بيّنت أدلة جديدة كشفها فريق دولي من الباحثين أن سحب الغبار الضخمة المهاجرة التي تنشأ في الصحراء الكبرى تؤدي دوراً بالغ الأهمية في دعم الأحياء في المحيط الأطلسي حتى حوض الأمازون. لكن هذا العامل المعزز للتنوع البيولوجي يصبح مفيداً بصورة خاصة بعد الانتقال مسافة آلاف الكيلومترات في الغلاف الجوي.
تحتاج الأحياء الحيوانية والنباتية إلى الحديد لتزدهر، وتنشأ كمية كبيرة من هذه المادة المغذية الدقيقة الموجودة في المحيط الأطلسي غالباً في أحد أكثر الأماكن جفافاً في العالم، وهي الصحراء الكبرى. لكن هناك العديد من أنواع الحديد التي تتمتع بمستويات مختلفة من التفاعلية الحيوية، وكلما ارتفع المستوى، أصبح من الأسهل على الكائنات الحية مثل العوالق النباتية استخدام الحديد في العمليات مثل التركيب الضوئي والتنفس. ووفقاً لدراسة نشرتها مجلة آفاق في العلوم البحرية (Frontiers in Marine Science) بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2024، فإن أعمدة الغبار التي تسافر من الصحراء الكبرى تجاه الساحل الشرقي للولايات المتحدة توفر كميات كبيرة من الحديد للمناطق عبر المحيط الأطلسي، لكن الرحلة نفسها هي التي تجعل هذه المادة المغذية الدقيقة مفيدة للكائنات الحية والنباتات البعيدة.
اقرأ أيضاً: هل يسهم غبار الصحراء في تغذية العوالق النباتية في المحيط؟
حديد بشكل تفاعلي مفيد للكائنات في المحيط الأطلسي
وقال الأستاذ المشارك في جامعة ولاية فلوريدا والمؤلف المشارك للدراسة، جيريمي أوينز، في بيان صحفي: "بدلاً من التركيز على محتوى الحديد الإجمالي كما فعل الباحثون في الدراسات السابقة، قسنا كمية الحديد التي تذوب بسهولة في المحيط والتي تستطيع الكائنات البحرية استخدامها في مساراتها الاستقلابية. إن جزءاً صغيراً فقط من إجمالي الحديد في الرواسب متاح حيوياً، لكن هذا الجزء قد يتغير في أثناء انتقال الحديد بعيداً عن مصدره الأصلي، وكان هدفنا في الدراسة هو استكشاف هذه التغيرات".
استخدم الباحثون عيّنات لبيّة من قاع المحيط الأطلسي استخرجها خبراء ضمن برنامج اكتشاف المحيطات الدولي (IODP)، وقاسوا مستويات الحديد الإجمالية فيها. بعد ذلك، قارن الباحثون مستويات الحديد في كل عينة ببعدها عن ممر الغبار بين الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل الإفريقي. تشتهر هذه المنطقة الواقعة بين موريتانيا وتشاد بأنماط الرياح التي تنقل الجسيمات المحمولة جواً آلاف الكيلومترات بكميات كبيرة لدرجة أنها قابلة للرصد من خلال صور الأقمار الاصطناعية.
جمع الفريق العينات اللبية من مناطق تقع على بعد نحو 200 كيلومتر و499 كيلومتراً شمال غرب موريتانيا، ومن مسافة 499 كيلومتراً تقريباً قبالة الساحل الشرقي لولاية فلوريدا الأميركية. وركّز الباحثون على نسب الحديد والمعادن في أعماق تتراوح بين نحو 60 و195 متراً في العينات، وهي أعماق تقابل آخر 120 ألف سنة. وعثر الباحثون على كمية كبيرة من الحديد الذي حللوه في مركّبات معدنية مختلفة مثل الغوثيت والمغنتيت والبيريت والهيماتيت وكربونات الحديد، التي يعتقد العلماء أنها تشكلت من الحديد التفاعلي حيوياً في قاع البحر.
اقرأ أيضاً: الأوكسجين المظلم في قاع المحيط قد يقلب فرضيات نشأة الحياة رأساً على عقب
توصل الباحثون إلى أن مستويات الحديد التفاعلي حيوياً كانت أخفض في العينات الأقرب إلى الأميركيتين مقارنة بتلك القريبة من إفريقيا. ويشير ذلك إلى أن غبار الصحراء الكبرى يحتوي على كمية أكبر من الغبار التفاعلي حيوياً الذي تستهلكه الكائنات المائية قبل أن يصل إلى قاع المحيط. لكن في الوقت نفسه، يمر الغبار المتبقي الذي يتحرك على طول طريق الهجرة الجوية بمختلف العمليات الضوئية الكيميائية الطويلة الأمد التي تزيد قابليته للذوبان من خلال تركيب الأحماض.
قال الأستاذ في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد والمؤلف المشارك للدراسة، تيموثي لايونس، في بيان صحفي: "تشير نتائجنا إلى أن الخصائص المعدنية للحديد في الغبار غير التفاعلي حيوياً في الأصل تتغير في أثناء انتقال الغبار جواً لمسافات طويلة، ما يجعله أكثر تفاعلية من الناحية الحيوية. تمتص العوالق النباتية هذا الحديد قبل أن يصل إلى القاع".
قال أوينز: "كلما زادت المسافة، كان الحديد أكثر تفاعلية من الناحية الحيوية".
وفقاً للنتائج الجديدة، خلص الفريق إلى أن الغبار في المناطق مثل حوض الأمازون وجزر الباهاما ربما يحتوي على الحديد الداعم للحياة لأنه عبر مسافات طويلة وخضع لتأثيرات جوية بعد وصوله من شمال إفريقيا.