يعتقد البعض بأن الفيتامينات هي عناصر غذائية لا يضر الإفراط بتناولها، وهو اعتقاد خاطئ من الناحية النظرية. إذ كما هو الحال مع أي مادة غذائية أو دوائية، فثمة حدود عليا للجرعة اليومية لا ينصح بتجاوزها. فعلى سبيل المثال، يشتبه العلماء بأن الإفراط في تناول الفيتامين د قد يؤدي إلى البدانة.
ولعل الفرق بين تناول جرعة مفرطة من الفيتامين د وتناول جرعة مفرطة من الأدوية التقليدية هو أن فرط جرعة الفيتامين د لا يظهر تأثيرها بشكل فوري. فعلى سبيل المثال، إذا قمت بتناول جرعة عالية من مسكن الألم الباراسيتامول، فقد ينتهي الأمر بك في قسم الطوارئ في المستشفى. أما إذا تناولت جرعةً مفرطة من الفيتامين د فلن تستدعي حالتك الذهاب إلى قسم الطوارئ، لا في نفس اليوم ولا بعد شهر من ذلك. إذن أين تكمن المشكلة؟
تكمن المشكلة في أن الفيتامين د، وخلافاً للعديد من الفيتامينات الأخرى، هو عنصر قابل للانحلال في الدهون، ما يعني بأن الكميات الزائدة عن حاجة الجسم منه لن تنطرح في البول كما هو الحال مع الفيتامينات المنحلة في الماء، وإنما سترتبط بدهون الجسم وتُخزَّن لاستخدامها لاحقاً. يعني ذلك بأن الإفراط في جرعات الفيتامين د يترك تأثيرات تراكمية على المدى الطويل.
إقرأ أيضاً: ما هي أعراض زيادة فيتامين د
للأسف، هناك الكثير من الناس الذين يتناولون مكملات الفيتامين د بشكل يومي دون حاجةٍ فعلية لها. إن الحد الأعلى المسموح بتناوله من الفيتامين د يومياً هو 4000 وحدة دولية (وهي وحدة تستخدم لقياس كمية من مادة، على أساس النشاط البيولوجي أو تأثيره). فإذا اعتاد الشخص على تناول كبسولتين يومياً من الفيتامين د (تحتوي كل منهما على 2000 وحدة دولية) فإن ذلك يعني حتماً بأنه يحصل على كمية زائدة من الفيتامين د، لأن التعرض لأشعة الشمس وتناول بعض المنتجات الغذائية يُزوّد الشخص بشكل طبيعي بالفيتامين د.
والملاحظ في أيامنا هذه تزايدُ أعداد الناس الذين يُقبلون على تناول مكملات الفيتامين د دون حاجةٍ فعلية لها. ففي دراسة حديثة جرى نشرها في مجلة الرابطة الأميركية للطب، خلُص الباحثون إلى أن ما نسبته 3.2% من الأميركيين يتناولون كبسولتين يومياً من الفيتامين د، وهي النسبة التي كانت بحدود 0.2% في الفترة بين عامي 2007 و2008. كما تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 18% من الأميركيين يتناولون 1000 وحدة دولية يومياً على الأقل من هذا الفيتامين، وهو ما يزيد بمقدار 400 وحدة دولية عن الحد اليومي المنصوح به من الفيتامين د (600 وحدة دولية). والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يشكل ذلك مشكلة فعليةً حقاً؟
تشير الدراسات المختلفة إلى عدم وجود ضرر من تناول مكملات الفيتامينات ضمن الحدود المسموح بها يومياً، إلا أنه بالمقابل لا يوجد أي دليل قوي يؤيد تناول تلك الجرعات الإضافية من الفيتامينات ما لم يكن الشخص يعاني عوزاً في أحدها. وينطبق ذلك على الأم الحامل أيضاً، إذ لا حاجة لها بتناول أية مكملات فيتامينة إضافية ما عدا حمض الفوليك. ولعل الفيتامين د يكون استثناءً نادراً، حيث يعاني الكثير من الناس من عوز الفيتامين د. وتشير الدراسات المختلفة إلى أن ما نسبته 30-40% من الأميركيين لا يحصلون على كفايتهم من الفيتامين د من خلال الأطعمة اليومية أو التعرض لأشعة الشمس، بسبب قلة الأطعمة الغنية بفيتامين د، مثل الأسماك الدهنية وصفار البيض والجبنة، وبالتالي فمن غير المتوقع أن يحصل الشخص على كميات كافية من الفيتامين د عن طريق تناول تلك الأطعمة فقط. ولهذا السبب، شرعت شركات صناعة الألبان بإضافة الفيتامين د إلى الحليب. أما بخصوص التعرض إلى أشعة الشمس (التي تُحفز إنتاج الفيتامين د في الجلد) فالمشكلة تكمن في الأخطار الكامنة وراء التعرض المديد لأشعة الشمس، والتي تفوق خطر عوز الفيتامين د. من جهةٍ أخرى، فكلما كان لون البشرة داكناً كلما تراجعت كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تنفذ عبر الجلد، وتراجعت معها عمليات إنتاج الفيتامين د في الجلد. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى وجود ارتباط بين انخفاض مستويات الفيتامين د والإصابة بالبدانة، رغم أن دراسةً أجريت في العام 2013 اقترحت بأن مرد تلك العلاقة هو وجود خاصية جينية ترتبط بكلا العاملين بشكل مستقل وتؤدي إلى التلازم بينهما، أي أن العلاقة بينهما ليست علاقة سبب ونتيجة.
