الإنسان كائن قوي وضعيف بالوقت ذاته، إذ يمكن له أن يبني المساكن والأدوات والأجهزة التي تساعده على البقاء على قيد الحياة ومقاومة الظروف التي يعيش بها، ولكن قد يموت بسبب الإفراط بتناول الملح أو التعرض لحرارة مرتفعة لبضع ساعات. إليك أبرز الحدود التي يستطيع الإنسان تحملها من حرارة ورطوبة وإشعاع وغيرها في هذا المقال.
درجة الحرارة والرطوبة العظمى التي يمكن أن يحتملها الإنسان
تُقاس درجة الحرارة القصوى المرتفعة التي يتحملها الإنسان بدرجة حرارة الميزان الرطبة، وهي درجة الحرارة المشار إليها بواسطة ميزان حرارة مُحاط بقطعة قماش مبللة تتعرض لتدفق الهواء لمحاكاة تأثير التعرق، ومن المفترض نظرياً أن يصل حد بقاء الإنسان عند درجة حرارة الميزان الرطبة إلى 35 درجة مئوية بالإضافة إلى الرطوبة بنسبة 100% بالجو، أو درجة حرارة ميزان رطبة مقدارها 46 مئوية عند 50% من الرطوبة، وذلك لمدة 3 ساعات تقريباً.
وللتوضيح؛ عندما تكون درجة حرارة الوسط الخارجي 46.1 درجة مئوية والرطوبة النسبية 30% ستكون درجة حرارة الرطبة للميزان نحو 30.5 درجة مئوية، وعندما تكون درجة حرارة الجو 38.9 درجة مئوية والرطوبة النسبية 77% تعادل درجة حرارة الميزان الرطبة نحو 35 درجة مئوية.
والسبب الأساسي الذي يجعل البشر عاجزين عن البقاء في درجات الحرارة العالية والرطوبة العالية هو عدم قدرتهم على التحكم باستخدام آليات تنظيم حرارة الجسم الأساسية، وهي التعرق الذي يبرد الجسم.
اقرأ أيضاً: 5 طرق لتبريد المنزل دون الإفراط في استخدام التكييف
كمية الملح التي يستطيع الإنسان تناولها
يسبب تناول الكثير من الملح دفعة واحدة، سواء في وجبة واحدة أو على مدار يوم، ظهور عواقب قصيرة المدى مثل احتباس الماء والانتفاخ، لأن الكليتين ترغبان في الحفاظ على نسبة معينة من الصوديوم إلى الماء في الجسم، لذا يتم الاحتفاظ بالمياه الزائدة لتعويض الصوديوم الإضافي الذي تناولته.
بالإضافة لذلك، يحدث ارتفاع بضغط الدم نتيجة تدفق حجم دم أكبر عبر الأوعية الدموية والشرايين والعطش الشديد، وقد يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان المعدة.
الجرعة الزائدة المميتة من الملح تعادل استهلاك كميات منه تُقدّر بنحو 0.5-1 غرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم، أي 35-70 غراماً من الملح (2-4 ملاعق كبيرة) لشخص يزن 70 كيلوغراماً.
كمية الإشعاع التي يستطيع الإنسان تحملها
هناك نوعان من الإشعاع، وهما الإشعاع غير المؤين الذي ينتقل على شكل ضوء وموجات راديو ومن أفران المايكرويف والرادار، ولا تسبب هذه الأشكال من الأشعة تلفاً للأنسجة، بينما تكون للإشعاع المؤين تأثيرات فورية على الأنسجة البشرية، ومنها الأشعة السينية وأشعة غاما، ويُستخدم هذا النوع من الإشعاع في الفحوصات الطبية والعلاج والأغراض الصناعية ولتطوير الأسلحة.
يمكن أن يحدث التعرض للإشعاع بشكلٍ حاد عند التعرض لمرة واحدة أو يمكن أن يحدث على شكل سلسلة من حالات التعرض الصغيرة التي تتراكم بمرور الزمن، ويتم قياس التعرض للأشعة السينية أو أشعة غاما بوحدة رونتجن، ويمكن تصنيف خطورة التعرض بما يلي:
- يؤدي تعرض الجسم الكلي لـ 100 رونتجن / راد أو وحدة غراي (Gy) إلى الإصابة بمرض الإشعاع، وهو مرض ناتج عن السمية الإشعاعية التي تحدث بعد التعرض المفرط للأشعة.
- يؤدي تعرض الجسم البالغ لـ 400 رونتجن / راد أو 4 غراي إلى الإصابة بمرض الإشعاع والوفاة في نصف الأفراد المعرضين في غضون 30 يوماً في حال عدم المعالجة.
- يؤدي التعرض إلى 100,000 رونتجن / راد أي 1000 غراي إلى فقدان الوعي فورياً والموت في غضون ساعة.
تعتمد شدة الأعراض والمرض على نوع الإشعاع وكميته وطول فترة التعرض وجزء الجسم الذي تعرض، ومن الممكن أن تظهر أعراض داء الإشعاع مباشرةً بعد التعرض أو خلال الأيام أو الأسابيع أو الأشهر القليلة التالية للتعرض.
