ملخص: اكتشف فريق من العلماء أن النباتات المتنافسة قد ينافس بعضها بعضاً على المساحة المتوفرة على أجسام الملقّحات، ما يسهم في تحديد حبوب اللقاح التي تصل إلى الأزهار التي تزورها هذه الملقحات. لاحظ الباحثون أن زهرة "هايبينيا ماكرانثا" تستخدم آلية شبيهة بالمنجنيق لإزالة حبوب اللقاح التي تعود للأزهار المنافسة من منقار الطائر الطنان ووضع حبوب اللقاح الخاصة بها عليه من خلال قذفها، ما يزيد فرص نجاحها التكاثري. تمثّل النتائج الجديدة أدلة على فرضية الإزالة التنافسية لحبوب اللقاح في النباتات، والتي تنص على أن النباتات تتلاعب بكمية حبوب اللقاح التي تنتقل إلى الملقحات في منافسة على الوصول إلى بويضات الأزهار التي ستزورها هذه الملقحات.
التلقيح في مملكة النباتات هو عملية لا رحمة فيها. اكتشف فريق من العلماء من جنوب إفريقيا والبرازيل أن النباتات المتنافسة قد يزاحم بعضها بعضاً على المساحة المتوفرة على أجسام الملقِّحات. تسهم هذه المنافسة في تحديد حبوب اللقاح التي تتمكن من الوصول إلى الأزهار التي تزورها الملقحات. وصف الباحثون النتائج الجديدة في دراسة نشرتها مجلة ذي أميريكان ناتشوراليست (The American Naturalist) مؤخراً.
طوّر بعض الحيوانات والحشرات بمرور الوقت بنى معقدة على القضبان يعتقد العلماء أنها تزيل السائل المنوي للذكور المنافسين من الأجهزة التناسلية للإناث قبل حقن الحيوانات المنوية.
التنافس في المملكة النباتية
على عكس تزاوج الحيوانات، لا يتطلب التكاثر النباتي الاتصال المباشر بين الأزهار. حتى يتنافس ذكور النباتات مع الذكور الآخرين، يجب عليهم أن يتلاعبوا بحبوب اللقاح (التي تحمل النطاف النباتية) قبل أن تصل إلى الأزهار الأخرى محمولة على أجسام الملقحات مثل العث أو النحل أو الفراشات. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع نسبة 94% تقريباً من النباتات بأعضاء تكاثرية ذكورية وأنثوية. تمر الأزهار غالباً بمرحلة نضج ذكرية أولاً ثم بمرحلة نضج أنثوية لتجنب التلقيح الذاتي.
ويعتقد فريق الدراسة أن النباتات قادرة على التلاعب بكمية حبوب اللقاح التي تنتقل إلى أجسام الملقحات ووقت وصولها أيضاً. ربما اكتسبت النباتات لفعل ذلك أيضاً استراتيجيات أشبه بطرق التلاعب بالسائل المنوي التي اكتسبتها الحيوانات.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر موعد أخذ اللقاح في فاعلية النتائج؟
درس الباحثون بهدف تعلم المزيد عن هذه الظاهرة زهرة معمّرة حمراء اللون تستوطن البرازيل وتحمل اسم "هايبينيا ماكرانثا" (Hypenea macrantha) أعدَّ هؤلاء محاكاة تجريبية في المختبر واستخدموا التصوير بالحركة البطيئة لتوثيق الاستراتيجية التي يتبعها هذا النبات. تستخدم الزهرة آلية شبيهة بالمنجنيق لإزالة حبوب اللقاح التي تعود للأزهار المنافسة من منقار الطائر الطنان ووضع حبوب اللقاح الخاصة بها بإحكام في المكان نفسه.
آلية تشبه المنجنيق لإزالة حبوب اللقاح المنافسة
هذه الآلية التي تحمل اسم "الإيداع الانفجاري لحبوب اللقاح" (explosive pollen placement) معروفة في مملكة النبات. تتمتع نبتة التوت الأبيض بأسرع حركة معروفة للإيداع في المملكتين النباتية والحيوانية؛ إذ تتجاوز سرعة آلية المنجنيق الخاصة بها 170 متراً في الثانية.