يمكن للحالات الشديدة من عوز الفيتامين د أن تُسبب تليّن العظام، وهي الحالة التي تُعرف باسم الكُساح عندما تُصيب الأطفال، وتتظاهر بتقوس العظام بسبب نقص الكالسيوم. حيث يساعد الفيتامين د الأمعاء على امتصاص الكالسيوم من الطعام، وبالتالي فإن عوز الفيتامين د سوف يؤدي إلى عوز مناظر في الكالسيوم. وعلى الرغم من أن بعض الدراسات ربطت بين عوز الفيتامين د والعديد من الحالات المرضية الأخرى، مثل السرطان والسكري والربو، إلا أن أياً من تلك الدراسات لم تُثبت وجود علاقة سبب ونتيجة، وإنما مجرد ارتباط غير مفهوم في الوقت الراهن.
وخلاصة القول، على الرغم من صعوبة معرفة ما إذا كان الشخص مصاباً بعوز الفيتامين د أو لا، فإن تناول جرعات مفرطة من هذا الفيتامين قد يكون أسوأ من عوزه. كما يمكن للجرعات المفرطة من الفيتامين د أن تُسبب أعراضاً مَرَضية، مثل الغثيان والتقيؤ والإمساك والوهن العام. ففي إحدى الدراسات السريرية مزدوجة التعمية وجد الباحثون بأن مكملات الفيتامين د تجعل المرضى المسنين أكثر عُرضة للسقوط وكسر عظامهم، ما يُشكل خطراً أكبر من أي فائدة يمكن تحصيلها من تناول هذه المكملات. وبما أن الإفراط في تناول الفيتامين د قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في مستويات الكالسيوم، فقد ينتج عن ذلك تشكل حصى في الكلى والإصابة باضطراب في النظم القلبي.
إذن، فالمشكلة الأساسية تكمن في عدم الحصول نهائياً على الفيتامين د، وليس الحصول على كميات تقل عن الحد المطلوب منه. وحتى الكساح، فقد أصبح حالةً نادرةً في أيامنا هذه، ولعل ذلك يعود جزئياً إلى تعزيز العديد من المنتجات الغذائية بالفيتامين د. وهكذا، فإن التعرض لأشعة الشمس والحصول على الفيتامين د من مصادر غذائية قد يكون كافياً لكي يعمل الجسم بصورة سليمة، حتى وإن لم يصل الوارد اليومي من الفيتامين د إلى الحد المطلوب. فلا يحتاج الشخص يومياً أكثر من 1000 وحدة دولية من الفيتامين د من جهة، ومن جهةٍ أخرى لا تتوفر أدلة علمية تقول بأن تناول مكملات الفيتامين د يمكن أن تشفي أو تقي من الإصابة بتخلخل العظام أو الكسور العظمية أو تحسن من الكثافة العظمية أو تقي من العدوى. والبديل الأفضل لمكملات الفيتامين د هو تناول الأغذية الغنية به، مثل السمك والبيض، أو التعرض قليلاً لأشعة الشمس، وسيكون ذلك كافياً ووافياً.