اقرأ أيضاً: هل نجح الأطباء بالفعل في إدخال الجسم في حالة من السُّبات؟
كمية الماء التي يمكن أن يشربها الإنسان دون أن يموت
تميلُ أعراض تسمم الماء إلى الظهور بعد تناول أكثر من 3 إلى 4 لترات من الماء في غضون ساعات قليلة، وتشمل الأعراض المحتملة لتسمم الماء ما يلي:
- ألم في الرأس.
- تقلصات أو تشنجات أو ضعف في العضلات.
- الغثيان أو القيء.
- النعاس والتعب.
- حدوث نوبات أو فقدان للوعي.
ومع تراكم السوائل في الجسم، تبدأ الخلايا جميعها، بما في ذلك خلايا الدماغ، بالانتفاخ، ويمكن أن يؤدي التورم في الدماغ في النهاية إلى الغيبوبة والنوبات والموت إذا لم يعالجها الطبيب بسرعة.
بينما في الحالة المعاكسة، يمكن للناس أن يعيشوا 3-4 أيام دون ماء في البيئات الحارة، أمّا في البيئات الباردة يمكن للشخص أن يعيش لنحو أسبوع واحد دون شرب الماء.
أخفض درجة حرارة يحتملها الإنسان
يعد جسم الإنسان ذا كفاءة أكبر في إزاحة الحرارة الزائدة بدلاً من الاحتفاظ بها، وعندما يفقد الجسم الحرارة بشكلٍ أسرع مما يمكنه أن يولّدها، تبدأ درجة الحرارة الأساسية بالانخفاض.
يبلغ متوسط درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية، وعندما تصبح درجة الحرارة داخل الجسم 35 درجة مئوية نتيجة انخفاض الحرارة المحيطة، يمكن أن يعاني الإنسان من انخفاض حرارة الجسم وارتعاش وشحوب الجلد، وعند درجة حرارة 30 مئوية سيصبح الشخص فاقداً للوعي، وعند درجة حرارة 25 مئوية يمكن أن تحدث السكتة القلبية.
لا يستطيع معظم الناس البقاء على قيد الحياة إذا انخفضت درجة حرارة جسمهم الداخلية إلى 23.8 درجة مئوية، لكن يختلف طول الفترة الزمنية التي يمكن أن يتحملها كل شخص وفقاً لمدى تكيّفه مع البرد، وإذا وصلت درجة الحرارة في الخارج إلى -40 درجة مئوية، سيموت معظم البشر في غضون 10 دقائق من التعرض.
أطول مدة دون أوكسجين يمكن أن يحتملها الإنسان
لا يمكن لمعظم البشر أن يحبسوا أنفاسهم لأكثر من دقيقة، ويمكن لحبس الأنفاس لفترة طويلة أن يسبب مشكلات في القلب وتلفاً للدماغ، وبعد مرور دقيقتين، يمكن أن يبدأ الدخول في غيبوبة عميقة، وبعد 3 دقائق من المحتمل أن يموت الشخص الذي حبس أنفاسه.
يمكن لبعض الناس أن يحبسوا أنفاسهم لفترة أطول إذا كانوا تحت الماء، حيث تنشط السباحة "منعكس الغوص"، ما يبطئ معدل ضربات القلب والاستقلاب، ويمكن للغواصين المتدربين أن يحبسوا أنفاسهم لمدة 11 دقيقة تحت الماء.
اقرأ أيضاً: ما تحتاج إلى معرفته عن استجابة الكر والفر وكيف يتفاعل الجسم مع المخاطر
أعمق نقطة في البحر يمكن أن يحتمل الإنسان وجوده فيها (أعلى ضغط يتحمله الإنسان)
يشكّل الضغط المتزايد في أعماق المياه خطراً على حياة البشر، إذ يسمح بدخول المزيد من الأوكسجين والنيتروجين إلى الدم، ما قد يجعل الغواصين يصابون بالدوار أو التعب ويصبحون غير قادرين على اتخاذ قرارات سليمة.
لم يتم تحديد العمق الدقيق الذي يمكن أن يحتمله الإنسان تحت الماء، ولكن سبب الوفاة هو انهيار الرئتين نتيجة الضغط الشديد، ويغطس بالعادة معظم الغواصين المحترفين لعمق 122 متراً تحت المياه كحد أقصى حيث يتجاوز الضغط في هذه النقطة الـ 1000 ميللي بار.
أعلى ارتفاع يمكن تسلقه والبقاء على قيد الحياة (أخفض ضغط وتركيز أوكسجين)
لا يمكن للبشر البقاء على قيد الحياة دون خزان أوكسجين في أثناء التسلق عندما يزيد الارتفاع على ما يقرب 8 كيلومترات، إذ سيصبح التنفس صعباً ويتعرض الشخص من بعدها للاختناق، وتدعى هذه النقطة بالارتفاع نقطة الموت، ويبلغ الضغط الجوي بها نحو 356 ميللي بار وتركيز الأوكسيجين 15.4% وفي حال لم يتوفر مصدر أوكسيجين صناعي من العبوات سيموت الشخص بسبب الاختناق.