ما يميّز الدراسة الجديدة هو أنها توفّر أدلة تجريبية على فعالية آلية الإيداع الانفجاري لحبوب اللقاح. جمع الفريق هذه البيانات من خلال وسم حبوب اللقاح التي يزيلها الانفجار باستخدام النقاط الكمومية، وحلل الفيديو الذي وثّق حركتها البطيئة. تتحرك حبوب لقاح زهرة هايبينيا ماكرانثا بسرعة 2.6 متر في الثانية بعد إطلاقها. على سبيل المقارنة، يجري البطل الأولمبي يوسين بولت بسرعة 10.4 أمتار في الثانية، أي نحو 4 أضعاف سرعة تحرك هذه الحبوب.
وفقاً لفريق الدراسة، تمثّل النتائج الجديدة أدلة على فرضية الإزالة التنافسية لحبوب اللقاح في النباتات. ربما أسهمت المنافسة بين ذكور النباتات أيضاً في تطوّر هذه الاستراتيجية.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل حول تغذية النحل بحبوب اللقاح
قال عالم البيولوجيا التطورية في جامعة ستيلينبوش في جنوب إفريقيا والمؤلف المشارك للدراسة، بروس أندرسون، في بيان صحفي: "تضع الأزهار التي تزورها الطيور الطنانة حبوب اللقاح على مناقير هذه الطيور، لكن المساحة على المناقير التي يمكن وضع حبوب اللقاح فيها صغيرة. اكتسبت الأزهار آلية منجنيقيّة تطلق وفقها حبوب اللقاح على منقار الطائر الطنان. تزيل قوة الحبيبات القذفية الحبيبات التي وضعتها النباتات المنافسة سابقاً، ما يتيح للزهرة وضع حبيباتها الخاصة على منقار خالٍ من حبوب اللقاح، وبالتالي زيادة فرص نجاحها التكاثري".
اقرأ أيضاً: دراسة: حبوب اللقاح قد تحل الألغاز المتعلقة بهجرة أسلاف البشر
تلاعب بالملقحات بهدف زيادة فرص التكاثر
ربما تتنافس هذه النباتات ببعض الطرق غير المعروفة. لا تتفاعل الأزهار مثل هايبينيا ماكرانثا مع بعضها عموماً عند التزاوج، ما يجعل تلاعبها في هذه العملية صعباً مقارنة بالحيوانات وبعض النباتات الأخرى. مع ذلك، فإن التلاعب بالخلايا العروسية قد يحدث في الواقع على جسم الملقح الذي يصل إلى الزهرة وليس على أوراق الأزهار الأخرى أو بتلاتها.
إذا وصل ملقح ما مثل الطائر الطنان السريع الحركة إلى زهرة وهو مغطى بحبوب لقاح من نباتات منافسة زارها سابقاً، فقد لا تتمكن الزهرة من وضع حبوب اللقاح الخاصة بها على الطائر لأنه مغطى بحبوب نبات منافس. وحتى لو تمكنت من وضع بعض حبوب اللقاح على الطائر، فإن فرص نجاحها التكاثري قد تكون منخفضة للغاية؛ لأن حبوب اللقاح الخاصة بها تتنافس مع حبوب اللقاح الأخرى على الوصول إلى بويضات الأزهار التي سيزورها الطائر بعدها.
قال أندرسون: "ما الذي تفعله الزهرة في هذه الحالة؟ مثل الحيوانات التي تتمتع بالبنى المتخصصة على قضبانها، اكتسبت أنواع من النباتات استراتيجيات لإزالة حبوب اللقاح من الملقحات قبل وضع حبوب اللقاح الخاصة بها".
اعتقد العلماء سابقاً أن استراتيجية الانفجار الزهري هي في الأساس استراتيجية مُساعِدة لوضع حبوب اللقاح على الملقحات. افترض هؤلاء أيضاً أن هذه الاستراتيجية هي طريقة تهدف إلى إخافة الملقحات ودفعها إلى الطيران نحو نباتات أخرى ونشر حبوب اللقاح في منطقة أوسع.
قال عالم النبات والباحث في الجامعة الفيدرالية في أوبهلانجا في البرازيل والمؤلف المشارك للدراسة، فينيسيوس بريتو، في بيان صحفي: "تشير بياناتنا إلى أن هذه الآلية تؤدي إلى وضع حبوب لقاح النبات بدلاً من حبوب لقاح النباتات التي زارها الملقّح سابقاً، ما يعزز نجاح التكاثر الذكري من خلال زيادة المنافسة على المساحة المتوفرة على أجسام الملقحات".