دراسة: حبوب اللقاح قد تحل الألغاز المتعلقة بهجرة أسلاف البشر

دراسة: حبوب اللقاح قد تحل الألغاز المتعلقة بهجرة أسلاف البشر
من المحتمل أن حبوب اللقاح التي تتسبب بالحساسية في الربيع ساعدت على إرساء الأساس لهجرة أسلاف البشر الأوائل إلى أوراسيا. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك لغز متكرر الظهور يتعلق بهجرات البشر المبكّرة: متى شق الإنسان العاقل طريقه من إفريقيا إلى أوروبا وآسيا بالضبط؟ وفقاً لدراسة نشرت بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة ساينس أدفانسز (Science Advances)، من المحتمل أن ارتفاع درجات الحرارة في فترة محددة أسهم في تدفق البشر إلى أوراسيا. ربما أسهم الارتفاع في كل من درجات الحرارة ومستويات الرطوبة في نمو الغابات في المنطقة وتوسعها شمالاً تجاه ما يُدعى اليوم سيبيريا. تعتمد هذه الفرضية على وجود حبوب اللقاح في سجل الرسوبيات في هذه المنطقة. من المحتمل أن حبوب اللقاح التي تتسبب بالحساسية في الربيع ساعدت على إرساء الأساس لهجرة أسلاف البشر الأوائل إلى أوراسيا.

ثلاث موجات من الهجرة

ومن المحتمل أن حركة الهجرة هذه بدأت بثلاث موجات توجّهت إلى أوراسيا منذ نحو 54 ألف سنة. من المرجح أيضاً أن كلاً من المناخ البارد والمناخ الدافئ أدى دوراً في هذه الهجرات. من المعروف أن العصر الحديث الأقرب شهد تحولات مناخية كبيرة، مثل تشكّل الصفائح الجليدية الضخمة والأنهار الجليدية التي شكّلت العديد من التضاريس التي نراها على الأرض اليوم.

لفهم المناخ السائد خلال إحدى الفترات التي امتدت بين 45 ألفاً و50 ألف سنة مضت ومن المحتمل أنها كانت دافئة، أنشأ مؤلفو الدراسة الجديدة سجلاً للنباتات وحبوب اللقاح من العصر الحديث الأقرب التي وجدت حول بحيرة بايكال في منطقة سيبيريا في روسيا، التي تحتوي على أقدم البقايا الأثرية للإنسان العاقل في المنطقة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: البشر ورثوا الأنف الطويل من إنسان نياندرتال

جدول زمني لحبوب اللقاح

استخدم الباحثون نوى الرواسب لاستخراج البيانات بهدف إنشاء جدول زمني لحبوب اللقاح، وتشير الدراسة إلى أن انتشار البشر حدث خلال فترة شهدت بعضاً من أعلى درجات الحرارة ونسب الرطوبة في أواخر العصر الحديث الأقرب. يمثّل وجود كمية كبيرة من حبوب اللقاح القديمة، وبالتالي أشكال الحياة النباتية، في السجل دليلاً على أنه من المحتمل أن الغابات الصنوبرية والمراعي انتشرت أكثر في جميع أنحاء المنطقة، وأنه من المحتمل أنها مثلّت مورداً كافياً للطعام والصيد بالنسبة للبشر.

وفقاً لعالم الأنثروبولوجيا في جامعة كانساس ومؤلف الدراسة الجديدة، تيد غوبل، تكشف البيانات البيئية والأدلة الأثرية عن تاريخ جديد لهذه المنطقة؛ إذ قال في بيان صحفي: “تتناقض هذه المعلومات مع بعض وجهات نظر علماء الآثار الحديثة في أوروبا. العامل الأهم هنا هو التأريخ الدقيق، ليس فقط للأحافير البشرية وعظام الحيوانات المرتبطة بآثار هؤلاء البشر، بل أيضاً للسجلات البيئية، التي تشمل سجل حبوب اللقاح. ما قدّمناه هو تسلسل زمني دقيق للتغيرات البيئية في بحيرة بايكال خلال هذه الفترة الزمنية، يتمّمه سجل أثري مؤرّخ بدقة لوجود الإنسان العاقل في المنطقة”.

خريطة لطرق الهجرة المفترضة للإنسان العاقل المبكّر من إفريقيا عبر أوراسيا. المصدر: تيد غوبل.
خريطة لطرق الهجرة المفترضة للإنسان العاقل المبكّر من إفريقيا عبر أوراسيا. المصدر: تيد غوبل.

اقرأ أيضاً: هل ساعدت الرماية البشر على اكتساب أفضلية على إنسان نياندرتال؟

روابط محتملة بين حبوب اللقاح والهجرات البشرية

عمل غوبل مع فِرق من 3 مؤسسات يابانية، ويضم الفريق الباحث من جامعة طوكيو الحضريّة، ماسامي إيزوهو. لاحظ الفريق في أثناء تحليل حبوب اللقاح وجود بعض الروابط المحتملة بين بيانات حبوب اللقاح والسجل الأثري لهجرة البشر المبكّرة إلى المنطقة. صنع البشر المعاصرون الأوائل في هذه الفترة الأدوات الحجرية، واستخدموا العظام وقرون الحيوانات وحتى العاج لصناعة هذه الأدوات.

قال غوبل: “وُجدت أحفورة بشرية في سيبيريا، لكنها لم توجد في بحيرة بايكال بل في أقصى الغرب، في مكان يحمل اسم أوست-إيشيم. الفرد الذي تعود له هذه الأحفورة إنسان من الناحية الشكلية، ولكن الأهم من ذلك هو أنها محفوظ جيداً بصورة استثنائية. استخدام العلماء التأريخ بالكربون المشع مباشرة لتحديد عمر هذه الأحفورة، واتضح أنها تحتوي على الحمض النووي القديم، ما يؤكد أنها تعود للإنسان العاقل الحديث ولا علاقة لها بالإنسان البدائي أو إنسان دينيسوفا أو الأنواع الأخرى من البشر القدماء الذين عاشوا في عصر ما قبل الحداثة.

اقرأ أيضاً: هيكل خشبي مكتشف حديثاً يُبيّن أن تسمية “العصر الحجري” لم تَعد دقيقة

من المحتمل أن البشر الأوائل في المنطقة عاشوا في عائلات أوليّة موسّعة، ولكن من الصعب التأكد من ذلك لأن الكثير من الأدلة الأثرية فسد بمرور الوقت. يحتوي موقع أوست-إيشيم في سيبيريا على أقدم الأدلة المعروفة التي تبيّن تعايش البشر المعاصرين مع الأنواع البشرية الأخرى في المنطقة التي أصبحت منقرضة الآن، لكن وفقاً للفريق، كان الاكتشاف “منعزلاً”.

قال غوبل: “نحن نفتقر إلى المعلومات حول السياق الأثري، لهذا الاكتشاف، أو المعلومات التي تبين إن كانت الأحفورة تعود إلى مستوطنة أو أنها مجرد عظمة انفرادية جرفتها المياه. بالتالي، فإن ربط الفرد الذي تعود له الأحفورة بالمواقع الأثرية في منطقة بايكال ليس رصيناً علمياً. أحد الأسئلة المهمة هو هل تعود الأدلة الأثرية في الموقعين إلى الجماعة نفسها؟ نعتقد أن الجواب هو نعم، ولكننا بحاجة إلى المزيد من الأدلة بالتأكيد”.