عندما انتشر فيروس زيكا في أنحاء أميركا الجنوبية بين عامي 2015 و2016، كان القلق السائد حينها هو ارتباط هذا الفيروس بصغر حجم رأس الرضّع الذين يولدون لأمهات أصبن بالفيروس خلال الحمل. لكن صغر الرأس، وهي حالة يولد فيها الأطفال برؤوس أصغر من الحجم الطبيعي المعتاد، يحدث فقط في حالات قليلة؛ قرابة 4%.
تقول «كارين نيلسن ساينس»، أستاذة في قسم طب الأطفال السريري للأمراض المعدية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «ظهر مرض صغر حجم الرأس بسبب انتشار فيروس زيكا على نطاق واسع».
أظهرت دراسة جديدة نُشرت في دورية «نيتشر ميديسن» أن ما يقرب من ثُلث الأطفال الذين أصيبت أمهاتهم بفيروس زيكا خلال الحمل يعانون من تأخر في النمو ومشكلات أخرى، حتى في حالة عدم إصابتهم بصغر الرأس. وبهذا الصدد صرحت نيلسن ساينس: «عند النظر إلى حالات التأخير الطفيف في النمو، كان عدد الأطفال المصابين كبيراً، وهو الأمر الذي كان مستغرباً».
تتبعت نيلسن وزملائها في البرازيل مجموعة من الأجنة قبل وبعد ولادتهم لنساء مصابات بفيروس زيكا، الأمر الذي مكّن الفريق البحثي من معرفة مختلف تأثيرات الفيروس ومدى تواترها. تقول «إليزابيث سترينجر»، أستاذة مساعدة في قسم الطب الجنيني في جامعة ولاية كارولينا الشمالية: «إن النظر إلى تأثيرات فيروس زيكا، بعيداً عن مرض صغر الرأس الذي ارتبط به، يعد المفتاح لفهم كيفية عمل هذا الفيروس». وتضيف: «من المهم تتبع مختلف تأثيرات فيروس زيكا على النمو العصبي للأطفال، الأمر الذي سيمكن من تحديد أعراضه المتنوعة».
فحصت الدراسة 216 رضيعاً، منذ أن كان عمرهم 7 أشهر إلى أن أصبح عمرهم 32 شهراً. تم اختبار ثلثي الأطفال باستخدام مقياس بيلي لنمو الطفل (اختبار مكثف يبحث الأوجه المتعددة لنمو الأطفال)، وتم اختبار باقي الأطفال الذين رفض آباؤهم الخضوع لاختبارات طويلة، بواسطة تقييم هامرسميث العصبي للرضع. سجل 31.5% من الأطفال معدلاً أقل من المتوسط في هذه الاختبارات، وتركزت التأثيرات في قدرتهم على اكتساب اللغة.
بحلول الوقت الذي قدمت فيه الدراسة للنشر، أصيب 3 أطفال بمرض التوحد، ووصل الرقم إلى 5 مصابين فيما بعد، حسب قول نيلسن، وهي نسبة أعلى من المعدل. وهذا ما يوضح أن فيروس زيكا يشبه الأمراض الأخرى التي تصيب الأطفال قبل الولادة، مثل الحصبة الألمانية، التي تزيد من فرص الإصابة بالتوحد.
أصيب 8 أطفال في المجموعة المدروسة بمرض صغر حجم الرأس، وطور اثنان الحالة نفسها في وقتٍ لاحق، وتعرف هذه الحالة باسم مرض صغر الرأس الثانوي. من المثير للاهتمام أن نذكر أن اثنين من الأطفال الذين ولدوا مصابين بصغر حجم الرأس شفوا من هذه الحالة لاحقاً، واستكملوا نموهم الطبيعي. تقول نيلسن ساينس: «إن الاعتقاد السائد هو أن صغر الرأس يدمر مستقبل الأطفال، لكن ثمة استثناءات لهذه القاعدة».
في حين أن الدراسة تبين التأثيرات الواسعة لفيروس زيكا، لاحظت سترينجر أنها لم تقارن نتائج الرضع في اختبارات النمو العصبي مع نتائج الأطفال الذين لم يصابوا بالفيروس، الذين يعيشون تحت ظروف مماثلة في تلك المناطق. وتضيف: «لا نعرف حقاً كيف سيكون أداء الأطفال الذين لم يتعرضوا لفيروس زيكا في تلك الاختبارات، وهو ما يدفعنا للتساؤل عما إذا كان الأطفال في هذه المناطق يعانون في المجمل، على سبيل المثال، من تأخر في اكتساب المهارات اللغوية».
مع ذلك، تقول سترينجر: «إن تحديد تأخرات النمو عند الأطفال المعرضين للإصابة بفيروس زيكا أمر في غاية الأهمية، وتشخيص الإصابة مبكراً تمكن الأطباء من التدخل للحد من أضراره». أما نيلسن ساينس فتقول: «إن التدخل المبكر ممكن، إذ بينما أصيب ثلث الأطفال بتأخرات في النمو، فإن البقية لم يصابوا. ومع برامج التحفيز المبكر والعلاج الطبيعي وغيرها، يمكن التدخل قبل حدوث ضرر دائم على الأطفال.
البحث المستمر في كيفية عمل فيروس زيكا وتأثيراته يمكن أن يفيد الأطفال، من خلال تحديد النواحي التي ينبغي أن تستهدفها التدخلات الطبية. في حين أن الفيروس ليس منتشراً بالمعدلات نفسها التي شهدها العالم بين عامي 2015 و2016، فإن الفيروس قد يعاود الظهور مجدداً في أي وقت. إن فهم آثاره جميعها سيساعد الأطباء على معالجة المرضى المعرضين للإصابة به. تقول نيلسن ساينز: «في حال ثبتت إصابة شخص ما بهذا الفيروس، وطرح السؤال عن فرص معاناة الجنين من مشكلات في النمو، فيمكننا أن نقول إن احتمال إصابته بتأخرات في النمو تصل إلى الثلث، وذلك وفقا للأبحاث الحديثة».