اقرأ أيضاً: دراسة تكشف التغيرات التي تحدث لدماغ البشر بعد بقائهم في الفضاء لفترة طويلة
أطول مدة يستطيع الإنسان احتمالها دون طعام
في حال فقدان الشخص نحو 30% من وزنه بسبب الحرمان من الطعام فهو معرض للموت، ولكن في حالة الخسارة السريعة في الوزن يكون الشخص أكثر عرضة للوفاة بسبب المرض قبل الجوع.
وتعد أقصى مدة مسجلة لإنسان بقي على قيد الحياة دون طعام 45 يوماً مع شرب الماء، لكن مقدار الوقت يتأثر بوزن الجسم وتكوينه والتغيرات الجينية واعتبارات صحية أخرى، وتكون فرص البقاء على قيد الحياة لفترة أطول دون طعام أعلى إذا كان وزن جسم الشخص أعلى.
أطول فترة يحتملها الإنسان دون نوم
وصلت أطول مدة بقي فيها الإنسان مستيقظاً طواعية دون نوم إلى 264 ساعة أي نحو 11 يوماً، وحمل هذا الرقم القياسي الشاب راندي غاردنر البالغ من العمر 17 عاماً الذي حرم نفسه من النوم لمشروع معرض العلوم بالمدرسة الثانوية عام 1964، وعام 2012، توفي رجل يبلغ من العمر 26 عاماً بعد 11 يوماً من محاولته البقاء مستيقظاً لمشاهدة كل مباراة في كأس أوروبا، لكنه كان مدخناً ومستهلكاً للكحول بشكلٍ دائم، ما قد يكون سبب وفاته عدا عن البقاء مستيقظاً.
يُقدَّر أن البشر يمكن أن يقضوا نحو 14 يوماً دون نوم قبل حدوث الوفاة لهذا السبب، لكن لا توجد طريقة للتأكد من ذلك، لكن ما نعرفه حالياً هو أن الحرمان من النوم يسبب عدة أعراض صحية خطيرة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والبدانة ناهيك عن التأثيرات السلبية على الصحة النفسية والقدرات العقلية للشخص.
اقرأ أيضاً: هل يومض شريط الذكريات قبل الوفاة؟ مسح نادر لدماغ بشري يحتضر
شدة التيار الكهربائي الكافية لقتل الإنسان
لا يعد الجهد الكهربائي العنصر القادر على قتل البشر، بل شدة التيار، إذ توفي أشخاص عند 42 فولط، بالإضافة لذلك يعد الوقت عاملاً مُحدداً للوفاة، حيث يمكن أن يكون تيار شدته 0.1 أمبير لمدة ثانيتين فقط قاتلاً.
يعد التيار الذي تبلغ شدته 10 ميلي أمبير أو 0.01 أمبير صدمة شديدة كافية لإيقاف عضلة القلب، لكن هذا التيار لا يصل أبداً إلى القلب بسبب مقاومة البشرة العالية حيث تمتص هذا التيار بشكلٍ كامل، لكن في حال وصل هذا التيار الضعيف إلى القلب فالوفاة ستكون مؤكدة، وفي حال التعرض لتيار 2000 ميلي أمبير أو 2 أمبير سيُصاب الشخص بحروق داخلية ويفقد وعيه، وسيُصاب القلب بسكتة ما يؤدي إلى الوفاة.
أكبر كمية نزيف يمكن أن يحتملها الإنسان
يمكن تقسيم النزيف إلى أربعة تصنيفات حسب شدتها، وهي:
- نزيف من الدرجة الأولى: وهو نزيف يساوي أو يقل عن 15% من إجمالي حجم الدم في الجسم، قد يشعر الشخص بالدوار قليلاً.
- نزيف من الدرجة الثانية: ويعبّر عن فقدان 15-30% من حجم الدم، وتبدأ به أعراض فقدان الدم بالظهور بشكلٍ واضح، إذ يحاول الجسم التعويض في هذه المرحلة بضربات قلب أسرع لتسريع وصول الأوكسجين إلى الأنسجة، وسيشعر المريض بالضعف، ويبدو شاحباً وستزداد برودة جسمه.
- نزيف من الدرجة الثالثة: ويشير إلى فقدان 30-40% من إجمالي حجم الدم، وعادةً ما يكون نقل الدم ضرورياً عند حدوث نزيف بهذا الحجم.
- النزيف من الدرجة الرابعة: يحدث عندما يفقد الشخص أكثر من 40% من حجم دمه (2 لتر)، وفي هذه الحالة لن يكون القلب قادراً على الحفاظ على ضغط الدم والدورة الدموية، لذا ستفشل الأعضاء وسيسقط المريض في حالة غيبوبة تسبق الموت.