامل التاسع. كما ذكرنا تتراوح أعراض الناعور بين الخفيفة إلى الشديدة وذلك بالاعتماد على شدة نقص عوامل التخثر، ومن أهم أعراضه نذكر:
- النزوف داخل المفصلية والتي تؤدي إلى حدوث أمراض مزمنة في المفاصل إن لم تدبر بالشكل الأمثل، كما تتسبب في تآكل المفصل إن تكررت وفي حدوث آلام مزمنة معنّدة.
- نزوف دماغية، فأي رض على منطقة الرأس قد يحرّض حدوث نزف دماغي. تتعلق الأعراض بمكان حدوث الورم الدموي من الدماغ، وقد يتسبب بحدوث نوبات اختلاج أو شلل تام في بعض الحالات.
- تطاول فترة الطمث عند الإناث المصابات في الحالات الخفيفة، وقد لا يتوقف النزف الطمثي في الحالات الشديدة مؤدياً لحدوث الموت.
- نزوف جلدية أو كدمات.
- نزوف عضلية عميقة بعد حوادث السقوط.
- نزوف فموية لثوية كتلك التي تحدث عند الأطفال مع تساقط الأسنان اللبنية.
- نزوف أنفية كالرّعاف الذي يصعب السيطرة عليه.
- النزف بعد الختان.
- النزف بعد أخذ الحقن.
قد تؤدي جميع الحالات السابقة إلى الموت إن لم تُدبر بشكل صحيح، إذ يؤدي النزيف غير المُسيطر عليه إلى حدوث صدمة نقص حجم الدم التي تؤدي إلى حدوث نقص في تروية العضلة القلبية والدماغ.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: حبتا أفوكادو أسبوعياً يمكنهما تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب
علاج الناعور
أفضل طريقة لعلاج الناعور هي تعويض عامل تخثر الدم المفقود حتى يتخثر الدم بشكل صحيح، ويتم إعطاؤه عن طريق الوريد، إذ يتم نقل العامل الثامن لمرضى الناعور "أ" أو العامل التاسع لمرضى الناعور "ب"، وذلك في الحالات التي يُشك حدوث النزوف فيها مثل الرضوض، أو قبل القيام بأي عمل جراحي، أو حتى قبل زيارة طبيب الأسنان. يمكن للأشخاص المصابين الناعور تعلم كيفية إجراء هذه الحقن بأنفسهم حتى يتمكنوا من إيقاف نوب النزيف.
يمكن نقل الدم كاملاً إن تعذر إيجاد عوامل التخثر، كما يتوجب سحب الدم من المفصل في حال النزف المفصلي لحماية مكونات المفصل من التأذي جراء الضغط المرتفع الناجم عن استمرار تراكم النزوف الدموية. وتبقى الوقاية مفتاح العلاج وذلك بالابتعاد عن أي مكان أو عمل يحمل خطر الإصابة بالرضوض. يُنصح الأطفال والبالغون بارتداء خوذة وأربطة حامية للمرفقين والركبتين أثناء ركوب الدراجة أو أثناء الركض والقيام بالتمرينات الرياضية.
اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن التبرع بالدم
مرض الناعور حالة مزمنة تتطلب العلاج مدى الحياة، ولذلك من المهم تزويد المدرسة وأماكن العمل وجميع أفراد عائلة المصاب بالمعلومات الواجب معرفتها حول الناعور نظراً لحساسية التعامل مع المرضى، إذ قد يتسبب رض بسيط في حدوث مضاعفات خطيرة.